جديد 4E

الحكم الدستوري رقم ( 2 ) بكامل تفاصيله

كيف اعترض رئيس الجمهورية أمام المحكمة الدستورية العليا على قانونٍ أقرّه مجلس الشعب ..؟!

” الأيام ” تنفرد بنشر نصّ اعتراض الرئيس وكيفية تعاطي المحكمة ومناقشتها له.. والبتّ فيه

الرئيس اعترض على ثلاث نقاط مخالفة للدستور .. والمحكمة الدستورية تحرّت المواد كلها فاكتشفت خللاً رابعاً

الحكم قضى بإعلان عدم دستورية النقاط الأربعة وعدّها نصوصاً لاغية لمخالفتها الدستور .. ومجلس الشعب يوافق     

خاص للأيام – علي محمود جديد

ضجّت الأوساط الشعبيّة والإعلامية في سورية مؤخراً بقيام المحكمة الدستورية العليا بإلغاء بعض مواد قانون مجلس الدولة بعد أن كان مجلس الشعب قد أقرّه وأرسله إلى رئاسة الجمهورية لتوقيعه وإصداره، غير أن السيد الرئيس بشار الأسد اعترض على بعض مواد هذا القانون أمام المحكمة الدستورية العليا ، طالباً النظر في دستورية بعض مواده، والتأكد من مدى توافقها مع أحكام الدستور.

وصار معروفاً أن المحكمة الدستورية العليا قامت بإلغاء بعض المواد التي نصّ عليها ذلك القانون الذي كان مؤلفاً من 131 مادة، بالحكم الدستوري رقم ( 2 ) تاريخ 7 / 11 / 2019م وذلك بعد اعتراض السيد رئيس الجمهورية لمخالفتها أحكام الدستور بالفعل، رغم أن هذا القانون كان يهدف إلى تلافي الثغرات التي اعترت التشريع النافذ وبما ينسجم مع نصوص وقواعد الدستور وتبسيط إجراءات التقاضي .

رئيس المحكمة الدستورية يوضح

وكان رئيس المحكمة الدستورية العليا محمد جهاد اللحام، قد أكد في تصريحات صحفية أن المحكمة قد ألغت بالفعل عددا من فقرات قانون مجلس الدولة الذي أقره مجلس الشعب، عقب اعتراض رئيس الجمهورية على تلك المواد.

موضحاً أن الفقرة الأولى المعترض عليها تتعلق بتشكيل المحكمة المسلكية في مجلس الدولة، وأن الاعتراض جاء بسبب إعطاء صفة القاضي لعضو في التنظيم النقابي، وهذا يشكل خللا دستوريا.

أما النقطة الثانية فتتعلق برفض قبول الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة أمام محاكم مجالس الدولة وهو ما يتعارض مع أحكام المادة 51 من الدستور.

النقطة الثالثة كانت حول تحديد المهل وميعاد إقامة الدعوى أمام المحاكم فيما يتعلق بطلبات الإلغاء وحددها بـ60 يوما لكل من الموظفين العموميين والعاملين في حين أنه لم يحدد أي ميعاد لباقي المواطنين.

أما النقطة الرابعة فتتعلق بمنع القانون إقامة دعوى المخاصمة بمواجهة قضاة مجلس الدولة وهذا تمييز ما بين القضاة، لاسيما وأن الدستور أجاز بمخاصمة القضاة وممثلي النيابة العامة إذا ارتكبوا في عملهم غشا أو غدرا أو تدليسا أو خطأ مهنيا جسيما.

وأوضح اللحام أن المحكمة أصدرت قرارها بعدم دستورية هذه المواد وعدتها لاغية، مؤكدا أن قرار المحكمة وفق الدستور وقانونها مبرم وملزم لجميع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ولكن كيف اعترض السيد رئيس الجمهورية على قانون أقرّه مجلس الشعب ..؟ وكيف تعاطت المحكمة الدستورية العليا مع هذا الاعتراض ..؟

” الأيام ” حصلت على معطياتٍ دقيقة وموثّقة حول ما جرى، ومن ضمنها كتاب الاعتراض الذي وجهه السيد رئيس الجمهورية للمحكمة الدستورية العليا وكيف فنّد النقاط التي رآها لا تتوافق مع الدستور وكانت بالفعل غير متوافقة ..؟ وكذلك حول طريقة تعاطي المحكمة الدستورية العليا مع هذا الاعتراض، وكيف ناقشته ..؟ ثم كيف كان سبباً في تعمّق المحكمة ببقية نصوص ذلك القانون ..؟ حيث اكتشفت نقطة أخرى كانت مخالفة للدستور فألغتها أيضاً.

كتابُ اعتراض الرئيس

 قال السيد رئيس الجمهورية في كتاب الاعتراض :

السيد رئيس المحكمة الدستورية العليا :

بناءً على أحكام المادة / 147 / من الدستور . وعلى أحكام المادة / 12 / من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم / 7 / لعام 2014 .

نسجّل لدى المحكمة الدستورية العليا اعتراضنا على دستورية قانون مجلس الدولة الذي تمّ إقراره من مجلس الشعب، وعلى وجه الخصوص مواد القانون التالية :

  • المادة / 5 / : والتي نصّت في الفقرة / 3 / منها على ما يلي :

(( 3 – تُشكّل المحكمة المسلكية برئاسة مستشار مساعد على الأقل ، وعضوية نائب من الدرجة الأولى على الأقل ، وممثل عن التنظيم النقابي العمالي … ))

ذلك أنّ هذا النص أعطى صفة وولاية القضاء لعاملٍ في الدولة ، مما يُشكّل انتقاصاً من استقلال السلطة القضائية ، واقتطاعاً من اختصاصاتها وضماناتها ، ويجرّد أعضاءها من كونهم الضمان لحقوق الناس وحرياتهم ، إذا ما نظر للعامل الذي مُنح صفة القضاء على أنه ضمان لحماية العامل المُحال إلى المحكمة .

  • المادة / 12 / والتي نصّت في الفقرة / 1 / منها على ما يلي :

(( 1 – لا تُقبل الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة ))

ذلك أنّ هذا النص يخفي في حقيقته تحصيناً للقرار الإداري ، وقد حظّر الدستور في المادة / 51 / منه النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء .

  • المادة / 21 /  والتي نصت في الفقرة / 1 / منها على ما يلي :

(( 1 – ميعاد إقامة الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء المتعلقة بالموظفين العموميين والعاملين أو من في حكمهم ، خلال ستين يوماً …. ))

ذلك أنّ هذا النص لم يساوِ في تحديد ميعاد إقامة الدعوى بطلبات إلغاء القرارات الإدارية بين فئات العاملين بالدولة وباقي المواطنين حيث قصر ميعاد دعوى الإلغاء المحدد بستين يوماً على تلك التي ستقام من العاملين في الدولة والذين أولاهم المشرّع العناية والحماية بمقتضى تشريعات نافذة ، في حين أنه ترك الميعاد مفتوحاً أمام باقي المواطنين بالنسبة لدعاوى الإلغاء التي ستقام من قبلهم بصدد القرارات الإدارية .

مناقشة شكل الاعتراض

توضح المعطيات التي توفّرت لصحيفة ” الأيام ” توصيفاً من المحكمة الدستورية العليا حول كيفية تلقيها لكتاب السيد رئيس الجمهورية، حيث اجتمعت المحكمة، وناقشت الأمر، فتبيّن من حيث الشكل أنه من الثابت بأن القانون المعترض عليه قد أقرّه مجلس الشعب بجلسته المنعقدة يوم الخميس العشرين من محرّم 1441 هـ الموافق للتاسع عشر من أيلول 2019م وأرسله إلى رئاسة الجمهورية بموجب كتاب السيد رئيس مجلس الشعب رقم / 51 / ص . د تاريخ 30 / 9 / 2019 وسجل في رئاسة الجمهورية برقم / 48 / و . ق تاريخ 30 / 9 / 2019م ، وأنه بتاريخ 28 / 10 / 2019 أرسل السيد رئيس الجمهورية لائحة خطية إلى المحكمة الدستورية العليا معترضاً فيها على دستورية قانون مجلس الدولة المذكور استناداً لأحكام المادة / 147 / من الدستور بدلالة المادة / 100 / منه .

الدستور السوري .. اقتباس 1 :

(  المادة السابعة والأربعون بعد المئة :

تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية القوانين على النحو الآتي:

1- النظر بعدم دستورية قانون والبت فيها وفقاً لما يأتي:

‌أ- إذا اعترض رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس الشعب على دستورية قانون قبل إصداره يوقف إصداره إلى أن تبت المحكمة فيه خلال مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها، وإذا كان للقانون صفة الاستعجال وجب على المحكمة أن تبت فيه خلال مدة سبعة أيام.

‌ب- إذا اعترض خُمس أعضاء مجلس الشعب على دستورية مرسوم تشريعي خلال مدة خمسة عشر يوماً تلي تاريخ عرضه على المجلس، وجب على المحكمة أن تبت فيه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها.

‌ج- إذا قررت المحكمة مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي أو اللائحة للدستور عُدًّ لاغياً ما كان مخالفاً منها لنصوص الدستور بمفعول رجعي، ولا يرتب أي أثر ).

الدستور السوري .. اقتباس 2

(المادة المئة : يُصدر رئيس الجمهورية القوانين التي يقرها مجلس الشعب، ويحق له الاعتراض عليها بقرار معلل خلال شهر من تاريخ ورودها إلى رئاسة الجمهورية، فإذا اقرها المجلس ثانية بأكثرية ثلثي أعضائه أصدرها رئيس الجمهورية ) .

وبالعودة إلى مناقشة المحكمة للاعتراض من حيث الشكل أوضحت تقول : وحيث أن الاعتراض أمام المحكمة الدستورية العليا على أي قانون أو نص قانوني أقرّه مجلس الشعب يكون قبل إصداره من السيد رئيس الجمهورية ، وأن حق الاعتراض مقرّر لرئيس الجمهورية ولخُمس أعضاء مجلس الشعب ، وأن مدة الاعتراض محدّدة بشهرٍ واحد أي ثلاثين يوماً تبدأ من تاريخ ورود القانون وتسجيله في رئاسة الجمهورية ، وتنتهي بانتهاء الدوام الرسمي من اليوم الثلاثين استناداً لأحكام المادة / 147 / بدلالة المادة / 100 / من الدستور .

وعليه فإن اعتراض السيد رئيس الجمهورية كان ضمن المدة الدستورية ، وأن تسجيل الاعتراض في ديوان المحكمة يعتبر قاطعاً لمدة الشهر المحدّدة استناداً لأحكام المادة / 100 / بدلالة المادة / 147 / من الدستور فهو مقبول شكلاً .

خطوات المحكمة اللاحقة

المحكمة الدستورية العليا بنت خطواتها التي أوصلتها إلى قرار الحكم الدستوري رقم ( 2 ) على ثلاثة أركان :

الأول : الجهة المعترضة : السيد رئيس الجمهورية العربية السورية .

الثاني : الجهة المُعترض عليها : مجلس الشعب .

الثالث : القانون المُعترض عليه : قانون مجلس الدولة الذي أقرّه مجلس الشعب في جلسته المنعقدة يوم الخميس 19 / أيلول / 2019م .

 تقول المحكمة الدستورية العليا في تفاصيل قرار الحكم، أنه وبناءً عليه فقد اتبعت الخطوات الآتية :

1 – تمّ استعراض المواد المعترض عليها على وجه الخصوص ومناقشتها والوقوف على أوجه المخالفة الدستورية فيها .

2 – تمّ استعراض كامل مواد القانون المعترض عليه للتحرّي فيما إذا كان هناك أي نص لا يتوافق مع أحكام الدستور .

وحيث أن المحكمة بعد استعراض كامل مواد القانون المعترض عليه تبيّن لها أن نص الفقرة / 2 / من المادة / 27 / منه ، فيها ما يبرر بحثها مع النصوص المعترض عليها . مع الإشارة أنه يمكن للباحث أو صاحب المصلحة أن يرى نصوصاً أخرى لا تتفق مع أحكام الدستور وفي هذه الحال يمكن معالجتها عند طرحها على هذه المحكمة وفق الأوضاع والأحكام المقرّرة في الدستور .

وحيث أنّ الأحكام الناظمة للاعتراض على قانون مستنده أحكام المواد / 100 و 147 و 149 / من الدستور ، وأحكام المواد / 12 و 15 و 47 و 48 و 49 / من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم / 7 / لعام 2014 .

وحيث أن هيئة المحكمة نتيجة المداولة انتهت في مناقشة المواد المعترض عليها – وبعد عدة اجتماعات – إلى الآتي :

مناقشة الاعتراض الأول

في الاعتراض على الفقرة / 3 / من المادة / 5 / من قانون مجلس الدولة :

حيث أن المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات ، وفق أحكام المادة ( 10 ) من الدستور ، هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها ، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها ، ووفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون .

وحيث أن المادة / 135 / من الدستور تنص : يُنظم القانون الجهاز القضائي بجميع فئاته وأنواعه ودرجاته ، ويبيّن قواعد الاختصاص لدى مختلف المحاكم . والمادة / 136 / منه تنص : يُبيّن القانون شروط تعيين القضاة وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم .

وحيث يتبيّن من النصوص الدستورية أنّ للمنظمات الشعبية … مهمتها ، وللقضاء سلطته وبالتالي فإن تشكيل محكمة تضم عضواً لم يخول سلطة القضاء وفق الأحكام القانونية الناظمة لتعيين القضاة يعتبر خللاً في تشكيل المحكمة ، ولا يتفق والأحكام المنصوص عليها في المادتين / 135 و 136 / من الدستور .

مناقشة الاعتراض الثاني

في الاعتراض على الفقرة / 1 / من المادة / 12 / من قانون مجلس الدولة :

 حيث أن مقدمة الدستور تنصّ على الآتي :

( ويأتي إنجاز هذا الدستور تتويجاً لنضال الشعب على طريق الحرية والديمقراطية وتجسيداً حقيقياً للمكتسبات واستجابة للتحولات والمتغيرات ، ودليلاً ينظم مسيرة الدولة نحو المستقبل ، وضابطاً لحركة مؤسساتها ومصدراً لتشريعاتها ، وذلك من خلال منظومة من المبادئ الأساسية تُكرّس الاستقلال والسيادة وحكم الشعب القائم على الانتخاب والتعدّدية السياسية والحزبية وحماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي والحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وسيادة القانون ، يكون فيها المجتمع والمواطن هدفاً وغاية يُكرَّس من أجلهما كل جهد وطني ، ويعد الحفاظ على كرامتهما مؤشراً لحضارة الوطن وهيبة الدولة )

وحيث أن المادة / 2 / من الدستور تنص على أنّ :

1 – نظام الحكم في الدولة نظام جمهوري

2 – السيادة للشعب لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها ، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب

3 – يمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور .

وحيث أن المادة / 50 / منه تنص على أن : ( سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ) ، والفقرة / 3 / من المادة / 51 / منه تنص على أنّ : ( حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون ، وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقاً للقانون ) .

وحيث يتبين من الأحكام الدستورية المذكورة أن من يتولى الشأن العام من أبناء الشعب السوري عند أداء مهمته أو وظيفته أو سلطته يكون ممثلاً لكل فرد من أبناء الشعب السوري في ما يقوم به ، ولم يجز الدستور بنص واضح على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء ، وفق ما نصّت عليه الفقرة / 4 / من ذات المادة والتي تنص على أنه : ( يُحظّر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء . ) .

وكان المشرّع قد نصّ في المادة / 12 / من قانون مجلس الدولة النافذ رقم / 55 / لعام 1959 على أنه :

( لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ) أي أن المشرع بالقانون النافذ لم يُغلق باب الادّعاء بمواجهة أي عمل من أعمال الإدارة وإنما ترك لنفسه القول بعدم الاختصاص في حال تبيّن له أن العمل أو القرار المدّعى ضده من أعمال السيادة . وقد خالف المشرع في هذا القانون المعترض عليه هذا النهج عندما أقرّ النص المعترض عليه خلافاً للدستور .

وحيث أنه استناداً لما تقدّم فإن الفقرة / 1 / من المادة / 12 / من قانون مجلس الدولة المعترض عليه لا تتفق وأحكام الدستور .

مناقشة الاعتراض الثالث

في الاعتراض على الفقرة / 1 / من المادة / 21 / من قانون مجلس الدولة :

حيث أنّ تحديد المهل والمواعيد يُعدُّ أمراً تقديريّاً بيد المشرّع ، غايته تنظيم عملية التقاضي وعدم تهديد السلطة الإدارية بدعاوى قد تراخى أصحاب المصلحة برفعها ، مما يعني تعطيل أهداف الإدارة المتجسدة في اتخاذ الإجراءات القانونية التي من شأنها تكريس مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واضطراد . إلاّ أنّ هذا التحديد لميعاد رفع الدعوى يجب أن يكون شاملاً لجميع المتقاضين سواء أكانوا أفراداً أم موظفين أم عاملين دون تمييز .

في حين أنّ المشرّع في الفقرة / 1 / من المادة / 21 / من القانون المُعترض عليه قد حدّد ميعاد دعوى الإلغاء لفئة الموظفين والعاملين ( أي الخاضعين للقانون رقم / 50 / لعام 2004 وتعديلاته ) ،ولم يحدد ميعاداً لباقي الأفراد ، الأمر الذي يعني أن المشرّع قد عامَلَ الأفراد العاديين معاملة مختلفة عن الموظفين والعاملين فيما يتعلّق بميعاد رفع الدعوى ، بحسبان أن ميعاد رفع الدعوى يُعدُّ من الشروط الشكليّة التي يتوجّب تطبيقها على الجميع موظفين وعاملين وأفراد ، وأن حق التقاضي مصون للجميع ، كما أنّ إجراءات وقيود ومهل تنظيم حق التقاضي يجب تطبيقها على الجميع عملاً بمبدأ المساواة في القانون وأمامه ، ومبدأ سيادة القانون .

وحيث أنه استناداً لما تقدّم فإن الفقرة / 1 / من المادة / 21 / من قانون مجلس الدولة المُعترض عليه لا تتفق وأحكام الدستور .

مناقشة النقطة الرابعة

هذه هي النقطة التي اكتشفتها المحكمة الدستورية العليا بعد أن تحرّت نصوص قانون مجلس الدولة ، وبهذا الشأن قالت المحكمة : حيث أن الدستور قد أقرّ حماية القاضي، فنصّ في المادة / 134 /  على أنّ :

( 1 – القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون 2 – شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم )

وأكد المشرّع على هذه الحماية حيث لم يسمح أن يكون القاضي عرضة للادّعاء عليه بسبب عمله القضائي إلا في أحوال عدّدها على سبيل الحصر في قانون أصول المحاكمات بالنسبة لقضاة الحكم وممثلي النيابة العامة ، أمّا قضاة مجلس الدولة فلم يُطبّق عليهم هذا النص ، وكان مَنْ يدّعي الضرر من خطأ ينسبه لقاضٍ أو قضاة هيئة محكمة أصدروا حكماً في دعواه لا يجد سبيلاً لمقاضاته أو مقاضاتهم ، وحيث أن الفقرة / 3 / من المادة / 51 /  من الدستور تنصّ على أنّ :

( حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون ، وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقاً للقانون )

وحيث أن قضاة مجلس الدولة هم من السلطة القضائية ، وما ينطبق على قضاة الحكم والنيابة يتوجب أن ينطبق عليهم في تعاملهم مع المتقاضين بوضعٍ متساوٍ وذلك استناداً لنص الفقرة / 2 / من المادة / 33 / من الدستور التي تنصّ على أنّ :

( المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوقٍ وواجبات يتمتّع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون ) .

وحيث أنه استناداً لما تقدّم فإن الفقرة / 2 / من المادة / 27 / من القانون المعترض عليه لا تتفق مع أحكام الدستور ، مع التنويه إلى أن دعوى المخاصمة ليست طعناً في الحكم وفق ما ورد بالفقرة المشار إليها وإنما هي دعوى تهدف إلى التعويض عن خطأ غير مشروع يُنسب للقاضي في قضائه .

بعد المداولة .. حكمت المحكمة

تقول المحكمة الدستورية العليا أنه ولهذه الأسباب وبعد المداولة وعملاً بأحكام المواد / 50 و 51 و 100 و 140 و 146 و 147 و 149 / من الدستور، والمواد / 1 و 3 و 10 و 11 و12 و 15 و 41 و 47 و 48 و 49 / من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم / 7 / لعام 2014 حكمت المحكمة الدستورية العليا بالإجماع بالآتي :

أولاً : قبول اعتراض السيد رئيس الجمهورية .. شكلاً

ثانياً : قبوله موضوعاً والحكم بالآتي :

1 – إعلان عدم دستورية الفقرة / 3 / من المادة / 5 / والفقرة / 1 / من المادة / 12 / والفقرة / 1 / من المادة / 21 /   والفقرة / 2 / من المادة / 27 / من قانون مجلس الدولة المعترض عليه الذي أقرّه مجلس الشعب في جلسته المنعقدة يوم الخميس العشرين من محرّم 1441 هـ الموافق للتاسع عشر من أيلول 2019 م .

2 – تُعدّ النصوص المذكورة في البند / 1 / لاغية لمخالفتها أحكام الدستور .

قراراً مبرماً صدر يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الأول 1441 هـ الموافق للسابع من شهر تشرين الثاني من عام 2019 م .   

===========

هامش وملحق تحديثي

مجلس الشعب يوافق على تعديلات لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بما يخص قانون مجلس الدولة

2019-11-14

دمشق – سانا

وافق مجلس الشعب اليوم في جلسته الرابعة والعشرين من الدورة العادية الحادية عشرة للدور التشريعي الثاني برئاسة حموده صباغ رئيس المجلس على تعديلات لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بما يخص قانون مجلس الدولة.

وأشار المجلس إلى أنه استنادا إلى كتاب السيد رئيس الجمهورية رقم 48 تاريخ 28-10-2019 والمتضمن عدم إصدار قانون مجلس الدولة لتدارك الملاحظات المبداة على عدد من مواده وبعد الاطلاع على القرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 7-11-2019 وافق المجلس على تعديلات لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بما يخص القانون والتي شملت مواد إضافية.

وتم تعديل عدد من المواد والفقرات ضمن مواد القانون ومنها المادة 1 لتصبح “مجلس الدولة هيئة قضائية واستشارية مستقلة تتولى القضاء الإداري مقره دمشق ويصدر أحكامه باسم الشعب العربي في سورية” والفقرة 3 من المادة 5 لتصبح “تشكل المحكمة المسلكية برئاسة مستشار مساعد على الأقل وعضوية اثنين من النواب من الدرجة الأولى على الأقل ويتولى مهمة المحقق لدى هذه المحكمة أحد قضاة مجلس الدولة برتبة نائب من الدرجة الأولى على الأقل” بينما أصبحت المادة 12 : “لا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية”.

كما جرت إعادة صياغة الفقرة 1 من المادة 21 لتصبح “ميعاد إقامة الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما تبدأ من اليوم التالي لتاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو تبليغه لصاحب الشأن وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة العامة التي أصدرت القرار أو إلى الجهة التي ترأسها ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوما من اليوم التالي لتاريخ تقديمه وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسببا ويعد فوات ستين يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفض له ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوما من اليوم التالي لتاريخ تبلغه نتيجة التظلم”.

أما المادة 27 فأصبحت ” تجوز إعادة المحاكمة في الأحكام الصادرة عن محاكم القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم المسلكية وفق المواعيد والأصول المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات فلا يترتب على طلب إعادة المحاكمة وقف تنفيذ الحكم إلا إذا قضت المحكمة بذلك وإذا حكم بعد قبول طلب إعادة المحاكمة أو رفضه جاز الحكم على الطاعن بغرامة لا تتجاوز مثلي رسم الطعن فضلا عن التضمينات إن كان لها مقتضى”.

بينما أصبحت المادة 66 بعد إعادة الصياغة “يتكون القسم الاستشاري للفتوى والتشريع من إدارات مختصة لرئاسة الجمهورية ومجلس الشعب ورئاسة مجلس الوزراء والوزارات ويرأس كل إدارة منها مستشار ويعين عدد الإدارات وتحدد دوائر اختصاصها بقرار من المجلس الخاص في مجلس الدولة” أما الفقرة 1 من المادة 68 فقد أصبحت على الشكل التالي “يجوز أن يندب جزئيا إلى رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب ورئاسة الوزراء والوزارات وسائر الجهات العامة في الدولة بناء على طلب تلك الجهات مستشارون أو مستشارون مساعدون أو نواب من الدرجة الأولى للاستعانة بهم في دراسة الشؤون القانونية والتظلمات الإدارية”.

كما تم تعديل الفقرة 1 من المادة 84 لتصبح كما يلي “يسمى رئيس المجلس بمرسوم من بين أعضاء المجلس الخاص أو من بين مستشاري محكمة النقض من مرتبة نائب رئيس على الأقل ويتقاضى الراتب والتعويضات والمعاش التقاعدي الذي يتقاضاه رئيس محكمة النقض” بينما تنص المادة 121 على أن “يطبق قانون السلطة القضائية وتعديلاته وقانون الموظفين الأساسي رقم 135 لعام 1945 وتعديلاته على قضاة مجلس الدولة في كل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون”.

وبعد الموافقة على التعديلات رفع المجلس تقريرا بذلك مجددا إلى السيد رئيس الجمهورية.

وقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد اليوم 17 / 12 / 2019 القانون رقم 32 لعام 2019 المتضمن تشكيل مجلس الدولة واختصاصاته بعد أن تم إقراره للمرة الثانية من قبل مجلس الشعب وتدارك كافة النقاط المعترض عليها في مواد القانون.