الجلالي : تناقض وضعف كفاءة في بعض قرارات وتوجهات البنية الإدارية والوظيفية لعدم وضوح سياسة الوظيفة العامة
الحكومة تقرر تشكيل لجنة وزارية لمراجعة أنظمة شغل مراكز عمل القيادات الإدارية وأحكام قبول الاستقالات وتمديد الخدمة
مؤشّر تدقيقي لا بأس به : الجلسة تشهد نقاشاً حيوياً حول موضوع قطع الحسابات وتبايناً في وجهات النظر
وزير المالية يتحدث عن توجه غير مناسب في السياسة المالية خلال السنوات السابقة المتمثل بتخفيض قيمة ونسبة الإنفاق الاستثماري
استعراض منظومة الحوافز بضمان أن تكون محولة من أرباح الجهات العامة ووفق ضوابط ومعايير تضمن الشفافية والتحفيز
الحكومة تؤكد على ضرورة التمييز بين مقاربة منظومة الحوافز من جهة وتوجهات زيادة الرواتب والأجور من جهة أخرى
السلطة الرابعة – علي محمود جديد :
في أول اجتماعٍ لحكومة الدكتور محمد الجلالي يمكننا أن نستشعر – ولو عن بعد – نية واضحة لديها بأنها عازمة على أن تضعنا بصورة ما يجري،
وهذا أمر مريح إلى حدٍّ كبير حتى ولو أنها تحاشت أن يصدر عنها في أول جلسة أي قرار من القرارات التي نتعطش إليها، ويساهم في رفع جزءٍ من الحيف الذي غمرنا عطشاً من كل الاتجاهات، فاكتفت بمناقشات نظرية لبعض القضايا التي ربما تُشكّل خطوة أولى لقرارات عملية قد لا تكون بعيدة.
إعادة الاعتبار للرأسمال البشري
فقد اعتبر رئيس مجلس الوزراء خلال ترؤسه أول جلسة أسبوعية للمجلس – وحسب الخبر الرسمي المنشور على صفحة رئاسة مجلس الوزراء – اعتبر أن وجود بعض التناقض وضعف الكفاءة في بعض القرارات والتوجهات الخاصة بالبنية الإدارية والوظيفية، سببه الرئيسي عدم وضوح السياسة العامة للوظيفة العامة، ما يتطلب مراجعة دقيقة لمثل هذه القرارات والتوجهات وقياس أثرها بشكل فعلي من خلال قراءة منعكساتها على الوزارات والجهات العامة، وذلك انطلاقاً من الحرص على ألا يتم الوصول إلى العدالة في شغل الوظيفة العامة والقيادات الإدارية، على حساب الكفاءة والإنتاجية الوظيفية على قاعدة أن رأس المال البشري هو من أهم ثروات البلد التي يجب الحفاظ عليها.
وفي الحقيقة هذه نقطة هامة حيث ساهمت تلك القرارات والتوجهات بوضوح في العبث بذلك الرأسمال البشري، إذ كنا نرى الفاشل والناجح يوضعان في كفة واحدة، وكان ثمة جرأة غير مفهومة بالتخلي عن الكوادر الخبيرة في العديد من المواقع، ما ساهم في إفراغ الكثير من المؤسسات الحكومية من كوادرها الخبيرة، وصار الزمن هو المقياس الوحيد للتخلي عن الكثير من الكفاءات مهما كانت ضالعة في خبرتها ومهما كانت المؤسسة بحاجة لوجودها .. وقد كان هذا أمر مستغرب، شكّل استهجاناً كبيراً في الأوساط العامة، ولذلك يمكننا القول أنه كان من المهم أن تقرر خلال الجلسة تشكيل لجنة وزارية مختصة لمراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإدارية، والضوابط الخاصة بذوي القربى في الجهات العامة، وأحكام قبول الاستقالات وتمديد الخدمة وغير ذلك.
اتجاه نحو التوقف عن تخفيض الاعتمادات الاستثمارية في الموازنة
وشهدت الجلسة نقاشاً حيوياً حول موضوع قطع الحسابات وتبايناً في وجهات النظر، فيما يخص ضرورة عدم تقاذف المسؤوليات بين الجهات العامة من جهة ومحاسبي الإدارات من جهة أخرى وتأخر وزارة المالية في تسديد الالتزامات المالية، تفادياً لأي تراكمات في الحسابات وحرصاً على أعلى درجات الشفافية المالية في مالية الدولة، مع التأكيد على ضرورة إنجاز القوائم المالية في مواعيدها.
وأشار وزير المالية في مداخلته حول قطع الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023 إلى توجه غير مناسب في السياسة المالية خلال السنوات السابقة المتمثل بتخفيض قيمة ونسبة الإنفاق الاستثماري لصالح الإنفاق الجاري، مؤكداً حرص وزارة المالية على التوجه للمعالجة على المستوى السياساتي لمالية الموازنة العامة للدولة ولاسيما لجهة زيادة قيمة ونسبة الاعتمادات الاستثمارية في موازنة العام 2025، بما يضمن تفعيل العملية الإنتاجية على وجه الخصوص.
وهذه نقطة مضيئة أوقدتها الحكومة الجديدة بعد أن تراجعت الاعتمادات الاستثمارية تدريجياً في الموازنات السابقة خلال سنوات الحرب على سورية حتى كادت أن تنطفئ، وإن كان لهذا التراجع مبرراته لتحاشي زيادة عجز الموازنة في مثل هذه الظروف، غير أن الانفراج الأمني في السنوات الأخيرة كان من المفترض أن يشجع الحكومة على زيادة الانفاق الاستثماري حتى وإن كان ذلك على حساب تسجيل نقاط تزيد من عجز الموازنة لاسيما وأنها غارقة بالعجز أصلاً أمام قلة الموارد التي فرضتها ظروف الحرب، غير أن شجاعة اتخاذ قرار العناية بالاستثمار وزيادة الانفاق به سيكون له الكثير من الآثار الايجابية القادمة اقتصادياً واجتماعياً، سواء لجهة عوائد الاستثمار، أم لجهة خلق المزيد من فرص العمل على سبيل المثال، فالإنفاق الاستثماري يبقى ولاّداً للمكاسب، وهو الطريق الأفضل بالنهاية نحو زيادة الموارد وإن بعد حين.
اتجاه هام للسيد وزير المالية يُبرقه اليوم نحو اعتزامه زيادة مخصصات الانفاق الاستثماري، والأهم من ذلك استقرار رأي الحكومة الجديدة على هذا النحو، وقناعتها – على ما يبدو – بأهمية تفعيل السياسة المالية بشكل مختلف، فهي السياسة الأقدر على التأثير في كافة جوانب المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً، لأن الاستثمارات الحكومية عندما تنجح وتكون مدروسة جيداً وتعتمد بشكل أساسي على الموارد المحلية فإنها إلى جانب مساهمتها في تكوين وتنمية رأس المال الثابت والنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، تقي البلاد من التبعية المالية والاقتصادية ومن ارتهانها للتقلبات والظروف الاقليمية والدولية، فاعتماد الأخذ بالإنفاق الاستثماري على وجه صحيح هو في الحقيقة اللبنة الأساسية للوصول إلى هدف الاكتفاء الذاتي، أو على الأقل إلى ما يمكن من هذا الاكتفاء.
خطى وئيدة
يبدو أن خطوات الحكومة الجديدة باتجاه تفعيل الانفاق الاستثماري بشكل أفضل ستكون خطوات بطيئة،
فقد أعلنت اليوم عبر اللجنة الاقتصادية أن اعتمادات الانفاق الاستثماري للعام القادم قد تم تحديدها بمقدار / 11100 / مليار ليرة سورية، مشيرة إلى أن هذا المبلغ يزيد بنسبة 63% عن الاعتمادات الاستثمارية التي كانت محددة للعام 2024 الجاري، وهذا في الحقيقة ليس مقياساً دقيقاً، لاسيما وأن اللجنة الاقتصادية لم تفصح عن حجم اعتمادات الموازنة للعام القادم ككل، والتي نعتقد – على الأرجح – أنها ستتراوح بين الأربعين والخمسين ألف مليار ليرة، وإن صحّ هذا التقدير فإن ما تم تخصيصه من اعتمادات للإنفاق الاستثماري سيبقى ضحلاً قياساً بحجم الموازنة الاجمالي، لأن الانفاق الاستثماري لا يكون مؤثراً ولا يبعث على التفاؤل كما يجب إن لم تكن حصته بحدود 50% من الحجم الاجمالي للموازنة، أقل أو أكثر بقليل.
على العموم فإن التفاتة الحكومة لهذا الأمر وتكريس اجتماع اللجنة الاقتصادية الأول لمناقشته يبعث على التفاؤل، وإن كنّا نتحدث بضوء الخطوط العريضة فإن اللجنة الاقتصادية على دراية أكبر بهذه الخطوط وبكل ما يتفرّع عنها من مفارق وشُعَب.. وما دمنا قد خطونا خطوة فالأمل كبير بخطوات لاحقة.
تعب الأثقال
على كل حال كانت الجلسة الأولى للحكومة الجديدة مطمئنة فعلاً، أوكي لا نبالغ فإنها تحمل ملامح التطمين التي تثير مشاعر الأمل بقدوم معطيات جديدة تلوح في الآفاق من شأنها التخفيف عن كواهلنا تلك الأثقال المتعِبة التي أرهقتنا كثيراً.