التنمية والاعمار في سورية طريق رابع يطرحه منير الحمش للنهوض الاقتصادي برؤية جديدة للسياسات الاقتصادية
الحمش: النظامين الليبرالي والاشتراكي أثبتا فشلهما.. لكن لا يعني سقوط الاشتراكية وستبقى لأنها نبض الفقراء المتشوقين إلى حياة أفضل
تغلبي : المحاضرة جولة ممتعة شارك فيها الدكتور الحمش كل مرحلة من المراحل مع الأسس والمقومات لنجاح الطريق الرابع
د. فضلية : الزراعة قاطرة النمو وأمنا وأمننا ولا طريق إلا الرأسمالية .. وما حصل اقتصاد سوق فوضوي لم يُراعِ الاجتماعي
سورية تمتلك من الموارد ما يجعل متوسط الدخل فيها أكبر من متوسط الدخل في بلجيكا
د. غسان ابراهيم: يجب أن نستنزف الواقع الحالي وإمكانية تطوره حتى ينجح الطريق الرابع ومن المستحيل تطبيقه قبل التعرف على ملامحه
د.سكر : اعتماد الاشتراكية كان من مبدأ عقائدي لا اقتصادي.. والليبرالية بعد الاستقلال هي التي أدت إلى التطور
هنا الحسيني : الاصلاح الزراعي فتت الملكية لتصل بعد أربعة أجيال إلى مساحات صغيرة عاجزة عن استيعاب أي مشروع زراعي
السلطة الرابعة – سوسن خليفة :
الدكتور منير الحمش في ورقته المقدمة إلى جمعية العلوم الاقتصادية والمطروحة للحوار والنقاش في مكتبة الأسد في الثاني من ايلول أراد تقديم رؤيته التنموية حول الطريق الرابع إلى التنمية والاعمار ورأى أن الاقتصاد والسياسات الاقتصادية تشكل حيزاً هاماً من اهتمامات الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وكذلك اهتمامات الناس وهذه السياسات تعبر عن وجهة نظر الحكومة إزاء حاجات الناس وتلك السياسات محط الاهتمام والنقد في جميع حالاته، منوهاً إلى أنه يفترض على المسؤولين في الإدارة الاهتمام بآراء الآخرين خاصة ما يصدر عن جمعية العلوم الاقتصادية.
وأشار إلى أن طريق التنمية والنظامين الليبرالي والاشتراكي أثبتا فشلهما. لكن هذا لا يعني سقوط الاشتراكية وستبقى لآنها نبض الفقراء المتشوقين إلى حياة أفضل. لكن الخيار السوفييتي ديمقراطي جامد تسرب إليه الفساد فانهار.
وتساءل المحاضر عن كيفية تناول الحكومات المتعاقبة للسياسات الاقتصادية في تتبعها الزمني فكان الهدف الاقتصادي بعد الاستقلال توطيد الاستقلال والغاء الارتباط مع الفرنك الفرنسي فكان تأمين المصالح الأجنبية ووضع نظام ضريبي وتحقق النظام النقدي الوطني.
وفي عهد الوحدة تم اعتماد التخطيط وصدور أول خطة اقتصادية في سورية وقانون الاصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية وتم تأميم أهم الشركات الصناعية والبنوك. بينما في عهد الانفصال تمت محاولات لإلغاء الاصلاح الزراعي ولكن لم يتم شيء من هذا لوجود اضطرابات سياسية، وفي عهد ثورة آذار كانت بداية لسياسات متشددة تبعها في السبعينات المرسوم الخاص في الدستور وطرح فيها شعار التعددية الاقتصادية وحصل انفتاح باتجاه القطاع الخاص والدول العربية خاصة الدول التي قدمت مساعدات إلى سورية بعد حرب 1973 .
وبعد وصول المساعدات تم تعديل الخطة الخمسية الثالثة وحصلت الكثير من التحولات في السوق الداخلية وطرح التعاون مع القطاع الخاص. وتمت إضافة مشاريع للخطة لم يكن لها دراسات اقتصادية جدية ودخلت الشركات الأجنبية مع وكلائها المحليين ، وأغلب المشاريع التي تم التعاقد عليها يوجد فيها ثغرات ولم تنفذ كما هو متفق عليه في العقود. واستمرت الحكومات المتعاقبة في الانفتاح على القطاع الخاص وتم الاصغاء إلى نصائح صندوق النقد والبنك الدولي ومن ثم طرح قضية الاصلاح الاقتصادي.
كان هناك تياران:
الأول ينادي بالعودة إلى الدولة التنموية واعطاء القطاع الخاص دور إلى جانب القطاع العام الذي سيأخذ دور الريادة.
والتيار الثاني يتجه نحو الليبيرالية والأخذ بنصائح صندوق النقد الدولي والشراكة الأوربية.
ومضت الحكومة نحو اقتصاد السوق الاجتماعي الذي لا يعني الاشتراكية ولا يعني الاقتصاد الاشتراكي لكن غياب الثقافة الاقتصادية أدى إلى هذا السوء في الفهم. وصل الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد الخطة الخمسية العاشرة إلى حالة مجتمع المخاطر بمعنى يحتمل فيه حدوث أي شيء . وهذا ما حصل في 2011 من خلال استغلال بعض الفصائل بتوجيه تكفيري وبدعم من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وأوجدوا فرصة لتدمير سورية. وكان وقع الأزمة بليغاً وصلنا إلى ما جرى من تدخلات أجنبية ساهمت في الخروج عن طريق التنمية، وتدمير الاقتصاد السوري.
وأشار المحاضر إلى أنه إذا كان الطريق الليبيرالي لم يثبت نجاحه في التنمية والطريق الاشتراكي انتهى ، وإذا كان الطريق الثالث لا يتناسب مع ظروفنا علينا أن نبحث عن الطريق الذي يناسبنا حتى نصل إلى العيش الكريم وقوة الاقتصاد. وفي عالم اليوم الذي تحركه المعرفة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي علينا التفكير بطرق جديدة لمواجهة التحديات والعلاقة مع العالم الخارجي.
وتطرق المحاضر إلى تجربتين يمكن الاستفادة منهما الصينية وتجربة النمور الآسيوية. حيث بين أن التجربة الصينية ماتزال تلقى اهتمام العالم وحققت قفزات كبيرة في التقدم ووضعت الصين بالمراتب الأولى في مواجهة أمريكيا ، بينما أكدت تجربة النمور الآسيوية على دور الدولة في تحفيز الأنشطة الاقتصادية وإدارة الأمور اقتصادياً بحيث يكون تدخل الدولة بأقل ما يمكن من التأثير على القطاع الخاص.
وفي محاولة د. حمش بلورة (رؤيته التنموية) يؤكد ضرورة وضع نموذج وطني للتنمية وفق رؤية مستقبلية تندرج تحت الحوار الوطني وتراعي التوجه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وتحديد هوية الاقتصاد السوري إذ لم يتم تحديد هويته حتى الآن.
ملامح ومنطلقات وركائز الطريق الرابع إلى التنمية والإعمار:
وحدد المحاضر ملامح ومنطلقات الطريق الرابع من خلال: تحقيق النمو الاقتصادي بزيادة نصيب الفرد من الناتج الإجمالي، ورفع مستوى معيشته ، مما يُمكن الاقتصاد الوطني من الإسهام في تعزيز قوة الدولة ودورها الاقتصادي والاجتماعي في التنمية والإعمار.
ولا يكتفي هذا الطريق في تحقيق معدلات نمو عالية وإنما تحقيق عدالة التوزيع لثمار التنمية.
ويرى المحاضر أن السوق لوحده لا يستطيع تحقيق التنمية المرجوة، كما أن التخطيط المركزي لوحده لا يمكنه كذلك. لذا المطلوب ايجاد نوع من التزاوج بين السوق وألياته والدولة ومؤسساتها ويتطلب هذا إعداد تكوين القدرات البشرية وزجها في عملية التنمية والانصاف داخل الجيل القائم وبين الأجيال .
وشدد المحاضر على محاربة التخلف الذي يشكل الوجه الآخر للتنمية ولهذا فإن البعد التنموي يجب أن يتوجه إلى محاربة الجهل والبطالة والفجوة التكنولوجية . وتفرض المشاركة الواسعة ببعدها السياسي حيث تسمح للمواطنين جميعاً بممارسة حقوقهم السياسية وشعورهم بالانتماء لهذا الوطن، مع مراعاة الخصوصية للمجتمع السوري في مواجهة ظاهرة الاقتصاد الريعي. ولعل الفساد من أكثر العوامل التي يجب محاربته من أجل المحافظة على قيم المجتمع.
ولفت المحاضر إلى أن الاهمال للمناطق الشرقية (الرقة ـ دير الزور ـ الحسكة) يكاد يكون متعمداً، وينبغي بذل الجهود في تلك المناطق وانتشالها من براثن التخلف. ومراعاة الخصوصية في المجتمع السوري وقيمه.
الصعوبات والمعوقات:
أشار المحاضر إلى أن الطريق الرابع للتنمية والإعمار، سيواجه مجموعة من الصعوبات والمعوقات، وهذا أمر طبيعي ومتوقع طالما أنه يهدد مصالح بعض القوى في الداخل والخارج. وطبعاً كل المتضررين سيقفون ضده. وهناك من لهم مصلحة في التحول نحو اقتصاد السوق لذلك سيقفون ضده. لذلك يجب معرفة كيفية مواجهتهم.
شروط نجاح نموذج الطريق الرابع:
وضع المحاضر شروطاً لنجاح تطبيق الطريق الرابع منها: تعميم ثقافة التنمية، وكسب أصحاب المصلحة الحقيقية، ومواجهة سعي الليبرالية الاقتصادية الجديدة وأنصارها على نشر ثقافة السوق والاستهلاك، وإدراك حجم الصعوبات ، وبالتالي تحمل تكلفتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إضافة إلى أن المسار التنموي يفرض شيئاً من التقشف، ويحارب الهدر والإسراف والمظاهر السطحية، ولتحقيق التنمية المستقلة والمستدامة المعتمدة على الذات، لا بد من المشاركة الشعبية الواسعة، وتعزيز الاقتصاد الوطني القوي.
وفي ختام محاضرته أورد الحمش بعض القضايا المنهجية منها:
– السيناريو التنموي المقترح، يعتمد أسلوب التخطيط بالمشاركة، بين أطراف ثلاثة: الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع المدني، وتساءل عن كيفية التنسيق بين هذه الأطراف؟
– مسألة الوزن النسبي للقطاعات الاقتصادية، كانت الزراعة قبل الحرب تسهم في أقل من ربع الناتج المحلي والإجمالي في حين أن الصناعات التحويلية تُسهم بأقل من ذلك بينما يحظى النفط (فهو ثروة آيلة للنفاذ) بالنصيب الأكبر.
ويفترض أن يعمل النموذج التنموي على إجراء تعديل مناسب يجعل بالإمكان الارتقاء بالقطاعات السلعية وخاصة الصناعات التحويلية والزراعية، وأن يتم ذلك من خلال استراتيجية التنمية .
أدار الأستاذ زهير تغلبي نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العلوم الاقتصادية – خاصة من ناحية إدارة الوقت – بكفاءة مما أتاح الفرصة للمعقبين والمتداخلين بطرح ما يريدون بكل أريحية، وبداية تمنى التغلبي أن نستخلص من المحاضرة ما يساعد على الخروج من الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوري لافتاً أن الدكتور حمش له نشاط مميز في النشاط الاقتصادي وهو عضو في جمعية العلوم الاقتصادية وسيحاوره د. عابد فضلية وغسان ابراهيم وشغل كل منهما مواقع هامة في مفاصل الدولة.
وعقب على المحاضرة بالقول أشكر المحاضر على هذه الجولة الممتعة الذي شارك فيها كل مرحلة من المراحل مع الأسس والمقومات لنجاح الطريق الرابع.
الحوار مع المحاضر
تقرر في المنصة الحوارية للطريق الرابع إلى التنمية أن يحاور المحاضر د. منير الحمش كلا من الدكتور عابد فضلية والدكتور غسان ابراهيم فماذا قالا؟
الفصل بين القطاع الخاص والعام لا معنى له
– د. غسان ابراهيم استغرب الفكرة الأساسية بأن يقترح نموذجاً مختلفاً وأزعم أنه من المستحيل تطبيق الطريق قبل أن نتعرف على ملامحه ونناقشها . وملاحظتي الأولى من حيث المنطق كان يجب أن يحكم على كل التجارب بالإخفاق فمن يجرؤ على القول أن النمور الآسيوية أخفقت ..؟ وكيف أقترح بديلاً لواقع سائد ..؟ يجب أن نستنزف الواقع الحالي وإمكانية تطوره حتى ينجح الطريق الرابع المعقد كثيراً. وأضاف ابراهيم هناك مقومات غابت عن الباحث وهي أن الرأسمالية قادرة على تجديد نفسها بما لديها من إمكانيات وطاقات تمكنها من حل أزماتها.
ووجه سؤلاً للمحاضر أين البنية الفوقية التي ستبنى عليها البنية التحتية؟ ولماذا لم تتكيف مع الواقع الطبيعي لافتاً إلى أن الفصل بين القطاع العام والخاص لا معنى له.
لا طريق إلا الرأسمالية
– عابد فضلية: أشار إلى أن سورية تمتلك من الموارد ما يجعل متوسط الدخل فيها أكبر من متوسط الدخل في بلجيكا . لا يوجد إلا طريق واحد هو الرأسمالية التي أصبحت اقتصاد سوق اجتماعي وهو طرح هام ومتطور للعمل في اقتصاد السوق ومراعاة الوضع الاجتماعي. وما حدث على أرض الواقع أصبح اقتصاد سوق فوضوي ولم يراع الجانب الاجتماعي إلا في حدوده الدنيا. وأقول أن الزراعة هي قاطرة النمو وهي أمنا وأمننا. لدينا كل المقومات والخبرات التي تجعلنا نعتمد على هذا القطاع في تحقيق التنمية.
وأشار فضلية إلى أن التنمية تقوم على الواقع وواقعنا هو الطريق الثالث، والاقتصاد يحتاج إلى الدولة والحكومة والقطاعين العام والخاص. ونتمنى أن تتدخل الدولة أكثر في القطاعات الاستراتيجية ويكون تدخلها أقل في القطاعات الهامشية ودورها أن تغطي الثغرات في القطاعات الانتاجية. وتمنى أن يتم تطبيق اقتصاد السوق أكثر وتحقيق التوازن المالي والاجتماعي.
المداخلات
– د. اسماعيل اسماعيل :
ما وصل بنا إلى هذا الوضع هو الاقتصاد الريعي من مطاعم ومقاصف وعدم التخطيط . فهل يتحمل المجتمع السوري 14 مصرفاً خاصاً وما يماثلها من شركات للتأمين ، أية تنمية نريد..؟
– أ. وسيم خير بك:
هناك طبقة وسطى أين اختفت؟
– د. نبيل سكر
رأى أن الليبرالية بعد الاستقلال هي التي أدت إلى هذا التطور، ولم نعتمد الاشتراكية بسبب اقتصادي وإنما عقائدي. ولا أوافق د. نبيل حمش أن الليبرالية الاقتصادية هي السبب وإنما الانسداد السياسي الاجتماعي. وأشار إلى أن المحاضر لم يعطينا كيفية الاستفادة من نجاح تجربة الصين والنمور الآسيوية .
أستاذ محمد الحلاق:
أكد على ضرورة الاعتماد على مدخلات ومخرجات حقيقية في العمل، وإعادة بناء الثقة بين أطراف العملية الاقتصادية
المهندسة ماريا سعادة:
تساءلت عن غياب فئة الشباب عن حضور مثل هذه المحاضرات ووجهت سؤالها للمحاضرين الاقتصاديين أين طلابكم؟
هنا الحسيني:
أشارت إلى ما تم طرحه من جلب مياه البحر لدمشق والمفترض أخذ الناس إلى أماكن المياه، ولا يمكن تجمع السكان في ثلاث أو أربع مدن فقط. لافتة إلى أن أهم عامل ساهم في تراجع الزراعة هو قانون الاصلاح الزراعي الذي فتت الملكية لتصل بعد أربعة أجيال من التوارث إلى مساحات صغيرة عاجزة عن استيعاب أي مشروع زراعي. لافتة إلى أثر الاستملاك والمصادرات على عملية جذب الاستثمارات حيث أن أي مستثمر يدرس المخاطر قبل أن يوظف أمواله.
بدوره أستاذ زهير تغلبي عقب على موضوع جر المياه ، موضحاً أنه قد درس سابقاً وكانت النتيجة استحالة تنفيذه لتكلفته الخيالية. ويجب أن يتم التخطيط لأي مشروع بشكل اقليمي متكامل.
أما الدكتور منير الحمش صاحب رؤية الطريق الرابع فكان تعقيبه الأغرب والأجمل الذي صادفته خلال تغطيتي لمحاضرات ندوات الثلاثاء منذ سنين طويلة إذ قال:
حققت الهدف من هذه المحاضرة وهو هذا الحوار الذي أرجو أن يتوسع أكثر فنحن بأشد الحاجة لمثل هذه الحوارات التي تصل بنا إلى العصف الذهني والوصول إلى الحلول الناجعة.