علي محمود جديد :
في المراحل الانتقالية – كالتي نعيشها اليوم في الزمن الفاصل بين حكومتين .. والفاصل أيضاً بين مجلسين للشعب – تسرح بنا الخواطر والأفكار ونحن نتذكّر نُقلّب الصفحات التي تروي ما حصل، ونُعدّ صفحات بيضاء جديدة لما سيحصل.
فماذا سنتذكر لنتذكّر من ( الإنجازات ) التي لمسناها وعايشناها وصبغت حياتنا بهذه الصبغة البائسة التي نكابدها في أيامنا وليالينا وساعات حياتنا التي راحت تسير من سيء إلى أسوأ ..؟
لا شك بأن حكومة تسيير الأعمال قدّمت جهوداً كبيرة عبر سنوات ولايتها، واتخذت إجراءات طويلة عريضة .. وأصدرت قرارات لا تكاد تُعد ولا تُحصى، ولا يمكن لأحدٍ أن ينكر لها ذلك، إلاّ إن كانت هي بإمكانها أن تنكر النتائج التي أوصلتنا إليها.
فالجهود والقرارات والاجراءات التي صفعتنا الواحدة تلو الأخرى خلال تلك السنوات تمنينا لو أنها استطاعت من خلالها أن تحافظ لنا على حالة المراوحة في المكان وبقينا على ما كنّا عليه عند توليها، ولكن المشكلة التي كنا نواجهها في كل يوم ولا نزال هي الجهود المضنية في المراوحة ومن بعدها تبدو وكأنها تُخطئ الخطوات، فبدلاً من السير بنا خطوة إلى الأمام، نراها تجرّنا خطوات نحو الخلف، وبدلاً من بذل جهود أكبر وتعويض هذه الخطوات بالسير نحو الأمام بخُطى مضاعفة، نراها تنجح في تحقيق عكس ذلك فتذهب بنا أشواطاً نحو الخلف، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم واقفين أمام هذا المشهد المتصحّر من الفقر والبؤس والجوع والبطالة واشتداد أزمات الطاقة والنقل والاتصالات والصحة والغذاء والتأمين … وما إلى ذلك، فعجزت عن تقديم أي إنجاز يُحسبُ لها بهذه الاتجاهات التي لم تتوقف عن ترديها وتدهورها، فتخيلوا – مثلاً – عجزها اللامعقول عن إيجاد طريقة تمكنها من صياغة قرار يُثبت حالة التأمين الصحي للمتقاعدين .. والصادم أنها ربما لا تكون قد واجهت قراراً ممكناً أسهل من هكذا قرار، ونحتار كيف بدا وكأنه معجزة المعاجز عندها ..؟! فها هي على وشك الرحيل دون أن تفعل شيئاً، والصادم أكثر أنها لم تكف عن التصريح والتأكيد بأنها فاعلة لهذا الأمر، وإذ بها منفعلة بمتاهاتها دون أي أثر، ليبقى المتقاعدون – الذين أفنوا حياتهم وصحتهم في خدمة الدولة – متروكين بلا تأمين ولا عناية يواجهون مصيرهم بأنفسهم، وأغلبهم بات واقفاً على سكة الموت السريع كان أم الموت البطيء .. !!
كلنا نعيش المآسي التي تصرخ من حولنا بتلك الجهود الحكومية التي برعت في صياغة صفحات سوداء لها .. فما الذي سوف نسطّره للحكومة الجديدة القادمة على تلك الصفحات البيضاء التي أعددناها ..؟
أولاً نأمل من الحكومة الجديدة القادمة أن تأخذ علماً بأننا لم نعد نؤمن بالبيانات الحكومية، ولن نأخذ لها أي اعتبار ولن نقيمها من أرضها، فلن نأخذ بتلك البيانات بعد أن أثبتت لنا حكومة تسيير الأعمال – وهي أبعد ما يكون حتى عن التسيير – أن بياناتها لم تكن أكثر من ضحك على اللحى .. ولا يتعدى مفعولها حالة الحبر على الورق، والمؤسف أن مجلس الشعب في دوره التشريعي الثالث لم يصدر عنه أي إجراء فعال لتصويب الأداء الحكومي، ولم يشكل لجنة تحقيق واحدة .. كما لم يمارس حقه في حجب الثقة لا عن الحكومة ولا حتى عن وزير على الرغم من أن البيان الحكومي ونتائجه العكسية خلق بيئة شديدة الخصوبة لمزيد من التحقيقات وحالات الحجب، وهذا ما نأمل أن نراه إن لزم الأمر في دوره الرابع الذي أقلع وانطلق.
إن أرادت الحكومة الجديدة أن تُزيّن الصفحات البيضاء بألوان زاهية فيكفيها أن تفعل بعكس ما حصل مع سابقتها لتفوز بالمزيد من النجاحات المتلاحقة .. فعلى أيّ الجانبين تميل ..؟