اللاجئون السوريون في أربع دول عربية: 57% ينوون العودة
زياد غصن :
ثلاثة اشتراطات أساسية تحكم عملية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وفقاً للتصريحات الأممية والدولية الخاصة بهذا الشأن. أول هذه الاشتراطات، والذي غالباً ما تختزله بعض الدول بناحية محددة بغية استمرار تسييسها لهذا الملف، يتمثل في العودة الآمنة. أما ثانيها، والذي يجري إسقاطه دوماً من حسابات الدول، فهو يتعلق بالعودة الكريمة، من حيث ضمان توفير الخدمات الأساسية وسبل العيش في المناطق التي سيعودون إليها، وهو ما ليس متحققاً في ظل العقوبات ومحاولات «خنق» سوريا، فيما ثالثها، والذي قليلاً ما يتم تسليط الضوء عليه وتناوله سياسياً وإعلامياً، هو العودة الطوعية لا القسرية. وعلى أي حال، لم تُبذل سوى جهود قليلة لقياس رأي اللاجئين في الدول المجاورة لسوريا، باعتبارها المستضيفة للقسم الأكبر من هؤلاء؛ إذ ما دامت العودة طوعية، فما هي نسبة الراغبين في العودة فعلاً؟ ولماذا هناك من لا يفضل العودة مرحلياً أو حتى مستقبلياً؟
تدهور واضح
الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، تظهر طبيعة التحرك الإقليمي والدولي المطلوب لتبديد مخاوف اللاجئين من ناحية، وتحسين الظروف المؤاتية لعودتهم التدريجية من ناحية أخرى. ووفقاً للمسح الاجتماعي والاقتصادي الأخير، الذي أجرته مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وصدرت نتائجه أخيراً، فإن النسبة العظمى من اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان، الأردن، العراق، ومصر (94%)، لا ينوون العودة إلى سوريا خلال الأشهر الـ12 القادمة، فيما نسبة الراغبين في العودة خلال المدة نفسها لم تتجاوز الـ1.7% (معظمهم في الأردن ولبنان)، والباقي المقدرة نسبتهم بحوالى 4.3%، إما لا يعرفون أو أنهم مترددون أو لم يقرروا بعد. وفي محاولة للوقوف على مسارات التفكير في المستقبل، طرح المسح سؤالين مهمين: الأول خاص بخطط اللاجئين الذين لا ينوون العودة إلى سوريا، وخلص الاستطلاع حوله إلى أن 71% يفضلون البقاء في البلد الذي يتواجدون فيه، بينما 18% يفكرون في الانتقال إلى بلد آخر، وحوالى 11% قالوا إنهم لا يعرفون أو مترددون؛ وهذه نتائج لها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. أما السؤال الثاني، فقد وُجّه إلى شريحة اللاجئين الذين لم يقرروا بعد أو أنهم مترددون في نية العودة، إذ سئل هؤلاء ما إن كانوا يفكرون في العودة خلال السنوات الخمس القادمة أو في يوم ما، ليتبين أنه كلما طالت المدة الزمنية، تراجع عدد الراغبين في العودة؛ فمثلاً، هناك 36.8% ينوون العودة خلال السنوات الخمس القادمة، و50% لا ينوون ذلك. ومع ترك الزمن مفتوحاً، فإن نسبة الذين يأملون العودة في يوم ما تراجعت إلى 30%، مقابل ارتفاع نسبة غير المتأملين في العودة، والتي وصلت إلى 55%..
وعليه، فإن نسبة اللاجئين المتأملين في العودة، بغض النظر عن المدة الزمنية، تصل إلى 57%، فيما نسبة غير المتأملين تبلغ 34%. وبمقارنة هذه النتائج مع نتائج السنوات السابقة، فإننا سنجد أن نسبة المتأملين انخفضت من حوالى 70% في عام 2021، إلى 57% في العام الحالي، بينما نسبة غير المتأملين زادت من حوالى 20% في 2021، إلى حوالى 34% في 2024. ومن المعلوم أنه منذ عام 2020، والأوضاع الاقتصادية في سوريا تشهد تدهوراً زادت حدته خلال العامين الأخيرين، وذلك نتيجة العقوبات الغربية، وسيطرة القوات الأميركية على الحقول الرئيسية للنفط والغاز، والأزمة الاقتصادية في لبنان والإقليم عموماً، وتداعيات أزمة كورونا وكارثة الزلزال، فضلاً عن أثر بعض السياسات الحكومية.
الأسباب الموضوعية
تحصي مفوضية اللاجئين أكثر من 12 سبباً لعدم رغبة اللاجئين في العودة إلى سوريا خلال الأشهر القادمة، تتصدرها قلة فرص العيش والعمل، ثم انعدام الأمن والأمان ثانياً، عدم كفاية الخدمات الأساسية ثالثاً، عدم توافر السكن الملائم رابعاً، وجود مخاوف بشأن الخدمة العسكرية أو التجنيد الإجباري خامساً، وفي المرتبة السادسة يأتي الخوف من الاعتقال والاحتجاز والمضايقة و/أو الانتقام من قبل الحكومة. أما المرتبة الأخيرة في قائمة تلك الأسباب، فقد احتلها السبب المتعلق بعدم «وجود عفو». وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه كثيراً ما تُحمّل الحكومة السورية سياسياً مسؤولية المخاوف المرتبطة بقضايا الأمن والسلامة، فيما ثمة عدد لا بأس به من اللاجئين ينتمون إلى مناطق جغرافية تقع خارج سيطرة الحكومة. ولعلّ إحدى مزايا هذا المسح، أنه تضمن توضيحاً لهذه النقطة، عبر تحديده ستّ قضايا رئيسية تثير مخاوف الأمن والسلامة لدى اللاجئين. وفي مقدمة القضايا المشار إليها من حيث آراء اللاجئين المبحوثين، يأتي وجود صراع نشيط، ثم تواجد المجموعات المسلحة ثانياً، عدم إنفاذ القانون ثالثاً، المخاوف من حدوث صراع قبلي – اجتماعي رابعاً، الخوف من استئناف الصراع خامساً، ومخاطر الألغام غير المتفجرة سادساً، إضافة إلى عوامل أخرى لم تحدد بوضوح.
من جانب آخر، يحاول المسح التعرف إلى الظروف التي يمكن أن تدفع اللاجئين الذين لا ينوون العودة خلال الأشهر الـ12 القادمة إلى التفكير في تغيير قرارهم المذكور، ليخلص إلى تحديد حوالى 19 عاملاً أو ظرفاً مؤثراً في نظر المبحوثين. ومن بين العوامل التي نالت النسبة الأكبر من الأصوات، من بعد الإعراب عن إمكانية العدول عن نية عدم العودة تحت أي ظرف من الظروف: تحسن السلامة والأمن، الوصول إلى سبل العيش، الوصول إلى الخدمات الأساسية، العفو عن الفارين من الخدمة العسكرية، والوصول إلى السكن، فيما بدا لافتاً أن التقدم نحو الحل السياسي جاء في المرتبة السابعة. وللتطورات الخاصة بالأوضاع السائدة في البلدان المضيفة حضورها أيضاً؛ إذ تبين، مثلاً، أن إمكانية حدوث توترات اجتماعية في البلد المضيف ربما تدفع اللاجئين إلى التفكير في تغيير قرارهم، إلا أن هذا العامل يأتي في المرتبة التاسعة. كما أن وقوع ضغوط اقتصادية في البلد المضيف من شأنه أن يؤثر في منحى التفكير كذلك.
لكن هل ارتفاع نسبة الذين لا ينوون العودة، سواء خلال الأشهر الـ12 القادمة أو بغض النظر عن المدة الزمنية، سببه أن اللاجئين مرتاحون في البلدان المضيفة لهم ولا يواجهون أي تحديات؟ في الإجابة عن هذا السؤال، يؤكد 64% من اللاجئين المبحوثين في الدول الأربع أنهم يواجهون وعائلاتهم تحديات في حياتهم اليومية، مقابل حوالى 36% لا يواجهون مثل تلك التحديات. وأكثر من ذلك، فإن 87% يشيرون إلى أن دخولهم لا تكفيهم مع عائلاتهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، في حين أن نسبة الذين تكفيهم دخولهم لا تتعدى الـ13%.
( الأخبار اللبنانية )