جديد 4E

الإحصاء هو أعين إدارة الدولة.. قرنفلة : أمام عشوائية الرقم الاحصائي….كيف نبني خطط تنمية قطاع النحل ..؟

 

 

مفارقة كبيرة في تقديرات الإنتاج من العسل تشوّه المشهد وقد تساهم في خسارة المنتجين

 

السلطة الرابعة – 4e :

في تصريح صحفي صباح اليوم قال المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الشأن الزراعي  :

تلعب دقة الرقم الاحصائي أهمية كبيرة في رسم السياسات العامة للتنمية في الدول فالإحصاءات الموثوقة تصف واقع الحياة اليومية للناس. وهي ضرورة حتمية لصنع القرار و بدون بيانات عالية الجودة توفر المعلومات الصحيحة عن الأشياء الصحيحة في الوقت المناسب ؛ يصبح تصميم السياسات الفعالة ومراقبتها وتقييمها شبه مستحيل “. والبيانات ذات الجودة الرديئة يمكن أن تكون مضللة.

وأضاف قرنفلة : إن دور الإحصاء في التنمية الوطنية أمر بالغ الأهمية. لا يمكن المبالغة في التأكيد على أهمية وتوافر إحصاءات موثوقة وفي الوقت المناسب عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية لدولة ذات سيادة. على سبيل المثال ، تم قبول عدد من الأهداف بشكل عام كهدف للسياسة الاقتصادية والتنمية. ويعتبر التحرك نحو تحقيقها يؤدي إلى استقرار الاقتصاد الكلي وزيادة الرفاهية الوطنية.

ووفقا للبنك الدولي  (( الإحصائيات هي الدليل الذي تُبنى عليه السياسات. فهي تساعد في تحديد الاحتياجات وتحديد الأهداف ومراقبة التقدم. بدون إحصاءات جيدة ، يكون التقدم الإنمائي أعمى: لا يمكن لصانعي السياسات التعلم من أخطائهم ، ولا يمكن للجمهور تحميلهم المسؤولية ))

في الإحصاء، تصبح البيانات الخام ذات مغزى وتولد المعلومات لغرض اتخاذ القرار.

اليوم، يتم تطبيق الأساليب الإحصائية في معظم المجالات التي تنطوي على اتخاذ القرار، لإجراء استنتاجات دقيقة من البيانات المرتبة. تم تعريف السياسة القائمة على الأدلة على أنها نهج “يساعد الناس على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن السياسات والبرامج والمشاريع من خلال وضع أفضل الأدلة المتاحة في صميم تطوير السياسات وتنفيذها” و تستند السياسات الحكومية المختلفة القائمة على الأدلة إلى الإحصاءات التي تعتبر مهمة جدا لصياغة سياسات التنمية الاقتصادية السليمة، والتي من خلالها تصبح عملية صنع القرار وخطط التنمية للحكومة مركزة. ومن وجهة نظر الأمم المتحدة، الإحصائيات هي طريقة للحل وكذلك أداة حقيقية في تقييم مدى أو مستوى التنمية الوطنية لبلد ما في فترة معينة. ولا يمكن بناء خطط اقتصاد كلي دون معلومات إحصائية موثوقة وفي الوقت المناسب.

تعمل الإحصاءات الجيدة أيضًا على تحسين الشفافية والمساءلة في صنع السياسات ، وكلاهما ضروري للحكم الرشيد، من خلال تمكين الناس من الحكم على نجاح سياسات الحكومة ومحاسبة حكومتهم على تلك السياسات. على سبيل المثال، إذا كانت الحكومة تخطط لتقديم خطة معاشات تقاعدية شاملة، فسيتم استخدام الأساليب الإحصائية لتحديد التكلفة المتوقعة لنظام المعاشات التقاعدية المخطط له باستخدام التوقعات السكانية وبيانات التضخم. ومن ثم، فإن الإحصاء هو أعين إدارة الدولة.

يمكن أن تؤدي المعلومات الأكثر تنوعًا وتكاملًا وجديرة بالثقة في الوقت المناسب إلى اتخاذ قرارات أفضل وتعليقات المواطنين في الوقت الفعلي. وهذا بدوره يمكّن الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة والشركات من اتخاذ خيارات جيدة لهم وللعالم الذي يعيشون فيه.

ارقام احصائية متباينة :

في مسألة تقدير انتاج سورية من عسل الحمضيات يقول قرنفلة : اشار رئيس لجنة النحالين في اتحاد غرف الزراعة السورية السيد محمد امين قابقلي ان تقديرات انتاج الموسم الحالي من عسل  الحمضيات وبعد تقدير كمية الحمضيات بشكل تقريبي  تبلغ في الحد الادنى ( ٧٠ طنا) من عسل الحمضيات موزعة كالتالي :

١.نحالي محافظة اللاذقية ٢٠طن تقريبا

٢.نحالي الحفة ٥طن تقريبا

٣.نحالي القرداحة ٥ طن تقريبا

٤.نحالي جبلة ١٥طن تقريبا

٥.نحالي بانياس ٥ طن تقريبا

٦.نحالي طرطوس ١٠ طن تقريبا

٧.نحالي حماه ٥طن تقريبا

٨.نحالي حمص ١ طن تقريبا

٩.نحالي دمشق ٢طن تقريبا

١٠.نحالي درعا ٢ طن تقريبا

بينما أشار رئيس فرع اتحاد النحالين العرب في سوريا في تصريح لإحدى الشبكات الاعلامية المحلية ان كمية انتاج عسل الحمضيات لهذا الموسم تتراوح بين ٣٠٠ الى ٤٠٠ طن .

هذا التباين الكبير في تقديرات الانتاج…والمدى الواسع بين ٧٠ طن و (٣٠٠ الى ٤٠٠ طن)..وحتى المدى الكبير للتوقع بين ٣٠٠ وال٤٠٠ طن  يضع صاحب القرار امام اشارات استفهام عدة…..على اي من الارقام نعتمد؟؟؟

وبغض النظر عن دور وزارة الزراعة في تقديم الرقم الاحصائي الذي يفترض انه الاكثر دقة من الناحية العملية في تقدير انتاج موسم عسل الحمضيات فأن نشر ارقام احصائية غير متوافقة من جهات متعددة يؤثر سلبا ليس على رسم سياسات تنمية القطاع فحسب بل على واقع التسويق واسعار المادة في السوق وقرارات التصدير وغيرها من الامور المؤثرة جدا في حركة الاقتصاد الزراعي.

ومن هنا لابد من حصر التصريحات حول تقديرات حجم انتاج المحاصيل بالجهة المخولة قانونا في البلاد وهي المكتب المركزي للإحصاء بالتعاون مع وزارة الزراعة وهما جهتان تمتلكان الادوات والوسائل الميدانية لتقديم رقم احصائي مسؤول بعيدا عن الاهداف والغايات الخاصة.

أخيراً:

ما ذكره المهندس عبد الرحمن قرنفلة، هام للغاية، لجهة المخاطر التي تسببها حالة غياب الإحصاءات .. والمخاطر الأكبر التي يمكن أن تنجم عن الخطأ في الرقم الاحصائي سواء كان متعمداً أم غير متعمد.

ففي حالة أن يكون الإنتاج من عسل الحمضيات هذا العام بحدود / 70 / طن فهذا يعني أن الإنتاج ضمن إمكانية الاستهلاك المحلي، وعرض المادة سيكون متناسباً مع الطلب وبالتالي ستكون الأسعار مستقرة وفي حدود الكلفة مع هامش الربح الموضوعي، كما أنه في هذه الحالة لا داعي للتصدير.

أما القول بأن الإنتاج من عسل الحمضيات يتراوح بين / 300 إلى 400 / طن فهذا يشير بالفعل إلى تباعد كبير بين الحدين الأدنى والأقصى الممكن، كما أن هذا الاحتمال الرقمي – غير المقنع بطبيعته – يمكن أن يخلق لدى النحالين المنتجين شعوراً بصعوبة التسويق أمام زيادة العرض التي ستحصل، فيندفعون نحو تخفيض الأسعار، ما قد يوقعهم في خسائر محتملة، والواقع فإن الرقم من / 300 إلى 400 / غير مطمئن لجهة صحته، ليس فقط من الفرق الكبير بين حدّيه، وإنما لجهة مقارنته مع حجم الإنتاج الكلي من العسل في سورية والمعروف أن آخر الاحصائيات تشير إلى أن هذا الإنتاج يصل إلى نحو / 1800 / طن،

أي أن نحو ربع الإنتاج سيكون عسل حمضيات، فيما الثلاثة أرباع الأخرى من جميع الأنواع والأصناف، ونعتقد أن هذا بعيد عن الواقع، والترويج له دون تحقق سيكون له مخاطره على الإنتاج .

مع أن السيد إياد دعبول رئيس فرع سورية لاتحاد النحالين العرب، سبق وأن أوضح لموقع ( أثر برس ) في شهر شباط الماضي بأنه حتى يستمر النحال ويؤمن معيشته يجب ألا يقل سعر كيلو العسل عن 50 ألفاً ــ 75 ألف ليرة لأننا لسنا من الدول ذات الإنتاجية العالية بالعسل فالمعدل الوسطي لإنتاج الخلية 10 كيلو غرام؛ فيما بعض الدول مثل أستراليا ونيوزيلندا تنتج 100 ـ 120 كيلوغرام عسل للخلية الواحدة؛ لذلك مهما كان سعر العسل متدن لا توجد مشكلة لدى النحال هناك؛ لأن لديه تصدير؛ بينما نتيجة الإنتاجية القليلة لدينا يجب أن يكون السعر مرتفع قليلاً؛ ومع ذلك السعر ليس عالياً والارتفاع لا يذكر.

هذا الكلام يبدو متوازناً للسيد دعبول في حين أن القول بزيادة الإنتاج بشكل وهمي سيساهم في تخفيض الأسعار وربما الاتجاه نحو التصدير فنصير أمام مشكلتين.. الأولى : انخفاض الأسعار وخسارة المنتجين . الثانية : إفراغ السوق – عبر التصدير – وانتهاك حاجة الاستهلاك المحلي.

يبقى الشيء الهام والأساسي هو بالفعل ضرورة الاعتماد على إحصائيات دقيقة وموثوقة تضعنا أمام حقيقة المشهد بمختلف أبعاده، وعدم إلقائها هكذا جُزافاً، والمؤسف أن مثل هذه الاحصائيات ستبقى رائجة وتُهدد باتخاذ الكثير من القرارات الخاطئة، إن لم تكن هناك إحصائيات متخصصة ودقيقة صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء استناداً إلى معطيات صحيحة من الجهات ذات العلاقة.

نتمنى لكل النحالين إنتاجاً وفيراً وربحاً كبيراً .. وجعل الله أيامكم حلوة كالعسل.