جديد 4E

عن الأمل.. رغم الموت..

رويدة عفوف :

ثمة لحظات مستفزّة بين قدرتك على التعبير و ثباتك الواثق بهذه القدرة، وبين انتحار الصفحة البيضاء وتشويه نقائها بسواد ما يختزنه عقلك وقلبك، بالمعنى الحبري للكتابة.

كلما قررت الكتابة يطالعني وجه الورقة البيضاء بتحد سافر، فيعاجلني السؤال :

ماذا أكتب ؟‏

هل أكتب عن الحب، وأحدثكم عن الوردة الحمراء، وأشواق العشاق، وقصائد الغزل، وجنون الشوق؟‏

هل أصف زهر اللوز الأبيض، وصباحات النرجس والزنبق البلدي.. وأتجاهل الدم الأحمر المنداح على أرض وطني الحزين؟؟

هل أكذب وأقول: إن الحب ،وخيالات المدينة الفاضلة ما زالا في العقل والقلب ،في زمن الحرب والدمار؟‏

هل أكتب عن الفرح، وأصف طعم السعادة وأتجول بين السطور ضاحكة بأعلى صوتي كالمجانين، وأتغلب على رغبة البكاء الدائمة، وأنسى وجود هذا الكم المخيف من الحزن حولي وداخلي…‏

حين أتجاوز بعض الحزن وتأتيني ابتسامة فرح على حين غرَة، يقفز سؤال للبال:‏

هل ستغفر لي أحزانكم إن داهمتني لحظات فرح عابرة؟‏

هل سيغفر لي حزني إذا صافحت بعض الفرح بحضوره؟‏

الحياد ليس موقفاً للمنتمين لهذه الأرض الطيبة، وأنا لا أستطيع أن أكون حيادية لذلك سأكتب لكم عن الكبرياء : ذلك الإحساس الرائع بالشموخ ذلك الجدار الذي زلزل في محاولة لزعزعته لكن أبداً لم ينهار حتى لا تدخل في أعماقنا الهزيمة والإحساس بالغبن والوهن والانكسار ..‏

هل أكتب بعض الملاحظات في الحرب التي أنهكت أرواحنا …؟؟؟

سأكتب لكم عن ذاك المقاتل الوسيم الذي كتب على صورته: أنا الشهيد القادم ..‏

عن مقاتل بكى بحرقة حين أصيبت ساقه لأنه لم يستطع إكمال المعركة مع رفاقه ..‏

سأكتب لكم عن المقاتل الذي رفض الذهاب ليرى أخيه الشهيد في المشفى، لأن رفاقه على إحدى جبهات القتال ينتظرون مؤازرته ..‏

الآن أعرف تماماً ماذا علي أن أكتب ..سأكتب عن الأمل الذي بقي في قلوبنا رغم الاختناق واليأس العابر، ورغم الفساد وبعض التجار الذين باعوا الأخلاق والضمير سلعة رخيصة في بازار المال ..

سأكتب عن الأمل الذي سند قلوبنا وأرواحنا من الانهيار في مواجهة الموت والخوف والفساد، وبقي حياً في وجداننا رافضاً أن يلفظ أنفاسه الأخيرة .‏