جديد 4E

هات إيدك والحقني..!

 السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

رغم أنني من مشجعي الاحتفاظ بالقطاع العام على سلبياته ” اشتراكي للعضم”، لذلك فأنا لا أحبذ التحول الشامل إلى الخصخصة ومنظوماتها الخالية من أي عاطفة إلا بعد دراسة التجربة من كل أبعادها، فنحن في الواقع غير مهيئين نفسياً ولا قيمياً  لهذا التحول، ولا يتعلق الأمر بعيوب تشكو منها الخصخصة بقدر ما يتعلق الأمر بعيوب يشكو منها أصحاب هذا النهج المتوحش، فالأجور اليوم في قطاعنا الخاص عموماً لم تراع التضخم الهائل الذي أصاب الليرة السورية وقيمتها الشرائية، رغم أنها تتفوق عدة أضعاف عن أجور العاملين في الدولة، ومع ثبات الأجور في القطاع العام عند خط الجوع والعوز والحرمان لسنوات عديدة “بصورة مستفزة” ، بدأت حملة استقالات اضطرارية وهجرة مبررة منه إلى القطاع الخاص بحثا عن ذلك الفارق، وهو ما يهدد كيان ذلك القطاع…!

بحكم خبرتي ومشاهداتي خلال ثلاثين عاماً من العمل بالقطاعين الخاص والعام أتساءل دائما… لماذا تطور القطاع الخاص في بلدنا والكثير من البلدان الاخرى في حين ظل القطاع العام يراوح مكانه، لا بل إنه تراجع وفقد الكثير من رصيده وأصبح يعاني من خطر خصخصته..؟!

لدي وجهة نظر متواضعة في هذا الموضوع، سأوجزها في عدد من النقاط:

ـ في القطاع الخاص يعمل العامل من أجل راتب مجزٍ، أي أن الراتب المجزي هو الأساس ولذلك نرى حماسا واندفاعا للحفاظ على هذا المكسب وتحسينه، أما في القطاع العام…فيحصل العامل على أجره “المتواضع” سواء أدى عملاً متميزاً  ام لا – الكل سواسية حتى بالترفيعة الدورية – وفي حالتنا الراهنة لا يسد هذا الأجر رمقاً ولا يغني ولا يسمن من جوع، ولا يمكن أن يشكل حافزا للزواج أو بناء أسرة أو شراء مسكن أو حتى إبعاد صاحبه عن خط الفقر ..؟!

ـ في القطاع الخاص يُكافأ المجتهد والمجدّ والمبدع ويستبعد المسيء والمهمل والمتقاعس، أما في العام فيُقرب – أحياناً – المسيء والمفسد واللقلوق وتتم ترقيته، في حين يُحارب المجتهد – أحياناً – والمبدع والمبادر أو يحمّل فوق طاقته دون أن يُعطى الحد الأدنى من حقوقه..!

ـ في القطاع الخاص تفكر الادارة بعقلها أكثر من غرائزها لتطوير العمل وزيادة الأرباح والمكاسب، أما في العام فتفكر الادارة – أحياناً أيضاً – بغرائزها ومصالحها الخاصة والشخصية، ويكون همّ المدير فيها منصباً على حماية موقعه الوظيفي من الطامعين والطامحين لاعتلائه..!

– في القطاع الخاص يتم تقييم الأداء باستمرار من أجل معالجة المشكلات المعيقة، أما في العام فينصب العمل على خلق المشكلات – في بعض الأحيان – وتعقيدها من أجل استثمارها في صفقات فساد تعود بالفائدة على صاحب المنصب ومن جاء به إليه..!

— في القطاع الخاص يوضع هدف معين من أجل الوصول إليه، أما في العام فنشعر أحياناً أنْ لا هدف ولا من يحزنون، فالأمور في معظمها تسير وفق قاعدة (هات إيدك والحقني) و(اربط التيس محل ما بقلك المدير)..

المشكلة التي نواجهها كأنها تتلخص في محاولات تدمير القطاع العام وإفراغه من أصحاب الخبرة والكفاءة دون أن يكون هناك رغبة في التحول الحقيقي إلى بديل مناسب يحفظ حقوق العمال ويخفف عنهم تداعيات الحرب وأزماتها الكارثية على الصعيد المعيشي..!