جديد 4E

علم الباطون والأجور…!!

وصال سلوم :

«حمدان» صار مضرب مثلٍ في ضيعتنا، وكذلك في الضيع المجاورة، مع إنه لم يكن طبيباً أو مهندساً ولا حتى مذيعاً أو أديباً، وليس لديه ديوان شعري، أو «كاسيت» يغنيه مطرب شعبي في الأفراح.

«حمدان» شاب شاطر سافر مع ثلاثة من أقرانه للعمل في المدينة بشغل «الباطون» وتشييد العمارات والمحال، و«حمدان» وأسعد ونبراس وسمعان، كانوا عمالاً أشداء ينقلون «الباطون» ويثبتون الخشب بالحديد، ويرصون البلوك، من دون كلل أو «نق »وشكوى لصاحب الورشة الذي اعتاد عند كل ربعية عمل ومع دفع الأجرة استعارة وجه التقى والاستعانة بنبرة صوت منخفضة، وتذبيل العيون والدروشة، وهو يحكي مع أبنائه العمال:

«الشغل خسران، والأسعار نار.. لذلك اعذروني، يجب الاستغناء عن أحد العمال، ولأنكم مثل أولادي، وأعرف أن لديكم عائلات أترك لكم اختيار الفائض كي أتجنب بينكم الاحراج..»

ومع ديباجة كهذه كانت وجوه الشباب تصفّر، وتذبل، والحاجة والعوز يقصمان ظهورهم، ويصعب عليهم تحديد كبش الفداء.

وأمام خيبتهم وقلة حيلتهم كانت عينا صاحب الورشة تغرورقان بالدموع، وهو يدّعي أنه سيبقيهم جميعاً حتى ولو كان (خسران) المهم عنده ألا يقطع رزقاً لعائلة مهما كانت الأسباب، وفي المقابل يطلب منهم الاجتهاد والعمل ساعات إضافية رداً لجميله وحسن أخلاقه.

و«حمدان» وأصحابه بسطاء يعملون بجد وإخلاص من دون أي مطالبة بزيادة أجرة أو وقت راحة ما بين صبّ الخرسانة ورفع سقف التراس.

وبعد ثلاث سنوات، بدت آثار تحسن الأحوال تظهر على صاحب الورشة فسأله «حمدان» وهو «يضبّ بقجته» بعد أن تم قبوله الوظيفي في إحدى المسابقات، عن سره وأسلوب «الشحادة» الذي اتبعه معهم سنوات؟؟

فيخبره، أن حسن إدارته لهم، زاد من أرباحه واستثماراته بسبب عدم زيادة أجرتهم، وجهدهم المضاعف الذي أغناه عن استقدام عمال آخرين.

إنها سياسة إدارية أضافها «حمدان» لـ«بقجته»، وحملها معه لوظيفته التي تدرج فيها بالمسؤولية، وصار مضرب مثلٍ في ضيعته والضيع المجاورة بعد أن تعلم كيفية تكديس الأموال في «علم الباطون» ووهم إصلاح الأجور والمعاشات.

صحيفة تشرين – قوس قزح – 2 / 2 / 2023م