جديد 4E

فاصل كهربائي..!

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

أعلم كما تعلمون أيضاً أن الكهرباء في بلادنا هي اليوم بأسوأ حالاتها وظروفها، ثمة أسباب موضوعية لذلك متعلقة بالحصار والعقوبات وخروج معظم حقول النفط والغاز عن سيطرة الدولة وهذه مشجب المسؤولين يعلقون عليه كل أخطائهم وارتكاباتهم، ولكن بكل تأكيد هناك أسباب ذاتية متعلقة بطريقة تعاملنا غير الحضارية مع هذا المرفق الخدمي المهم، إضافة إلى الفساد المستشري في هذا القطاع، ولكن يقينا لو عالجنا الأسباب الداخلية بالحد الأدنى من الاحساس بالمسؤولية والشعور بالآخرين لكان الوضع أفضل مما هو عليه الآن بأشواط.

لن أتحدث عن وعود معالي “السيد الوزير” بخصوص تحسين الواقع الكهربائي ولن أشكو من العدالة المفقودة في توزيع الطاقة بين المواطنين فهناك ابن البطة البيضاء وابن البطة السوداء، ولن أتحدث عن التبريرات الخنفشارية التي ساقها “سعادة النائب” لتبرير غياب هذه العدالة، ولن آتي على ذكر قرض الطاقة البديلة الذي يشكل مفارقة غريبة الأطوار، بل سأتحدث عن أمر يخصنا كمواطنين، وهو يتعلق بمشاهداتي شبه اليومية في الأحياء الشعبية وفي المؤسسات الحكومية التي أتردد عليها بشكل دوري والتي تؤرقني كلما شاهدتها.

ففي الأحياء الشعبية تسود عقلية مستفزة قوامها مبدأ شاذ يقول “سرقة الدولة حلال” حيث الاستجرار غير المشروع للطاقة والتعدي السافر على خطوط الشبكة وبشكل انتهازي وغير مسؤول، وقيام بعض الزعران بمصادرة دور عمال الطوارئ والعبث بالتمديدات والخطوط والكابلات، وهو ما يتسبب بحرائق وحوادث يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، الأمر الذي يستدعي في كثير من الأحيان تدخل عمال الإطفاء وتدخل سيارات وعناصر الاسعاف ، فالكثير من مستجري الطاقة بشكل غير مشروع ينتهزون فرصة مجيء التيار الكهربائي لساعة أو أقل ليقوموا بتشغيل كل ما لديهم من أدوات كهربائية “غسالات برادات مدافئ قاظانات مكيفات حصر كهربائية ..إلخ ” ما يجعل خطوط الطاقة عاجزة عن تلبية الطلب الزائد أو تحمّل الأحمال الكبيرة التي تتعرض لها، ويمكن حل هذه المشكلة عن طريق تنظيم الخطوط الداخلة إلى المنازل وحمايتها من العبث اليومي وتركيب حساسات أو فواصل تقوم تلقائياً بقطع التيار في حال تجاوز السحب أكثر من قيمة معينة تحددها الوزارة نفسها ولتكن “3 آلاف واط” مثلاً، فقبل أيام، حدثت مشكلة في البناء الذي أسكن وقد لاحظت استجراراً غير طبيعي في عدد من الساعات بمدخل البناء بينما أصحابها مسافرون ولم يقوموا بفصل التيار الكهربائي عن الأجهزة الكثيرة التي تعمل داخل منازلهم أثناء غيابهم، وهو ما تسبب بانقطاع الشبكة عن باقي المنازل في نفس البناء واحتراق الكبل الخارجي واضطرار عمال الطوارئ لاستبداله…؟!

أمر آخر ألاحظه في العديد من المؤسسات التي أزورها بحكم عملي كصحفي – وأعتقد أن ذلك يتكرر في الكثير من المؤسسات الحكومية – وهي تعمد الموظفين تشغيل المدافئ الكهربائية والمكيفات والانارة  بأقصى طاقة وكأن الأمر فرصة لن تتكرر، معتمدين في ذلك على المولدات الضخمة في هذه المؤسسات، وهي حالة لا أستطيع أن أفسرها إلا نكاية بالتقصير في إمداد المواطنين بالطاقة الضرورية، وربما هناك أسباب أخرى أجهلها، وأعتقد أن ذلك ناجم عن فشل الادارات في هذه المؤسسات وعدم إحساسها بقيمة الطاقة المتوفرة لديها وترك موظفيها يهدرونها بصورة منفرة، ولو تيسر لنا إجراء إحصائية لقيم الطاقة المهدورة في مؤسسات الدولة لحصلنا على أرقام مذهلة.

أعتقد جازماً أن بإمكاننا جميعا أن نحسّن من أحوال الكهرباء في بلدنا وأن نخفف المعاناة قليلا فيما لو عملنا بضمائر حية وبمسؤولية وأخلاقية …فهل نفعل..(؟) لا اعتقد أن هناك عقوبات على الضمائر ولا حصار على أصحاب المبادئ والقيم…!!!