جديد 4E

تكريم الزميلة بيانكا ماضية في الذكرى الخمسين لرحيل عاشق حلب العلاّمة خير الدين الأسدي .. أوصلنا إلى آفاقٍ رحبة

مؤسس جوائز الأسدي الدكتور المغترب ناهد كوسا للسلطة الرابعة : أردّ جميل ما قدّمه لي هذا الوطن الغالي

 

السلطة الرابعة تضع نفسها في خدمة مشروع توثيق التراث تطوعاً لمواكبته ونشر مستجداته

 

 السلطة الرابعة – علي محمود جديد :

نالت الزميلة بيانكا ماضية، شهادة تقديرية مع الذين ساهموا بجهودهم في الذكرى الخمسين لرحيل علامة حلب ( خير الدين الأسدي ) التي تزامنت مع الإصدار السابع لجوائز الأسدي المقدّمة من جمعية العاديات وأصدقائها.

الزميلة بيانكا – وهي أمينة تحرير الشؤون الثقافية والفنية في جريدة الجماهير الصادرة في حلب عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع – أوضحت للسلطة الرابعة بأن مساهماتها كانت عبارة عن تغطية صحفية وحوارات لكل ما يتعلق بانطلاقة المشروع الذي أنشأه الدكتور ناهد كوسا، ممثل جمعية العاديات في كندا، حيث قام بتأسيس هذه الجائزة بالتعاون مع الجمعية، ومن ثم توسعت لتشمل التراث المادي واللامادي، غير أنني لم أنل الجائزة طبعاً ولكن شهادة تقدير فقط – أشكرهم عليها – إزاء مساهماتي الصحفية طوال هذا المشروع الذي بدأ منذ عشرين عاماً.

وفي منشور لها في الثاني والعشرين من كانون الثاني الجاري على صفحتها الشخصية، مرفق بالعديد من الصور، قالت الزميلة بيانكا بهذا الصدد:

(البارحة في أثناء توزيع الشهادات التقديرية على الذين ساهموا بجهودهم في الذكرى الخمسين لرحيل علّامة حلب والإصدار السابع لجوائز خير الدين الأسدي مقدمة من جمعية العاديات وأصدقائها..

تمثال الأسدي

كل الشكر للدكتور ناهد كوسا ممثلاً أصدقاء جمعية العاديات في كندا ومؤسس هذه الجائزة، والشكر أيضاً لرئيس جمعية العاديات في سورية الأستاذ المهندس محمد خير الدين الرفاعي، والشكر أيضاً لجمعية تيكيان الثقافية بحلب يمثلها رئيس مجلس إدارتها الأستاذ المحامي قره بت شوشانيان لاحتضانهم هذا الاحتفال في مركز الجمعية.

والشكر أيضاً للأستاذ أوجين أكمكجي على جهوده في سبيل إنجاح كل ما يتعلق بجائزة الأسدي من تنسيق وترتيب وتواصل.. )

هذا ما كتبته الزميلة بيانكا، فمن هو خير الدين الأسدي .. الذي يحظى بكل هذا التقدير والإجلال، وهذا الاحتفاء الكبير ..؟ ومن هو الدكتور ناهد كوسا بتفاصيل أكثر، والمنشغل دائماً باغترابه في كندا بهذه الجائزة وبهذا الاهتمام كله بالأسدي وأعماله ..؟

وفاء طالبٍ لأستاذه

حاولتُ الاستفسار عن ذلك من الزميلة بيانكا فقالت: د. ناهد كوسا هو أحد طلاب الأسديّ الذي آل على نفسه متابعة كل ما يخصّ سيرة وحياة أستاذه، وكانت رحلة بحثه في خطا الأسديّ قرابة عشرين عاماً، فما جمعه عن أستاذه الأسدي يفوق مجلدين ضخمين، وهو معروف بسعيه الحثيث وجهده الدؤوب لمعرفة كل التفاصيل الخاصة بأستاذه، وتوثيق ما نشره وكتبه ورحلاته وغيرها من مسيرة حياة الأسدي.

الدكتور ناهد كوسا

منذ ثلاثة أعوام التقيت بالدكتور ناهد – تقول بيانكا – وكنت قبلها مواكبة لمشروعه عن رحلة بحثه في خطا الأسدي، والتي مازالت مستمرّة منذ بدايتها أي منذ خمسة وعشرين عاماً، إذ أجريت معه غير لقاء صحفي، أكان لصحيفة الجماهير في تلك الفترة وحتى الآن، أم لصحيفة الشهباء بحلب منذ ثلاثة أعوام، وقد لفتني في أثناء ذلك الحوار الذي أجريته معه وكان بعنوان (في الذكرى الثامنة والأربعين لوفاتِه: هل تؤولُ مخطوطاتُ علّامةِ حلب خيرِ الدّين الأسديّ إلى الضياع؟!) ماقاله د. ناهد عن أن هناك أموراً جديدة حصلت معه على صعيد حياة الأسدي، وخاصة عما يخصّ مقبرة الصالحين ومكتب دفن الموتى، إذ وللمرة الأولى من خلال رحلة خمسة عشر عاماً بحثاً عن الأسدي وجد د. ناهد تسجيلاً يوثّق لحظة دخول خير الدين الأسدي إلى مكتب دفن الموتى. والأمر الآخر لقاؤه بعائلة أسد وعائلة رسلان، وهما العائلتان الوريثتان للأسدي، ولقاؤه بأخت الأسدي التي كانت ترفض سابقاً أي لقاء معه، وشاهد هناك في بيتها خزانة كاملة من مزهريات وزجاجيات وتماثيل وهي مقتنيات الأسدي.. وقصّت له حكايات للمرة الأولى تروى عن خير الدين الأسدي، وهي أن الأسدي كانوا يلبسونه في صغره الملحفة النسائية المعروفة بقطعها الثلاث؛ كي لايراه والده الذي طلّق والدته، وهنا يجب الإشارة إلى عدم الاستغراب من تصرفات الأسدي خلال مرحلة من حياته، وخاصة في العشرينيات من عمره، لأنه كان يرى العالم من خلف حجاب. وهذا جواب على سؤال مفاده: لماذا كان يرى الأسديّ العالم بشكل آخر؟!

هذه معلومة مهمة لم تكن معروفة عن خير الدين الأسدي، وهناك أمر آخر ذكره د. ناهد في ذاك الحوار، وهو قوله أنه حتى اللحظة لا يوجد أي إثبات مادي، أو إثبات رقمي، أو إثبات تسلسلي يشير إلى أن جثة الأسدي دخلت مقبرة الصالحين، وفعلاً كما يقال لقد أُخذت الجثة فوراً إلى مكان آخر، فمن المعلوم أنه تم إرسالها إلى كلية الطب البشري للتشريح، ويقال إنه بيعت الجثة بخمس وعشرين ليرة سورية، وهذا هو المرجح. وأخذنا موافقة من عائلة أسد ورسلان مع مجموعة خير الدين الأسدي إلى أننا مستعدون لإقامة قبرٍ ووضع شاهدة تدلل عليه، رغم أن الأسدي قال في وصيّته: “ضعوا على قبري حجراً فقط واكتبوا عليه: خير الدين الأسدي”.

كثيرون عتبوا على د. ناهد أنه أوصل الأسدي إلى مرحلة التقديس، لكنّ الأسدي، كما يقول د.ناهد، هو مثال لشخصيّة معروفة، مرّت علينا، وأهملناها بوفاتها ومازلنا نهملها إلى اليوم، فعملية إحياء ذكراه وما قام به واجبة علينا.

إن إحياء شخصية الأسدي – تقول بيانكا – مهمة ثقافية وعلمية وقد تنطعت جهات عديدة لإحيائها بكل ماتركته لحلب من علم ومعرفة وشعر، وكان أهم ما قدمه لمدينته حلب هو موسوعة حلب المقارنة، ورغم هذا توفي ولم يخرج في جنازته شخصٌ واحدٌ من حلب، ومات ولم يعرف قبره ولا مصير الجثة حتى هذا اليوم. ولذلك فإن د. ناهد كطالب من طلابه حاول معرفة حياة وشخصية واحد من أساتذته، فكان البحث عنه يشكل لديه متعة ما بعدها متعة. نشكر د. ناهد على توسيع هذا المشروع بإنشائه جائزة خير الدين الأسدي التي تفرعت لتشكل الكثير من التراث المادي واللامادي لمدينة حلب.

وارتأت بيانكا مشكورة أن أخاطب الدكتور ناهد كوسا إلى كندا عبر السوشيال ميديا، فهو من أسس لهذه الجوائز، وبالتالي هو الأولى والأقدر بأن يتحدث عنها، وزوّدتني برابط صفحته على الفيسبوك.

أرسلت له طلب صداقة، ثم أعددتُ جملة استفسارات ركنتها جانباً بانتظار موافقته على الصداقة، ورحتُ أبحث بين ثنايا الأنترنت وملفاته عن خير الدين الأسدي، وعن الدكتور ناهد مؤسس تلك الجوائز، فماذا كانت النتيجة ..؟

في الحقيقة هناك الكثير من المصادر التي تتحدث عن ( محمد خير الدين الأسدي ) ابن حلب البار الذي قضى حياته بالعلم والمعرفة والبحث التاريخي العميق، وقد اختصر موقع تلفزيون الخبر هذه المصادر كلها بمقالٍ شيّق عن الأسدي، نُشر بتاريخ 30 / 12 / 2018م، جاء فيه:

(عاشق حلب.. العلامة “خير الدين الأسدي” في ذكرى وفاته )

بيدٍ واحدة وبأربعة ألوان مختلفة، كُتبت “موسوعة حلب المقارنة”، لصاحبها خير الدين الأسدي، بعد أن استغرق ثلاثة عقود من الزمن لجمع محتواها، فمن هو خير الدين الأسدي ؟

في واحد من أقدم أحياء حلب القديمة وهو ”الجلّوم”، ولد الأسدي مطلع القرن العشرين وتحديداً في عام 1900، في بيت علم ودين، وتلقى تعليمه في المدرسة الرضائية “العثمانية”، حيث تبحر في علوم اللغة العربية إلى جانب أصول الدين والفقه.

وليد اخلاصي

ويذكر الباحث وليد إخلاصي، في موسوعة “رواية اسمها سورية” عن العلامة الحلبي، “أسس الأسدي مكتبته الخاصة وهو لم يبلغ العشرين من عمره، وحرص على أن تضم أمهات الكتب والمخطوطات، لتوصف بأنها من أكبر الخزائن في سوريا ولبنان، وتشاء الأقدار أن يتخلى عنها بسبب ضيق الحال”.

ويقول الباحث ” كان الأسدي أول من خلع الطربوش في ذلك الزمان، رغم استنكار الناس واتهامه بالكفر والزندقة، كما انطلق في تدريس اللغة العربية التي يحب، وأرغم طلابه على التحدث بالفصحى “.

ويتابع الباحث “في عام 1923، كان العلامة على موعد مع حادثة غيرت حياته للأبد، حيث كان يقوم بتدريب طلابه في مدرسة “الفاروقية”، على أداء مسرحية بعنوان “الاستقلال”، وعندما جاء موعد العرض أحضر معه باروداً، ليجعل العرض أقرب للحقيقة فانفجر وأصيب بيده اليسرى إصابة بليغة، فَقَدَ على إثرها كفه”.

ويروي تلامذته عنه، كما يذكر الباحث، “رغم انطوائه وانكفائه بعد الحادثة، استمر في التدريس، ولم يكن يراقب تلامذته في الامتحان بل كان يوزع الأسئلة ويترك الممتحنين دون مراقبة”، ويقول في ذلك “إن منح الثقة للإنسان ضروري لدفعه دوماً إلى الالتزام بالأمانة”.

وعن الموسوعة التي هي أعظم أعماله، قام الأسدي بتضمينها كل ما قيل تحت سماء مدينة حلب وفيها ولها من أمثال وحكم وحكايات وتهكمات وعادات ومعتقدات وخرافات، وألحقها بمصطلحات صناعتها وزراعتها وتجارتها وكذلك عن أسواقها وخاناتها وقراها مع تعليل سبب أسمائها”.

وينقل الباحث عن الأسدي قوله عن الموسوعة، “لن ينتظر قارئ موسوعتي أن امتدح بلدي وأسند لها ما لا يقرّه الواقع، فأنا جهاز التصوير أصور القصر والكوخ كما هما عليه”، وكان فخوراً بإنجازه وبدقة معلوماته ووصفه رغم أنه لم يكتب له رؤيته مطبوعاً.

قضى الأسدي سنوات لينجز الموسوعة، التي أحصيت في سبعة مجلدات من الحجم الكبير، وضم حوالي خمسين ألف كلمة حلبية دارجة، وأكثر من عشرة آلاف مثل وقدرت مصادر ومراجع الموسوعة بـ 300 مصدر.

ويصف الباحث “عرف عنه شغفه بالتاريخ والآثار وغذى ولعه بالسفر حيث زار القدس في سنة 1946، وزار القاهرة وتركيا والعراق وايران وشمال افريقيا واسبانيا وعدة بلدان أوروبية، واطلع على مكاتبها وعلومها”.

ويتابع “وثق العلامة سوريا توثيقاً تصويرياً، وقدر عدد الصور التي جمعها في رحلاته ب 40 ألف صورة رتبها على حسب حروف الهجاء، وقاد بنفسه بعثة تنقيب في كهوف – تلة السودة – في حي المغاير باحثا عن ما يرشده إلى آثار الإنسان الحلبي الأول”.

بدأ وهو في الستين من عمره بتعلم اللغة السريانية، وغيرها من اللغات السامية كالعبرية والكلدانية، كما ألمّ بالإيطالية والفرنسية والتركية والأرمنية، وكان خبيرا باللهجة الحلبية وأصل الكلمات حتى أصبح مرجعاً.

وفي عام 1967 عقد الأسدي ندوات ثقافية على مدى أربعة أيام متتالية وكانت القاعة تمتلئ بالرواد، وكان له موعد إذاعي في برنامج بعنوان “أنت تسأل وأنا أجيب”، كان يجيب على أسئلة المستمعين بصوته المميز وثقافته العالية.

أصدر كتابه “حلب: الجانب اللغوي من الكلمة”، في الوقت الذي كان العمل على موسوعته الكبرى “موسوعة حلب المقارنة” مستمراً دون توقف، ” وكتاب ” يا ليل ” الباحث في أصل كلمة يا ليل ومنشأها وجاء كتاب ” أغاني القبة” وهي نفحات من الشعر الصوفي المنثور لتكون “جوهرة تاجه الأدبي”، كما يصفها الباحث.

قضى العلامة المتصوف أيامه الأخيرة مريضاً في دار للعجزة، ولما استشعر دنو أجله، كتب مُوصياً بأغلى ما يملك – مكتبته – موجّهاً وصيته إلى محافظ حلب قائلاً: “لدي مكتبة تضمّ نفائسَ الكتبِ والمخطوطاتِ أهديها إلى بلدي والعالم”.

طلب الأسدي أن يقام له ضريحٌ يُكتب عليه العبارة التالية فقط: (خير الدين الأسدي)، ولسخرية القدر أنّ هذهِ الرغبة على بساطتها لم تُحقّق، ففي صبيحة 29 كانون الأول من عام 1971 ، وُجِد”محمد خير الدين أسدي” مُتكوّماً على نفسه في غرفته، مُحاطاً بأوراقه ومخطوطاته، وقد أسلم الروح.

وبحسب مصادر متعددة، “تهاونت المبرة في الاتصال بأصدقائه وأرسلته إلى مقبرة “الصالحين” مباشرةً، وجاء الخطأ بأن تمَّ تسجيل اسم “ضياء الدين أسد” بدلاً عن اسم “خير الدين الأسدي” في سجل مكتب دفن الموتى، فيبقى دون قبر ولا شاهدة.

“لقد سُقيت السكينة، وخُتم على شفتي، فشربت دم قلبي في صمت وسكون”، بهذه الكلمات قدم الأسدي لموسوعته، فكانت تأريخا” لمدينة عشقها حتى لقب “عاشق حلب”.

الدكتور ناهد .. وجوائز خير الدين الأسدي للتراث

صحيفة البعث وفي عددها الصادر يوم 8 كانون الأول 2020م تناولت هذا الأمر في مقال للزميلة ( أمينة عباس ) أوضحت فيه أنه بعد الإعلان مؤخراً عن الفائزين بجوائز علاّمة حلب خير الدين الأسدي لتوثيق التراث أكد د.ناهد كوسا المشرف على هذه الجوائز في حواره مع “البعث”

أن هذه الجوائز التي تقدم سنوياً هي مبادرة شخصية مستقلة لا تدعمها ولا تمولها مؤسسات أو هيئات ولا حكومات ولا أحزاب وستبقى كذلك، وأن الهدف منها تشجيع أبناء الوطن على التوثيق وحفظ التراث، مشيراً إلى أنها تضم جائزة الأسدي لتوثيق التراث غير المادي لمدينة حلب ودمشق وجبلة والساحل السوري واللاذقية، وجائزة الأسدي لتوثيق التراث غير المادي بالتصوير الضوئي: الوشم، مراسم الوفاة، الحفلات الشعبية .. الخ”، وجوائز الأسدي لنقل التراث إلى الأطفال والناشئة، وتوثيق التراث الأرمني والشركسي في سورية، وتوثيق التراث السوري باللغات الأجنبية وجائزة الأسدي لطلاب الدراسات العليا، وعن الأسدي ومؤلفاته وجائزة الأسدي للأعمال الفنية التشكيلية “تماثيل، نصب تذكارية، ميداليات، الخ”، وجائزة الأسدي لأعمال البرّ والإحسان في الوطن الأم وجائزة الأسدي للصناعات التقليدية المنفّذة بأيدي ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

من المهد إلى اللحد

 

وأشار كوسا وهو المقيم اليوم في كندا إلى أنه من مواليد مدينة حلب، وكان العلّامة خير الدين الأسدي معلمه في الصف السابع عام 1969 أي في أواخر حياته، حيث رحل عام 1971 وقد عرف بين طلابه بحدة ذكائه وأسلوبه المتفرد في تلقين التلاميذ أصعب القواعد في النحو والصرف وبالمأساة التي عاشها في أواخر حياته بحثاً عن لقمة العيش في الوقت الذي كانت تستقبله إذاعة حلب بلقب “علّامة حلب” ليقدّم برنامجه الأسبوعي “أنت تسأل ونحن نجيب” مبيناً كوسا أنه رافقه إلى بيته عام 1969 ليحمل له بعض الكتب باعتبار أنه أبتر (يده اليسرى مقطوعة) وفي المرة الثانية، دخل البيت وزار مكتبته ورأى مقتنياته النادرة وعند خروجه أعطاه صورته الشخصية

تلك الصورة الشهيرة المنشورة عبر الانترنت وفي معظم المواقع الإلكترونية والتي ظلت ترافق كوسا في سفره وترحاله مع انتقاله إلى حمص ودمشق خلال خدمته للعلم بعد دراسته الجامعية ومن ثم إلى فرنسا لتخصصه العالي، مبيناً كوسا أنه وعندما عيّن أستاذاً في جامعة كندية حيث يقيم اليوم منذ أكثر من ثلاثة عقود صدر الجزء الأول (من 7 أجزاء) من “موسوعة حلب المقارنة” من مطابع جامعة حلب، وهي موسوعة فريدة من نوعها عن التراث غير المادي ومن تأليف الأسدي، عاود البحث مجدداً عنه ليعرف ما حدث لهذا العلّامة في أواخر حياته، وفي عام 2008 هيأ رحلة طويلة إلى سورية سماها “على خطى معلمي الأسدي من المهد إلى اللحد” وقد تعاونت معه البعثة الثقافية في السفارة السورية في كندا ووزارة المغتربين حينها وجامعة حلب لمعرفة حقيقة ما جرى في نهاية حياة الأسدي، وظل كوسا حينها أكثر من ثلاثة أشهر في سورية من أجل ذلك، واليوم لديه أرشيفاً كبيراً من الصور والوثائق والمخطوطات التي جمعها منذ ذلك الحين.

التراث غير المادي

كما أكد كوسا – للبعث – أن ما فعله الأسدي خلال حياته (1900-1971) من جمع للتراث غير المادي طالبت بعمله منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو) بعد سبعين سنة وقد طالبت دول العالم بتوثيق تراثها المتوارث شفهياً غير الملموس فظهر ما يعرف اليوم بالتراث غير المادي، وأسعده أنه وفي عام 2008 ظهرت صفحة خاصة عن الأسدي “خير الدين الأسدي علّامة حلب” لمجموعة خاصة ومغلقة تضم مجموعة من المثقفين والدارسين للتراث والتوثيق لكل ما يدور حول مدينة حلب التي كرّس الأسدي حياته من أجلها وأنه حين عاد كوسا في عام 2009 إلى حلب كان في رأسه آلاف الأفكار لتكريم الأدباء والمثقفين العصاميين لحثهم على الكتابة والتوثيق والنشر، وكانت فكرة إطلاق جائزة واحدة تحمل اسم خير الدين الأسدي الذي لم يلقَ الاهتمام والتكريم خلال حياته وقد اهتمّ بمشروعها.

وتُضيف البعث أنّ الدكتور ناهد أشار إلى أنّ محمد قجة رئيس جمعية العاديات في حلب وتميم قاسم أمين سر الجمعية كانا السند المعنوي له في أرض الوطن الأم، منوهاً إلى أنه  ومع انطلاقة الأحداث الدامية في سورية وبداية الخراب وهدم الآثار وأوابد الحضارات القديمة وهجرة الأهالي وتفرّق أبناء الوطن في الشتات شرقاً وغرباً أطلق كوسا جائزته للمرة الاولى وكانت مبادرة فردية ثقافية من مغترب محب لوطنه لتوثيق التراث في مدينة حلب ولتسجيل موروثنا الثقافي الاجتماعي خوفاً من الضياع والاندثار تماماً كما فعل أستاذه الأسدي ودعم الجائزة بمبلغ تشجيعي لحث الشباب والصبايا للعمل على الكتابة والنشر وقد لاقت المبادرة اهتماماً من مغتربين آخرين وتطورت إلى عدة جوائز تدريجياً ليبلغ عددها اليوم (12 فئة مختلفة) ولتصبح السنة القادمة 20 بحيث تضم مختلف الفئات والمدن السورية، مشيراً كوسا إلى أنه تم  إصدار أربع مجموعات طوابع بريدية في كندا (مجموعات بريدية خاصة لجميع أنحاء العالم) عن العلّامة السوري خير الدين الأسدي وقريباً سيصدر الطابع البريدي التذكاري الخامس في الذكرى الخمسين لرحيله.

طابع جديد في كندا في ذكرى رحيل العلّامة خير الدين الأسدي

 

تحت هذا العنوان كتبت الزميلة بيانكا ماضيّة في صحيفة الجماهير بتاريخ 25 كانون الأول 2020م تقول :

بمبادرة “حلبية” في الشمال الأمريكي تكريماً لعلّامة حلب خير الدين الأسدي (١٩٠٠ – ١٩٧١) أصدرت مؤسسة البريد الكندية مجموعة طوابع جديدة – إصدار خاص – في الذكرى الخمسين لرحيل العلّامة الأسدي والذي يصادف عام ٢٠٢١ وستصدر النسخة الأولى من الإصدار هذا الأسبوع في ذكرى وفاته يوم ٢٩ كانون الأول.

 

وفي حديث خاص لصحيفة الجماهير ذكر الدكتور ناهد كوسا مؤسس جوائز الأسدي لتوثيق التراث: أن هذا الطابع البريدي هو الخامس عن خير الدين الأسدي مؤلف موسوعة حلب المقارنة.

ففي عام ٢٠١٤، في خضم الأحداث الدامية التي عاشتها حلب وضواحيها، أطلق أصدقاء العاديات في كندا مسابقة لاختيار تصميم لطابع بريدي تذكاري يحمل صورة الأسدي كرمز لتراث وتاريخ المدينة.

طُرح أكثر من عشرين تصميماً اختير منهم ثلاث رسوم بالألوان لتتصدر ثلاثة طوابع تذكارية تمثل الأسدي : 1- مع مدينة حلب (من تصميم المهندس تميم قاسمو) 2- و مع قلعتها (للفنان أدهم عزيز اسماعيل) 3- و في سماء المسجد الأموي (للفنانة التشكيلية نهى برّو).

وفي عام ٢٠١٨ خلال الإصدار الرابع لجوائز الأسدي السنوية، صدر طابع بريدي تذكاري آخر بالألوان يمثل النحات بكري عبد القادر بساطة (نحّات الأسدي) خلال نقشه ميدالية الأسدي.

عن الطابع البريدي الأخير، يذكر الدكتور كوسا : في الذكرى الخمسين لرحيل أستاذي الأسدي (١٩٧١ – ٢٠٢١) اخترتُ تصميماً متواضعاً بسيطاً مستوحى من الصورة الفوتوغرافية التي أهداني إياها معلمي خير الدين عام ١٩٦٩ وتركتها كما هي باللونين الأسود “الداكن” والرصاصي “الفاتح” تتخللهما ضربات بـِ “الممحاة” تمثل حياة الأسدي من المهد إلى اللحد.

=-=-=-=-=

الزميلة بيانكا أيضاً كتبت اليوم 29 / 1 / 2022م مقالاً في صحيفة الجماهير بهذه المناسبة وهو هام فعلاً ويتضمن جملة من المعلومات الإضافية، وتجدونه على هذا الرابط:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=156818086694395&id=100070986144339

 

وقَبِلَ الصداقة:

في يوم الخميس الماضي / 27 / 1 / 2022م / كنتُ – كما أشرت – طلبتُ صداقة الدكتور ناهد، وشرعتُ أعدّ هذه المعلومات حول الأسدي وجوائزه ومؤسس الجوائز، وعند المساء سألتني الزميلة بيانكا إن كان الدكتور ناهد قد استجاب للصداقة، فقلتُ لها : ليس بعد وأنا بانتظار موافقته، فقالت لي بأنها ستراسله وتشير له إلى طلب الصداقة، فشكرتها وتابعتُ إعداد هذه المعلومات الشيّقة.

في صباح يوم الجمعة 28 / 1 / 2022م فتحت الأنترنت، وإذ برسالة على المسنجر من الدكتور ناهد كوسا، ففرحت كثيراً بالفعل، كان لطيفاً جداً ومتواضعاً، وجاء في رسالته يقول:

حدثتني اليوم الأستاذة بيانكا ماضية من حلب عن رغبتك محادثتي أو طرح بعض الأسئلة ..

بكل سرور ، يشرّفني التواصل مع حضرتك. مع فائق تقديري واحترامي.

دمتم لأخيكم ناهد كوسا – مونتريال/ كندا

فرحت كثيراً برسالة الدكتور ناهد فعلاً، وأرسلتُ له جواباً ضمّنته ما أريده من معلومات حول الجائزة، أو جوائز الأسدي وأهدافها، وبعض الاستفسارات الأخرى.

جواب الدكتور ناهد :

بعد أن شكرني ..قال :

كم تمنيت أن أكون معك وجهاً لوجه لأحدثك عن ذكرياتي في ربوع الوطن الغالي قبل هجرتي التي مضى عليها 40 سنة.

الكلمات المدوّنة بالمداد لا تعبّر عن الكلمات الحيّة النابعة من القلب.

أحدّثك وقلبي يتقطّع والدمع في عينيَّ .. وألخص لك كل ما طلبته مني عن جوائز العلّامة خير الدين الأسدي في نقطتين :

1- محبتي لوطني ولأهله الكرام

2- ردّ جميل لما قدّمه لي هذا الوطن الغالي

سأردّ بالتفصيل بأسرع وقت ممكن على كل أسئلتك.. دمت بخير .. و دام الوطن شامخاً كما كان منذ آلاف السنين.

السلطة الرابعة تتطوع في المشروع

https://4e-syria.com/

في الواقع تأثّرتُ لهذا الجواب الدافئ الصادق، وقلتُ للدكتور ناهد : أشكرك من أعماقي على استجابتك وسأكتفي بما أرسلته إلي اليوم من كلمات حارة وصادقة.. على أمل أن تصلني منك الإجابة عن الأسئلة بالتفاصيل، وعندها سأنشرها بشكل مستقل.. وسأكون دائما متابعا لكل جديد حول مشروعك القيم.. وأرجو أن تعتبرني وعبر ( السلطة الرابعة ) أحد المتطوعين الداعمين إعلاميا لهذا المشروع الرفيع في توثيق التراث  .. وهذا شرف لي وللموقع  .. وبكل المحبة.

أخيراً :

سنكتفي الآن بهذا القدر فعلاً، على أمل أن تصلنا الإجابات التفصيلية لننشرها لاحقاً، شكراً جزيلاً للدكتور ناهد كوسا على استجابته، وعلى هذا التدفق العقلي والعاطفي الجميل الذي أنعشني به، والشكر موصول للزميلة بيانكا ماضية التي أوصلتنا إلى هذه الحدود الجميلة، وهيّأت لنا هذا الجانب الإنساني والمعرفي الذي من واجبنا تكثيف الأضواء عليه، هذا إضافة إلى أنني شعرتُ بانجذابٍ كبير لهذا العلامة اللغوي المتصوف، والباحث في التاريخ والآثار ( خير الدين الأسدي ) لأنه بدا لي كصحفي محترف أيضاً، ولكن بمنتهى النزاهة، وقد لمستُ ذلك من قوله (أنا جهاز التصوير أصور القصر والكوخ كما هما عليه ) فكم نحتاج اليوم إلى من يُتقن دقّة هذا التصوير ..؟ علينا بضمائرنا .. فلنسألها .. وهي تجيب.