جديد 4E

لأن أعلافها ناقصة.. الحيوانات تشاركنا الرغيف .. تعاطي حكومي مضطرب مع قضية انتاج وتوزيع الخبز

 

 

قرنفلة : السلسلة الغذائية البشرية والحيوانية فقدت توازنها .. ولا بدّ من تصحيحها

 

علي محمود جديد :

ليس عبثاً هذا النزوع الجامح لاستسهال الاعتداء على أهم المكونات الغذائية الأساسية التي لا يستغني عنها أي بيت ولا حتى أي فرد، فالخبز لا تقتصر مشكلة الضغط عليه من شدة الطلب الناجم عن احتياج العائلات البشرية والأفراد، إذ تدخل على الخط وبقوة ( عائلات حيوانية ) تستنزف مخصصات موائدنا من الخبز فيتناقص العرض ليبدو الطلب مشتدّاً إزاء النقص الحاصل من السحب المشوّه للخبز لصالح عائلات أخرى لا تدخل السجلات .. !

هجوم كاسح من الحدائق الخلفية للكثير من الأفران والمخابز لسماسرة مربي الحيوانات بالتواطؤ مع أشباحٍ في تلك الأفران تمتهن الإشراف على هذه العمليات يومياً، دون أن تغفل ضرورة الانتباه إلى نوعية الخبز، الذي يجب أن يكون سيء الصنع لتعميق التسهيلات اللوجستية من أجل إتمام هذه العمليات المشبوهة التي لا تهدأ، رغم أنها ترقى إلى مستوى الجريمة الأخلاقية والاقتصادية أيضاً.

خسائر فادحة:

المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الشأن الزراعي ، اعتبر أن استمرار سياسات تخصيص كميات فائضة عن حاجة السكان من حبوب القمح لإنتاج الخبز تقدر بحوالي 1.4 مليون طن ، وتخصيص كميات من حبوب الشعير أقل من الإحتياج الفعلي للثروة الحيوانية السورية بحوالي 1.5 مليون طن،  ( في ظل النقص الكبير بالموارد العلفية المحلية الذي  يتجاوز 2.6 مليون طن من المادة الجافة . وارتفاع اسعارها بشكل مفزع .)  ينطوي على خسائر فادحة تلحق بالاقتصاد الوطني .

حيث أدى هذا الخلل في توزيع المخصصات الى تحويل مليارات من أرغفة الخبز الى علف حيواني  وأصبح هناك تنافس بين الانسان والحيوان على رغيف الخبز . وأصبح لدينا مصطلح جديد يسمى الخبز العلفي ، حيث شجع سعر الخبز العلفي المرتفع مقارنة بالسعر المدعوم للخبز المباع للاستهلاك البشري ، بعض العاملين في صناعة الرغيف الى تعمد الاهمال بالعمل وإنتاج خبز لا يحقق المواصفات القياسية  ، وينتهي به الامر في معالف الحيوانات أو في حاويات المخلفات . وكل يوم يتخلف اطنان من الخبز غير الصالح للاستهلاك البشري بسبب سوء تحضير وإعداد الرغيف ، كما شجع مربي الثروة الحيوانية على استخدامه بديلاً عن الاعلاف مرتفعة القيمة النقدية لتغذية قطعان الأبقار والأغنام والدجاج .

وأضاف  قرنفلة :يعد الخبز مكوناً رئيساً في سلة المستهلكين الفقراء في القطر ،  بخاصة في الارياف والبادية والتجمعات السكانية ، وان دعم الخبز اولوية قصوى في هذه المرحلة ، اذ يعتمدها العامة لإملاء البطون مع قليل من المواد الغذائية الاساسية الاخرى المتناقصة ، بعد ان ارتفعت اسعارها لأسباب محلية وعالمية ، ورغيف الخبز

عنصر رئيس من عناصر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، و تحزنك مشاهد ارغفة الخبز المرمية على أطراف الأرصفة ، وشكوى عمال التنظيفات من وجود ربطات خبز ضمن حاويات القمامة ، رغم أننا جميعنا ندرك أننا في حالة حرب ، وفي الحروب تتوقف الحياة تماما وتنقطع مقومات العيش ، ومع أن الحرب مستعرة في البلاد منذ ما يقارب عشر سنوات ، لا تزال الدولة توفر رغيف الخبز للمواطن  وبسعر مدعوم ، وهذا انجاز كبير للحكومة بالنظر الى حجم الأموال الهائلة التي تغطي لقمة عيش المواطن وفي حقيقتها تبلغ مليارات الليرات كثير منها بالقطع الأجنبي .

سوريا الأولى بالعالم في انتاج القمح القاسي :

واشار قرنفلة الى أن سورية كانت من أهم دول الشرق الأوسط في إنتاج القمح وأولى دول العالم بإنتاج القمح القاسي وتشكل ما بين 25 و 30 بالمئة من إنتاجه العالمي ، وتراجع الإنتاج خلال السنوات الماضية بفعل الحرب. وظروف الجفاف التي اجتاحت البلاد . ورغم ذلك فإن القمح السوري تحدّى الحرب ، فلم ينقطع رغيف الخبز يوماً واحداً من الأسواق المحلية .

ولفت قرنفلة أن توقف معامل الخميرة المحلية بفعل الاعمال الارهابية ، وتهديد مخزون محصول القمح في كثير من الحالات نتيجة وقوع الصوامع في مناطق غير آمنة ، وتعرض المحصول لعمليات نهب أثناء النقل من مناطق التخزين الآمنة الى مناطق الاستهلاك ، وانخفاض الكميات المسلمة من القمح للجهة الحكومية المعنية ،  بفعل الضغوط الناجمة عن الأزمة الراهنة والتي ساهمت بتهريب كميات كبيرة من الإنتاج المحلي خارج البلاد . كل هذه العوامل دفعت الجهات الحكومية الى استيراد مادة القمح من بعض الدول الصديقة وكذلك مادة الخميرة . حيث  جاءت مستوردات سورية من القمح من دول أهمها أوكرانيا و رومانيا وبلغاريا وغيرها ،.

وأوضح قرنفلة أنه بفعل تبدل نوعية طحين القمح ، ونوعية الخميرة وارتفاع نسبة النخالة في الطحين ،  نتيجة رفع  نسبه الاستخلاص به إلى درجة عالية ،  وبالرغم من احتواء الطحين هذا على الأملاح المعدنية والفيتامينات وزيت جنين القمح الذي يرفع قيمته الغذائية كثيرا ، إلا أنه غير مستحب للمستهلك لأنه يعطى رغيفا أسمر اللون ، وترتفع به نسبه المواد السللولوزيه ( نخاله ) . والدقيق ذو نسبة الاستخلاص العالية  سريع التزنخ لوجود الجنين الذى يحتوى على الدهن .

وهذا ادى الى الفشل في انتاج رغيف خبز بنفس المواصفات التي اعتاد عليها المواطن ما قبل الأزمة وإذا لم يبق الخبز ضمن السلسلة الغذائية (البشرية ) ، فسينتقل الى السلسة الغذائية الحيوانية أو الى حاويات النفايات. لذلك بدأت تتصاعد كميات الخبز التي تذهب الى معالف الحيوانات ، نظراً لضعف مواصفاته وخصائصه التخزينية،

تجفيف الخبز تمهيداً لتحويله إلى علف

مما يشكل خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني ويلحق ضرراً بإيرادات الدولة  ، وأمام هذا الواقع يرى المهندس قرنفلة أنه لابد من اتخاذ عدد من الإجراءات للحد من تبديد موارد الدولة ، منها :

  • تحديد الكميات المخصصة من القمح للاستهلاك البشري دون تحقيق فوائض ، وتحديد الكميات المخصصة من الشعير وباقي الاعلاف لتغطي الحاجة الفعلية للثروة الحيوانية دون تحقيق نقص فيها .
  • قمع ظاهرة تحويل الخبز الى اعلاف للحيوانات من خلال معالجة اسبابها وإعفاء واردات القطر من الاعلاف من الضرائب والرسوم .
  • الاستفادة من خبرات المختصين الوطنيين بتكنولوجيا تصنيع الخبز لإيجاد الطرق الأمثل لتعامل الخبازين مع الطحين والخميرة اللذين يتم تزويد الأفران بهما وبما يساهم في تحسين نوعية  ومواصفات الخبز .
  • تبريد الخبز بما يكفي قبل تعبئته في الاكياس البلاستيكية وقبل بيعه للمواطنين نظراً لدور التبريد في الحفاظ على نوعية الخبز .

  • توجيه الأخوة المواطنين عبر وسائل الإعلام الى ضرورة شراء حاجتهم اليومية فقط من الخبز وعدم تخزينه ، نظراً لتوفره في الأفران ومنافذ البيع على مدار الساعة . وكذلك ترشيد استخدام هذه المادة امتثالاً لتعليمات الأديان السماوية التي تحض على حفظ هذه النعمة .
  • زيادة عدد منافذ بيع الخبز / الأكشاك / في الأسواق والمناطق التي لا تتوفر فيها افران وإخضاعها للرقابة الشديدة وفرض عقوبات قاسية بحق كل من يتلاعب بالمادة وبيعها لغير الغاية المخصصة لها .
  • الحد من ظاهرة قيام بعض الأشخاص / وخاصة النساء والأطفال / بالاتفاق مع بعض ضعاف النفوس من العاملين في الأفران لبيعهم كميات كبيرة من الخبز ليقوموا بإعادة تعبئتها بعد حسم عدد من الأرغفة من كل ربطة خبز وبيعها للمواطنين بأسعار اعلى من السعر الرسمي .
سيارات نقل الخبز اليابس الى مزارع انتاج الحليب

أخيراً :

دائماً نحمّل الدولة كل المسؤوليات ونبرّر لأنفسنا أفعالاً شنيعة أحياناً لا نتردد في بذل جهودٍ مضنية للتملّص منها وإلصاقها بظهر الدولة، وبمنتهى اللامسؤولية وعدم الإحساس بالضمير المُغلّف بالتذاكي على الدولة، وأمثال هؤلاء لا نراهم إلا وقد تساقطوا كالعصافير أمام الصياد عند أول نظرة للدولة بعينها الحمراء نحوهم، غير أن الصيادين يقللون من جولاتهم، وما نخشاه أن يطيب لهم المقام أحياناً في تلك الحدائق الخلفية فيكتفون بالمشهد ومتعته والاستغناء عن البنادق .. !

( سيريا ستيبس )