جديد 4E

مشكلتنا مشكلة إدارة وليست مشكلة موارد..وربما تكون إدارة الوفرة أصعب من إدارة النقص

إخفاق بمؤشرات فلاحات سوريات وبورصة القشقوان العالمية ؟!!

 

       ناظم عيد :

 

على ناصية الشارع  بجانب وزارة الزراعة، يبدو المشهد أبعد وأعمق من مجرد فلاحات يلتقطن رزقهن، بل ثمة اتهام مباشر للحكومات المتوالية على الإدارة التنفيذية في هذه البلاد بالإخفاق، لأن فائض الإنتاج الحيواني متروكاً لتدابير بسيطة على طريقة الريفيات اللاتي لا يملكن إلا عرض منتجاتهن في الهواء الطلق، و إن كان ثمة من إجراء رسمي، فهو على أبعد تقدير يتمثّل بمرور دورية ” شرطة المحافظة” ويكون إما الطرد أو تقاسم الأرزاق.

هي مقاربة فرضت نفسها علينا ولم نملك تجاهلها، ونحن نتابع ” استنفار” الحكومة لدعم المشروعات الصغيرة – وهو الاستنفار ربما العاشر من نوعه خلال سنوات الأزمة- ليقيننا بأن أهم مشروعات الفقراء ” الصغيرة” هي تلك التي تختص بالتصنيع الزراعي، على اعتبار أننا بلد زراعي، ينعم بقطاع حافل بالفرص والميزات..ولتوجسنا من إمكانية حصاد نتائج جيدة، أي ننفخ في اللبن لاكتوائنا بلفح الحليب كما يقول المثل الشعبي القروي البسيط.

الواقع أن مواسم أزمات الإنتاج الزراعي السوري، قرائن إدانة تشير بأصابع الاتهام إلى أحدٍ ما أو جهة، أو ربما حكومة وحكومات متوالية على الإدارة التنفيذية في بلدنا، إما بالتقصير، أو التخطيط الخاطئ، أو قلّة الاكتراث، وغيرها من مقدمات الفشل التي لا تفضي إلا للنتائج ذاتها التي يفضي إليها الفساد الموصوف، الذي ندّعي أننا أشهرنا سيوفنا وحرابنا في مواجهته.

فالهدر فساد، وكذلك “دفن الموارد”، وتفويت الفرص، وتحييد الميزات الاقتصادية في بعديها النسبي والمطلق، والاستثمار القاصر بخياراته المرتبكة ومطارحه المشتتة، كلّها ملامح خلل يتماهى تماماً بخلاصاته مع الارتكاب، لأن المحاكمة المنطقية الأخلاقية تؤكد أن لا فرق في معايير هذا الوجود بين القتل الخطأ والقتل القصد، وإن التمست القوانين الجنائية فروقاً جزائية.

مواسم سورية تضيع هدراً أو شبه هدر.. إما تصديراً خاماً أو تلفاً وكساداً، أي إما نصف ضياع، أو ضياع كامل لمقدرات وموارد وجهود وأموال.. تماماً كما هي ملامح بصمات الفساد في ميادين التنمية والإنتاج، والسبب تقاعس وتقصير، حيث لا يبدو السهو مسوغاً، ولا قلّة الحيلة ذريعة، ولا ضبابية الرؤية عذراً مقبولاً.

في كل موسم تتدفق من حقول الإنتاج إلى مسامع الحكومة – كما سابقاتها – استغاثات مزارعي البطاطا “الكاسدة”، وقبلها صراخ مزارعي الحمضيات، والتفاح والبندورة ومنتجي زيت الزيتون، وسلسلة منتجات تندرج في قائمة الخصوصية السورية.. تقاليد سنوية من الشكوى حوّلت “مواسم الخير” إلى مواسم أزمات، ليبقى الحلّ محيّداً عن طاولات النقاش والعصف الذهني الذي يدّعيه من “أوسعوا” مؤسساتهم بحثاً واجتماعات لابتكار الوصفات الشافية.

مريب فعلاً أن نتجاهل التصنيع الزراعي كحل “مفتاحي” لمشكلة مترامية الطيف، رغم القناعات التي لم تخل منها خطة أو برنامج عمل حكومي منذ عقود من الزمن وحتى يومنا هذا، رغم أن نشر منشآت هذا النوع من المشروعات على نطاق واسع في مناطق الإنتاج السخية، يتسم بتكاليف استثمارية أقل بكثير مما نحاول تجريبه جزافاً من عالم الصناعة الرحب، وكان من العسير على أي مسؤول حكومي بيان السبب و إقامة الحجة المقنعة، بشأن “اللهو” بأحلام خارج المألوف، كتجميع السيارات مثلاً وسلع هندسية أخرى معقدة، لا يمكن لعاقل أن يتوقع أننا قادرون على إخراجها خارج المضمار المحلّي الضيق، وكأننا في حالة تحدٍ مع عقدة نقص تكنولوجية طالما قهرتنا، ونحاول عبثاً قهرها؟!!.

قديماً قيل: ليس أشقى من امرئٍ يسعى لأن يكون كما لا تؤهله إمكاناته الذاتية، وما يصح على البشر يسري على المجتمعات والدول، فنحن بلد زراعي بامتياز غارق حالياً في “وصمة” شبه خواء من منشآت القيمة المضافة الحقيقية، وهذه الأخيرة تتوفر بالمطلق في مضمار التصنيع الزراعي، وغالباً المنتج المنتظر غذائي وصفه أحد رجال الأعمال الكبار بأنه عبارة عن “تحويل التراب إلى نقود”، لأنه مرغوب مهما كانت الكميات في الأسواق الخارجية، حتى إنه ليس من الحكمة والرشد الاقتصادي أن نصدر منتجاً زراعياً خاماً، فكل ما ينتج يجب أن يكون للتصنيع بعد كفاية حاجة الاستهلاك المحلّي.

يمكن أن نبدأ رحلة نشر أنماط التصنيع الزراعي، حالياً في سياق التوجه نحو المشروعات الصغيرة والفردية والعائلية في مواقع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وبهذا نحقق الهدفين الاقتصادي والاجتماعي معاً، ونحل مشكلات فقر وبطالة، وتكون الحكومة بدعمها هذا النوع من النشاط قد دفعت عن نفسها تهمة الإخفاق، والدوران حول ذات الدوائر الخلبية التي دارت حولها سابقاتها وبقي أن نختم بحقيقة قد يكون الكثيرون منّا على غير علم بها، وهي أن معظم الصادرات السورية خلال فترة الأزمة كانت من إنتاج أسري يدوي بسيط، فماذا نريد أكثر من ذلك دليلاً لنقتنع بأن الأوان قد آن لاستثمار ميزاتنا الاقتصادية، وإيقاف نزيف الموارد الحاد؟؟.

هامش 1:

مهمة الحكومة  لم تنته عند عقد اجتماع، بل يجب أن تتابع الحكومة ” مجلس الوزراء” مشروعات التصنيع الزراعي وكافة المشروعات الصغيرة، لأن الجهات التابعة لا تملك صلاحيات كافية لتوطين هذه المشروعات..فمثلاً موظف بلدية يمكن أن يُفشل إقلاع أي مشروع، بل حتى شرطي بلدية، أو موظف بنك أو موظف في وزارة الصناعة أو أو أو إلخ.

هامش2:

بالنسبة للفلاحات بجانب وزارة الزراعة..يتكفّل القليل القليل من الاهتمام الحكومي بنشر خطوط صغيرة لإنتاج القشقوان وتعليب اللبنة والجبنة، بإيصال إنتاج أولئك النسوة إلى أسواق بعيدة في الخارج بدلاً من تلفه تحت أشعة الشمس.

 

الخبير السوري