جديد 4E

نيسان ..لعل القادم أجمل

حسين صقر

يعلم تماماً أن في هذا الشهر، كل ما فوق الأرض يضحك و يزهر،  وتنفرج فيه الأسارير، ويرتسم على الوجوه التفاؤل، ويعلم أيضاً أن في هذا الشهر جنون الورد وجمال الأيام و عطر الأجواء، وفيه أيضاً تنفتح أبواب السماء للشمس والخير والبذل والعطاء، فنيسان هو شهر الخير والمنى، و هو  شهر المحبة والأعياد والبعث والقيامة والاستقلال ..

ويعلم أيضاً أن في هذا الشهر سيكون رمضان كريماً كعادته، لكن العم أبو أحمد الذي أحيل إلى التقاعد منذ عشر سنين لم يعلم أنه سيواجه متاعب لم تكن بحسبانه، حيث تغير حوله كل شيء، الناس والأسواق والابتسامات وكلمات الترحيب، وحتى الطرقات تغيرت، فقد ترك الإرهاب ندباته على الأماكن و غير ملامحها،  يخرج هذه الأيام من منزله مرهقاً محملاً بالهموم والانتظار في المحطات والطوابير ، وعند الذهاب والإياب.

رغم ذلك لا يغير العم أبو أحمد قناعاته، ففي كل رحلة صباحية بحثاً عن رغيف الخبز وكيلو السكر، يرسخ تلك القناعات، ويدرك بقرارة نفسه أن نيسان كان ولايزال مصدراً للحركة والنشاط، ومنه انبثقت الروح و فيه يولد الربيع، ليعد ببداية سنة جديدة، ففيه تغني المخلوقات الحية و تقيم أعراسها على أنغام موسيقى الطبيعة، وتغرّد  العصافير، ويطلق الحمام هديله، وتبوح العنادل ألحانها، وفيه يكتمل فرح الكون العارم بتجدد الحياة.

لكن لهذه الأيام متاعبها ومنغصاتها، يقاطع نفسه مستعيداً نظرته التفاؤلية بالحياة ويقول : ربما أنا مخطئ، لأن في نيسان قيامة السيد المسيح، ومن رحمه خرج استقلال سورية، وفيه تحررت من المستعمر الفرنسي، وفيه  حصل الأحرار على غاياتهم وبلغوا أهدافهم، وانعتق الأبطال الشجعان الميامين من نير الاستعمار البغيض، وفيه رفض أبناؤها الغر الذل والهوان، ونحوا التبعية والتخلف والتجزئة إلى غير رجعة منطلقين إلى المشروع القومي التحرري، وفي نيسان أيضاً نشأ البعث وترعرع وأينعت ثمرات الحرية وزهت صور الديمقراطية الحقة.

يسرح العم أبو أحمد معللاً نفسه بالآمال، فلولا الأمل لبطل العمل، وأن دوام الحال من المحال، فسوف ينبلج صباح السلام ويعم الأمان قريباً، وسوف تستعيد سورية ابتساماتها وضحكات أطفالها، وسيبقى نيسان شهر أريج الزعتر و والخزامى والبيلسان والزيزفون وأكاسيا الوديان وأكواز الكستناء والجلنار وأزهار الياسمين ورفرفة الفراشات.

يقطع شرود العم أبو احمد صوت صاحب الباص قائلاً: ” آخر موقف ياجماعة” يعلم عندها أن رحلة من التعب سوف تبدأ، لكن بوجهه المتفائل يسير بين المارة موزعاً ابتساماته اللطيفة، وبخطواته الهادئة حيناً والمتثاقلة حيناً آخر ينطلق على الرصيف لعله يلحق دوره على أحد الأفران طمعاً بعدد من الأرغفة ليسد حاجة أحفاده وأبنائه.

فأمامه مشوار طويل، لكن دائماً يحدوه الأمل بأن كل شيء سيكون على مايرام وسوف تزول غيوم الحرب الكالحة، ويزهر الفرح من جديد، يقول مخاطباً نفسه مرة أخرى وهو يسير ..بكرة أحلى