جديد 4E

فرص العمل وسوقه

علي محمود جديد

غياب الرقم الإحصائي يساهم إلى حدٍّ كبير باستسهال بعض المخاطر، لأن هذا الغياب يخفي الكثير من الحقائق والوقائع بسبب الجهل بالرقم الذي يعتبر كالضوء الكاشف للطريق المظلم، وينقذ العابرين من الجنوح إلى خارج المسار الذي قد يوقعهم برياض أزهار أو بسندس أخضر، ولكن قد يوصلهم أيضاً إلى حقل ألغام.

ما نريد قوله هو أنّ حالة الشباب الداخلين إلى سوق العمل، والذين تجاوز الكثيرون منهم سن الشباب، ولا يزالون يبحثون عن فرصة عمل وقد صار من الضروري جداً الالتفاتة نحوهم أكثر والتركيز عليهم ودراسة أوضاعهم بجديّة والعمل على إيجاد فرص العمل المناسبة لهم، فمن غير المعقول أن يفني الشاب سنوات طويلة في التحصيل العلمي ليجد نفسه أنه فعل ذلك للوصول بالنهاية إلى نتيجة خاوية غير قادر من خلالها أن يحظى بحياة كريمة، بل يبقى مثلما كان طفلاً أو يافعاً، مجرّد عالة على أهله ومجتمعه، في حين يمتلك من الإمكانيات والقدرات المعرفية والعقلية ليفعل الكثير.

إنها حالة مأساوية بكل المقاييس، مئات آلاف الشباب الضائع والتائه في دهاليز الحياة، وكل الأبواب مغلقة في وجهه، فلا أمل ولا آفاق واضحة، ومن غير المستبعد أن الحكومة لا ترى غضاضة في ذلك، ليس لأنها غير مهتمة بواقع أبنائها، وإنما لأنها لا تعرف شيئاً عنهم ولا عن أوضاعهم ولا إمكاناتهم وقدراتهم ولا أعدادهم، وربما هذا ما يدفعها إلى استسهال الوضع واعتباره أمراً عادياً ليس ذا شأن كبير.

هذه بحدّ ذاتها مشكلة ناجمة عن التعتيم على هذا الواقع الخطير، سواء أكان مقصوداً أم غير مقصود، ولو أن الأرقام الكاشفة متوفرة وتُضيء بوضوح على هذا الواقع الصعب لجرت تحركات حكومية مختلفة على الأرجح ساهمت بالتخفيف من وطأة هذه الحال على الأقل.

إننا لا نرى أي معجزة، ولا حتى صعوبة في هذا العصر الرقمي – حتى في ظل العقوبات والحصار – أن تقوم إحدى الجهات المعنية كوزارة التنمية الإدارية، أو المكتب المركزي للإحصاء بإقامة قاعدة بيانات يمكن من خلالها معرفة عدد الشباب العاطلين عن العمل واختصاصاتهم ومستواهم التعليمي وأعمارهم وأماكن توزعهم، وما إلى ذلك من المعلومات التي تضع الحكومة أمام الصورة الحقيقية لهذا المشهد كي تراه كما هو.. لا كما تتوقع، ويمكن بعدها السير بخطا واثقة نحو إيجاد فرصٍ معينة لهم تلائم اختصاصاتهم.

إن توفّر قاعدة بيانات كهذه قد تُحرّض الحكومة بأكثر من اتجاه نحو إيجاد الحلول، أما مع غياب هذه القاعدة، وغياب المعرفة حول هذا الوضع معها فستبقى مشكلة هؤلاء الشباب – كما هي حالياً – من المنسيات المؤجلة لتزداد العواقب رداءةً يوماً بعد يوم..

صحيفة الثورة – زاوية ( على الملأ ) 11 نيسان / ابريل 2021 م