جديد 4E

حديث السهارى

سهيل خليل

أحب الشتاء ، أحب أن أجلس قريباً من مدفأة تعمل على الحطب وأن أسمع قرمة الحطب المحترق وألسنة اللهب تخرج من العيدان المحترقة وأحب أن أسمع غطاء ابريق الشاي وهو يعلو ويهبط ، أحب أن أضع عدة حبات من البطاطا وعدة بيضات فليس هناك ما هو أشهى من رائحة البيض المشوي ، وجميل أن يضع المرء عدة بصلات بلدية من ذلك البصل الأزرق ، كانت أمي تضع المقلي الفخاري وفيه الحمص والحنطة البلدية، ثم تقوم بقلي كمية من البصل فوق المقلي فتبقى في البيت رائحة تظل طويلاً في انوفنا . وكانت تخبز لنا الترموسة .. التي لا يعرفها جيل السيريلاك ، نتحلق حول الموقد والمقلي وكل منا يحمل خاشوقته الخشبية ويبدأ العراك مع محتويات المقلي ورائحة الزبدة البلدية تفوح كالعطر ، ننتهي من العشاء ونتمدد قريباً من الموقد وتضيف أمي قرامي من الزيتون فيزداد المكان ألقاً وبهاء ولا بد من فرد كمية من الفستق حول الموقد ، ويأتي بعض السهارى يتحدثون عن الفلاحة والصيد ، وطبعاً الأحاديث محشوة بالمبالغات فحديث الصيد نصفه حقيقة والنصف الباقي من الخيال ، ويأتي جارنا ابو ونوس بسلة مملوءة بالحنبلاس ، وهو من فواكه الشتاء الرائعة ويقسم أن الوادي لا يزال مترعاً بالثمار البيضاء وقد رأى الطيور كيف تأكل تلك الثمار . وكان البري لا يقطف إلا الثمار البيضاء أما البرية فللطيور . و أقسم أنه رأى ضبعاً بحجم العجل الصغير ولكن بارودته لم تكن معه ولو كانت لكان الضبع تحت أقدامنا الآن فقاطعه أحد السهارى قائلاً ربما كان الذي رأيته ثعلباً ، فيضحك أبو ونوس قائلاً إن ذلك كان ضبعاً حقيقياً ، وسيأتي به ذات يوم ، ويتشعب الحديث عن الضباع والثعالب ، وأقسم أحد السهارى أنه رأى ذات شتاء نمراً فلم يصدقه أحد .. ويمر الليل سريعاً وتغفو النار في حضن الموقدة .