جديد 4E

زياد غصن يكتب للسلطة الرابعة : هل نحن فقراء ..؟ الموارد والثروات العامة تتعرض لهدر وفساد كبيرين..

هل نحن فقراء؟

زياد غصن

وفق المتعارف عليه دولياً، فإن عتبة خط الفقر تبدأ عندما يكون دخل الفرد أقل من دولارين في اليوم الواحد.

محلياً ليست هناك حالياً تقديرات بالليرة السورية يمكن الاستناد إليها في تحديد عتبة خط الفقر على المستوى الوطني، وتالياً قياس ظاهرة الفقر بشكل مستمر بناء على مؤشرات متغيرة كالتضخم ومتوسط الأجور والرواتب وغيرها.

لكن هناك فكرة أخرى أرغب بمناقشتها في هذه الزاوية، وتتعلق بتقييم السوريين لأنفسهم لناحية الفقر، ونظرتهم إلى البيانات والأرقام المنشورة والمتعلقة بعدد من هم بحاجة إلى المساعدة والدعم لتأمين احتياجاتهم اليومية.

الواقع يقول: إن نظرتنا كسوريين إلى الفقر تختلف كثيراً عن الأبعاد والمضامين التي يبنى عليها المعيار العالمي لخط الفقر، وهذا سببه ليس وجود تباين وطني في قياس مستوى معدل الفقر، وإنما نتيجة لعاملين اثنين أسهما في تشكيل صورة مختلفة للفقر في أذهاننا:

العامل الأول ويتعلق بسياسة التأقلم التي اعتاد عليها السوريون منذ فترة طويلة، وزادت أهميتها مع التدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية وتأثيراتها العميقة على السواد الأعظم من السوريين. وهي سياسة جعلت جلّ طموح هؤلاء ألا يزداد الوضع سوءاً. لكنها سياسة أصبحت عقيمة مع استمرار التدهور المذكور.

العامل الثاني يتمثل في الصورة الذهنية المترسخة في مخيلة شريحة معينة من السوريين، والتي تساوي بين الفقر بمختلف أشكاله، وبين الجوع الذي تجسده الصور المرعبة التي تتداولها وسائل الإعلام للأطفال الذين حولهم الجوع إلى مجرد هياكل عظيمة في كل من اليمن، الصومال، السودان، ودول أفريقية أخرى.

وقد يكون السبب في كل ذلك لدى شريحة ليست بالقليلة من المجتمع السوري، يعود أيضاً إلى حالة الصبر المتأتية من خلفية دينية…

ولهذا عندما يقرأ البعض منا خبراً مفاده إن 90% من السوريين باتوا في دائرة الفقر، إما أنه يشكك بصحة هذه النسبة وموضوعيتها، أو أنه يعتبر نفسه خارج هذه النسبة، حتى لو كانت مائدة طعام أسرته لا تعرف اللحوم والفواكه إلا في المناسبات، أو مرة كل عدة أشهر، أو أنه قد لا تتوفر في منزله مستلزمات الحياة الأساسية…!

وبقناعتي فإن ذلك ما يجعل السوريين من أقل شعوب العالم هدراً للطعام، وأكثرها استثماراً للموارد والأشياء الذاتية على قلتها لدى كل أسرة، وهذا على خلاف الموارد والثروات العامة التي تتعرض لهدر وفساد كبيرين.

لكن عملياً… نحن فعلاً فقراء… وفقراء جداً بدليل:

-إننا محرمون اليوم من الحصول على كثير من السلع والمواد الأساسية الغذائية وغير الغذائية.

-إن متوسط الرواتب والأجور حالياً هو أقل من دولارين يومياً بحسب سعر الصرف المحدد من قبل المصرف المركزي.

-إن المؤشرات الصحية المتعلقة بوفيات الأطفال والأمهات زادت عما كانت عليه قبل الأزمة.

-إن نسبة التسرب من المدارس ارتفعت إلى مستويات خطيرة مقارنة بسنوات ما قبل العام 2011.

-إن الوصول إلى الخدمات العامة لم يعد متاحاً بالشكل المطلوب.

-إن هناك أسراً بلغت عتبة الجوع جراء عدم قدرتها على تأمين وجبة غذاء واحدة في اليوم لأفرادها.

على أي حال… ما أود قوله:

مجتمع لديه مثل هذه القناعة والقدرة على التأقلم، يسهل على الحكومات في مثل هذه الظروف وبقليل من الجهد والعمل الجاد كسب رضاه وتلبية طموحاته البسيطة، وإن كان يستحق الكثير لصبر أفراده وإصرارهم على الحياة والعمل طيلة سنوات كانت كارثية ومدمرة.