جديد 4E

همُّ المهرّب أن يُهرب .. وليكن ما يكون .. ! التهريب .. هكذا يخفض قيمة الليرة .. وهكذا يضرب الصناعة الوطنية .. وهكذا يكون آفةً بامتياز

علي محمود جديد

ليس لنا أن نفرح كثيراً – نحن المستهلكين – عندما نعثر على سلعة مهرّبة رخيصة الثمن، فصحيح أن كلفتها تبدو قليلة للوهلة الأولى قياساً بنظيراتها التي في السوق، ولكن هذه القلة في التكلفة التي حظينا بها هنا .. سرعان ما نضعها أضعافاً مضاعفة في مكانٍ آخر بسبب التهريب نفسه الذي يوهمنا بتكاليفه المنخفضة .

فالتهريب له آثار سلبية كبيرة، وارتدادات خطيرة وعكسية تنسلُّ إلى حياتنا تسللاً كالنعاس، لا نشعر به إلاّ وقد تملكنا، ومن أبرز هذه الآثار والارتدادات :

ارتفاع سعر الصرف

بمجرد ما نشط التهريب في أي بلاد، سرعان ما يزداد الطلب على القطع الأجنبي على حساب العملة المحلية، وهذا ما يحصل عندنا، حيث ارتفع سعر الدولار ومختلف العملات من القطع الأجنبي القابل للتحويل، وقابله من الطرف الآخر انخفاضاً ملحوظاً في قيمة الليرة السورية، لأنّ المهرّب سيدفع ثمن السلع التي يشتريها من الخارج بالقطع الأجنبي قبل أن يُدخلها تهريباً إلى البلاد، وبالتالي من الطبيعي أن يحتاج هذا المهرّب دائماً إلى القطع الأجنبي عند كل صفقة يأتي بها، والصفقات – ما شاء الله – تبدأ ولا تنتهي .. واحدة تلو الأخرى، وبلا توقّف..!

والسؤال هنا : من أين سيأتي المهرب بأثمان تلك السلع المهربة، والتي تكون عبارة عن عملات أجنبية قابلة للتحويل ..؟! والجواب التلقائي الذي نعرفه جميعاً هو أنّ المهرب سيبحث عن الدولار ومختلف العملات الأجنبية في دهاليز السوق السوداء، ليتمكن من تمويل صفقاته، وباعتبار أن نشاط التهريب عند هؤلاء المهربين حيوي جداً ولا يتوقف يومياً فإنهم سيحتاجون إلى كميات كبيرة من القطع الأجنبي التي سيجدها في السوق السوداء حصراً، وبالتالي فإن عملية تدبير هذه الكميات الكبيرة ستخلق زيادة في الطلب على القطع، وهذا سيؤدي بمقتضى الحال إلى زيادة سعره، شأنه في ذلك شأن أي سلعة عندما يزداد الطلب عليها، والقطع الأجنبي هو في الحقيقة سلعة، خاضعة لقانون العرض والطلب.

زيادة السعر هذه للقطع الأجنبي، التي تفرضها أنشطة المهربين تحتاج إلى تمويل بالليرة السورية، وبالتالي سيقوم المهرب بزيادة عرض الليرة، لقاء تأمين احتياجاته من القطع، فيرتفع سعر القطع ( لطلبه ) وينخفض سعر الليرة ( لعرضها ) والمهرّب همّه أن يُهرّب، ولذلك مهما ارتفع سعر القطع فإنه سوف يشتريه لمتابعة عمليات التهريب، وسوف يبذل كل ما تطلبه السوق السوداء من أثمان قطعها بالليرة السورية، التي يقدمها المهرب بعروض كبيرة فتنخفض قيمتها أمام القطع بسبب زيادة سعره، وهذا يؤدي بشكل تلقائي إلى انخفاض قيمة الليرة، وبالتالي إلى زيادة أسعار السلع في أسواقنا الداخلية.

ولذلك فإن شعورنا بالسرور من خفض أسعار المهربات، سرعان ما سوف يقابله شعور معاكس أشد من الإزعاج والإحباط عند شرائنا احتياجاتنا الأخرى من السوق المحلية بسبب ارتفاع أسعارها، فالذي نربحه من شراء المادة المهربة .. نخسره فوراً عند شراء احتياجاتنا العادية من السوق المحلية نتيجة ارتفاع الأسعار.

يا جماعة في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان سعر أفخم نوع من أنواع الجوز – مثلاً – بقيمة / 7000 / ليرة، اليوم تصل قيمة سعر الجوز العادي إلى / 17 / و / 20 / ألف ليرة ..!! أي أن سعر الجوز ارتفع وحده إلى حدود ( 120 % ) عن العام الماضي، إذن نحن – وفي أبسط النتائج – أمام عامٍ بلا مكدوس على الأرجح ..! فتخيلوا ..! وهذا كله كرمى عيون المهربين الذين يضحكون علينا وعلى البلد .. !.

ضرب الصناعة الوطنية

إن كل مادة يقوم المهربون بتهريبها وطرحها في الأسواق المحلية، فإنها تؤثّر وتضرب كل منتجات الصناعات الوطنية المشابهة لها، لأنها تضعها في دائرة من المنافسة غير العادلة، وغير الشريفة، لأن المهرب يكون أقدر على طرح هذه السلعة أو تلك بأسعارٍ منخفضة، باعتباره تهرّب من الرسوم المستحقة للدولة ولخزينتها، فيصير قادراً على

التكيّف بهذا الهامش على شكل خفضٍ في الأسعار، وهذا أمر لا يستطيع الصناعي الوطني أن يجاريه عملياً باعتباره يبقى ملتزماً بمختلف الضرائب والرسوم المستحقة التي يتهرب منها المهربون، فتصير تلك الضرائب والرسوم وكأنها عبء على الصناعي، فهو إما سيتجاهلها ويبيع بخسارة، وإما أنه لن يكون قادراً على المنافسة الشريفة، وهما خياران أحلاهما مر، فيفضل عندها أن يُخفّض من إنتاجه في أحسن الأحوال، إن لم يصل إلى مرحلة الإغلاق.

أخيـــــــراً

آثار وارتدادات أخرى خطيرة للتهريب سنتناولها في مواد صحفية لاحقة .. وكلها أخطر من بعضها، ولذلك سنكون إلى آخر المطاف مع كل الجهات التي تعمل بإخلاص من أجل مكافحة هذا التهريب الذي يليق به توصيف ( الآفة ) وبامتياز. 

( سيريا ستيبس )