جديد 4E

الالتزام اللبناني بالعقوبات على سورية هو حبل مشنقة للبنان .. فلمن تكون الهزيمة ..؟!

إعداد : السلطة الرابعة – علي محمود جديد

على الرغم من أنّ تورّط لبنان بالانصياع لإرادة الإدارة الأمريكية في تطبيق قانون قيصر الإجرامي على سورية، سينعكس سلباً وبشكلٍ كبير على الحياة الاقتصادية اللبنانية، فضلاً عن كونه يعطي صورة سيئة للعلاقة بين دولتين جارتين، وعلى أساس شقيقتين، ولكن وعلى الرغم من شدّة وضوح منعكسات التطبيق على لبنان، فقد بدأت الأصوات اللبنانية المناهضة للمقاومة – كما العادة – بالدفع باتجاه قيام لبنان بالتطبيق، في حين أن قوى المقاومة ما تزال بحالة انتظار وترقب لما ستنتهجه الحكومة اللبنانية حيال هذا الأمر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قوى المقاومة لا تعارض تطبيق قانون قيصر الأمريكي على سورية فقط، وإنما تحثُّ بقوة على ترسيخ العلاقات مع سورية، ولاسيما الاقتصادية منها.

قيصر .. مشنقة للبنان

تتحدث السفيرة الأميركية ويردد كلامها رهط من الأبواق السياسية والإعلامية عن خطورة عدم التزام لبنان بقانون العقوبات الأميركي الجديد على سورية لكن أحداً لا يتحدث عن خطورة هذا الالتزام – تقول صحيفة البناء اللبنانية – وأضافت : إن التزام العقوبات على سورية يعني لبنانياً وقف حصول لبنان على ما تزوّده به سورية من كهرباء ووقف تصدير الفواكه، خصوصاً الموز الذي ينتظر مزارعوه مواسمهم للبيع الى سوق وحيد هو سورية وإغلاق باب الأمل أمام أي تجارة ترانزيت عبر لبنان إلى العراق ودول الخليج.

البضائع اللبنانية الزراعية والصناعية التي كانت تجد أسواقها في الخليج والعراق تمر عبر سورية والتزام العقوبات يستدعي وقفها.

في زمن ارتفاع سعر صرف الدولار تشكل الأسعار المنخفضة للكثير من السلع السورية فرصة للمستهلك اللبناني.

في ظل تشكيل فاتورة النفط ثلث مستوردات لبنان يشكل استجرار النفط العراقي عبر سورية وأنبوب كركوك طرابلس حبل نجاة للبنان.

الالتزام اللبناني بالعقوبات على سورية هو حبل مشنقة للبنان والانفتاح على سورية حبل نجاة، وعلى الأميركي طالما يفرض العقوبات لحسابات تخصه ولا تخص لبنان إما أن يستثني لبنان منها طالما لا بدائل متاحة لها أو أن يدفع للبنان قيمة الخسائر التي ستصيبه جراء هذه العقوبات.

هذا هو سلوك الدول ذات السيادة فهل هناك من يجرؤ؟

 

متناقضات

تابعنا ما قاله السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله منذ أيام حين دعا إلى ترتيب العلاقات مع سوريا، وقال بأنها حاجة اقتصادية للبنان، خاصة وأن لبنان أمام أزمة اقتصادية، وقال بأن ترتيب العلاقات مع سوريا يمكن ان يفتح ابواباً اقتصادية للبنان وقناعاتنا في صندوق النقد الدولي معروفة لكننا لا نريد تعقيد الأمور على الحكومة.

وأكد السيد نصر الله بأن سوريا جاهزة لإعادة ترتيب العلاقة مع لبنان الذي يتحمل مسؤولية التأخير والمماطلة في ذلك.

وفي حين كان وزير الزراعة والثقافة اللبناني السيد عباس مرتضى قد أشار في وقت سابق إلى أن العلاقة الطبيعية مع سوريا تعود بالفائدة على الشعبين عموماً والمزارعين خصوصاً ونطالب بعودة سريعة للعلاقات، كان سمير جعجع يروّج بأن أي علاقات مع سورية ستكلف لبنان مئة ضعف أي شيء ممكن أن نحصّله منها وهذه العملية ستكون مكلفة جداً على الشعب اللبناني وستزيد المصائب.

وعلى هذا المنوال يمكن أن نجد الكثير من التصريحات في الأوساط اللبنانية المتناقضة، ويمكننا أن نقيس ببساطة صحة الموقف من خلال ما يريده سمير جعجع فهو في الحقيقة من أهم الشخصيات التي تريد السير بلبنان نحو الهاوية.

 

النأي بالنأي ..!

من جهتها صحيفة الأخبار اللبنانية أشارت إلى أنّه وفي خطوة مُستغربة وخطيرة، تولّت تنفيذها وزيرة الدفاع زينة عكر، وُزّع قانون «قيصر» على الوزراء في جلسة الحكومة الأخيرة لـ«الاطلاع عليه». فهل من نية لتحويل القانون الأميركي إلى مرسوم لبناني، للمشاركة في حصار سوريا امتثالاً للأوامر الأميركية؟

يضع الرئيس حسان دياب كل أسلافه في «جيبتِه» الصغيرة. يداهُ ممدودتان للبصمْ على كلّ ما يُمليه دفتر الشروط الدولي. الأمثلة وافِرة، دشْنتها قضية العميل عامر الفاخوري وتهريبه من لبنان، بالتعاون مع حكومة دياب، التي شكرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً على ذلِك، من دون أن يخرج منها تعليق واحد على الشكر. ومهما كان دور الحكومة في قضية الفاخوري، لم يُعد مِن مجال للشكّ في أنّ لواشنطن «جماعتها الضاغطة» داخِل مجلس الوزراء. وهذه الجماعة التي تعمَل حالياً على خياطة خطط اقتصادية – مالية وفقَ المواصفات الدولية المطلوبة، لم يعُد «تورّطها» محصوراً بملف عميل أو خطط «إصلاحية». فقد قرّرت هذه الجماعة طيّ مبدأ النأي بالنفس، واستبداله بسخاء النفس مع الأميركيين إلى درجة أنها تُريد أن تقتاد لبنان إلى صفّهم في حصارِهم لسوريا، بالامتثال لأوامرهم وتبنّي قانون «قيصر» الخاص بالعقوبات الشديدة على سوريا!

الأخبار اللبنانية في مقال لـ ( ميسم رزق ) نُشر يوم أمس الاثنين 1 حزيران 2020 / تابعت تقول : فيوم الجمعة الماضي، وفي جلسة مجلِس الوزراء، حطّ على طاولة الحكومة بند «غريب» من خارِج جدول الأعمال. مجموعة أوراق وزّعتها نائبة رئيس الحكومة، وزيرة الدفاع زينة عكر على زملائها، تتضمّن الترجمة العربية لنصّ «قانون قيصَر» الأميركي، طالبةً منهم «الاطلاع عليه»، لأن «على الحكومة أن تُناقشه في وقتٍ لاحِق». وقالت عكر، بحسب ما نقل عنها زملاؤها: «في محادثاتي مع السفيرة الأميركية، أبلغتني أنهم جادون في تطبيق القانون، وكل من يتعامل مع سوريا سيكون عرضة للعقوبات. وأنا أود أن تطّلعوا على القانون لأن بعض الوزارات اللبنانية تتعامل مع نظيراتها السورية. ونحن في مفاوضات مع صندوق النقد، ويجب أن نكون حذرين لكي لا نتعرّض لعقوبات تؤثر سلباً على المفاوضات». وقبلَ الجلسة، تحدّثت عكر إلى زميلها وزير الصناعة عماد حب الله في الأمر، متسائلة: «ماذا علينا أن نفعل؟ الأميركيون بدأوا جس النبض». وهذا الحديث سبقه أيضاً نقاش بين عكر ورئيس الحكومة، الذي بدوره وصلته «الأوامِر»، فقرّر أن يكون القانون مادة للتداول بين الوزراء لاتخاذ قرار مشترك، وخاصّة أن للبنان مِن هذا القانون حصّة وازِنة. وبحسب ما علمت «الأخبار»، اتفق دياب وعكر على إطلاع الوزراء على القانون، لدراسته. هكذا، يتحوّل قانون أميركي إلى ورقة رسمية من أوراق الدولة اللبنانية، يُناقشه مجلس الوزراء، لا من أجل اتخاذ موقف سياسي منه، بل كمادة قانونية كما لو ان مجلس النواب اللبناني أصدره. وهنا لا بد من طرح أكثر من سؤال:

هل وصَلت إلى لبنان مراسلة رسمية من السفارة الأميركية أو الإدارة الأميركية تطلُب من الحكومة اللبنانية تطبيق القانون؟ أم أن بعض من هم في الحكومة قرّروا الردّ على الدعوات المُتتالية للانفتاح على سوريا، رئة لبنان الاقتصادية، برفع ورقة العقوبات وتركيع البلاد؟

من داخِل الحكومة، ينقل أكثر من مصدر وزاري استغرابه لخطوة عكر في الشكل، من دون الدخول في النيّات ( تقول الأخبار اللبنانية ) والأكثر استغراباً، أن هذا القانون الذي لا يعني محاصرة سوريا وحدها، بل محاصرة لبنان أيضاً، يجهله معظَم الوزراء! علماً بأن الحديث عنه يعود لأشهر، وفي متنه تأكيد لـ«استهداف أي شخصيات رسمية وسياسية وحزبية ورجال أعمال تربطهم علاقات تجارية بالنظام السوري». ومع أن النص لم يأتِ على ذكر لبنان حرفياً، إلا أن اللبناني نزار زكا (الذي كانَ موقوفاً في إيران) وهو عضو في فريق «قيصر»، قال منذ أيام لـ«العربية.نت» إن «4 دفعات من العقوبات من ضمن القانون تبدأ اعتباراً من منتصف تموز وتستمر حتى نهاية آب المقبل، وتتضمّن أسماء مسؤولين وشركات خاصة في سوريا ولبنان والعراق وإيران وروسيا»، فيما القانون ينصّ بشكل واضح على تعرّض «كل شركة أو كيان أو حتى أفراد من الداخل السوري أو من أي دولة خارجية للعقوبات إذا ما دخلوا في علاقات تجارية مع النظام أو قدّموا الدعم العسكري والمالي والتقني».

 

تتجه الحكومة إلى طيّ مبدأ النأي بالنفس واستبداله بالرضى الأميركي

ورأت صحيفة الأخبار اللبنانية بأن الحركة السياسية باتجاه تحويل قانون الحصار على سوريا إلى «مرسوم حكومي» لم تبدأ بخطوة وزيرة الدفاع، بل بتحريك ملف التهريب وضبط الحدود، والذي توسّعت أطره من قبل الفريق الذي يدور في فلك المحور المُعادي للمقاومة إلى حدّ المناداة بتطبيق القرار ١٧٠١ على الحدود مع سوريا بحجة «سد مزاريب الفساد»، علماً بأن المقصود به إطباق الخناق على سوريا والمشاركة في تجويع الشعب السوري، كما تقول مصادِر سياسية رفيعة المستوى في فريق 8 آذار. وتضيف المصادر أن خطوة عكر – دياب تثير استغراب بعض القوى السياسية المشاركة في الحكومة. حتى الآن «ليسَ هناك من قرار نهائي لكيفية مواجهة هذا الأمر من داخِل الحكومة، بانتظار تكشّف ما هو المقصود منها». يفضّل فريق 8 آذار التعامل معها، بحسن نيّة، من باب التنبيه وأخذ العلم، وخاصّة أن مؤسسات كثيرة وعدداً من الوزارات لديها خطّ مفتوح وتعاملات مع سوريا. أما «إذا اتضح أن الحكومة ذاهبة في اتجاه تبنّي القانون وتطبيقه وإلزام الدولة اللبنانية به، فحينها سيكون هناك كلامٌ آخر ونبرة أعلى، خاصة أن هذا القانون ليسَ الأول من نوعه، ولم تذهَب أي حكومة لبنانية سابقاً إلى الالتزام بمثل هكذا قوانين». يبقى اللافِت من بين كل ذلِك أن دياب قرر مناقشة الأمر «بتأليف لجنة من اختصاصيين لتحديد مفاعيل هذا القانون على لبنان».

في جميع الأحوال – تقول الصحيفة – يبدو أن الولايات المُتحدة الأميركية قرّرت التحرك على الجبهات كافة، في وقت واحد، ضد المقاومة. فإضافة إلى ما جرى داخِل الحكومة، بدأت الأصوات على الأرض ترتِفع في السياق ذاِته. وهو ما حصل في التظاهرة الأخيرة أمام قصر العدل في بيروت تحت عنوان «لا للدويلة داخل الدولة ولا للسلاح غير الشرعي»، وتخلّلتها دعوات إلى الأمم المتحدة للعمل على تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701 في ما خص نزع سلاح «الميليشيات» وترسيم الحدود مع سوريا تحت الفصل السابع، مع تأكيد «رفض الاحتلال الإيراني ووجود بندقية خارج الجيش اللبناني وترْك قرار الحرب والسلم بيد مجموعة تأتمر بأجندة إيرانية». فهل كانَت كلمة السرّ في حديث مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، في مقابلته مع تلفزيون «فرانس ٢٤»، حينَ قال منذُ أيام إننا «ننتظر كي نرى مدى التزام الحكومة بالإصلاحات، وتنفيذها بالفعل، عندها نرى موقفنا من دعم لبنان في ما يتعلق بملفها في صندوق النقد الدولي»؟ وهل يقصُد شينكر بالإصلاحات تنفيذ القرارات الدولية والقوانين الأميركية؟ المطلوب من رئيس الحكومة ونائبته الإجابة.

هزيمة جديدة

هكذا تبدو الأجواء اللبنانية حالياً تجاه الموقف من تورط لبنان بتنفيذ قانون قيصر الأمريكي ضد سورية، ونحن نعتقد – في السلطة الرابعة – أنه مهما اشتدّ النقاش والحوار بين الفريقين اللبنانيين فإن حظّ اللبنانيين المناهضين للمقاومة يبقى ضعيفاً جداً، لأنهم يبنون مواقفهم دائما على الارتهان للأمريكان وللغرب وأذنابه – وهم منهم – وهذا ما لن تدعه المقاومة وحلفاؤها يمرّ، فتجارب التاريخ ناصعة، وقانون قيصر هو بالنهاية حرب أخرى على محور المقاومة، وواضح لأكثر الناس سذاجةً بأن المقاومة هي هدفه الأساسي والنهائي، ولذلك فالنتيجة بطبيعة الحال لن تكون أكثر من إضافة هزيمة جديدة إلى هزائم أعداء المقاومة.