جديد 4E

من أجل مستقبل اقتصادي واعد بهوية غير مستعارة منفتح عالميا يحاكي قواه الكامنة ورغبات المجتمع والمستثمرين

أولويات اقتصادية

كتبه – الدكتور عامر خربوطلي:

في مرحلة هي الأهم والأصعب والأدق في تاريخ الاقتصاد السوري الحديث مع انبثاق فجر سورية الحرَّة الأبيّة لابد من وضع قراءة جديدة لمستقبل سورية الاقتصادي تتضمن مجموعة أولويات اقتصادية في المرحلة الحالية تكون أساس لمستقبل اقتصادي واعد.
بدايةً الاقتصاد السوري ورغم تعدد موارده وتنوع مساهمات قطاعاته الزراعية والصناعية والتجارية إلا أن تراجع ناتجه المحلي إلى ما بين (8-10) مليار دولار في حين كان يجب أن لا يقل عن (160) مليار دولار جعله في وضع كارثي غير محمود ولا يمكن معالجة هذا الضعف والتراجع إلا من خلال بداية جديدة تعتمد قواعد اقتصاد السوق التنافسي التنموي المعتمد على المرور الانسيابي للمبادرة الفردية وتعظيم القيم المضافة للقطاعات الرئيسية وهي مهمة ولو بدت صعبة ولكنها قابلة للتنفيذ وتحقق الاختراق التنموي المطلوب وإحداث فارق تنموي/ إيرادي/ معيشي/ اجتماعي/ سريع في المرحلة القصيرة المقبلة على الأقل.
كثيرة هي الدراسات التي تم إعدادها سابقاً لهذه المرحلة بالتحديد وفي مقدمتها الأجندة الوطنية لمستقبل سورية التي شاركت في جانبها الاقتصادي/ التجاري مع مجموعة كبيرة من المختصين والخبراء من خلال اللجنة الاقتصادية/ الاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) التابعة للأمم المتحددة، إلا أن هذه الدراسات وتسارع الأحداث التي تجازوت العديد من محاورها يستدعي إعادة ترتيب الأولويات على نحو يلبي أولاً حاجة المواطن السوري من تحسين دخله وتعزيز معيشتة وتسهيل وصوله للخدمات الأساسية وتحسين الاستفادة من بنية تحتية لائقة ومتطورة
الأولويات المقترحة تعتمد أساساً على بنية الاقتصاد السوري وهويته الحقيقية غير المستعارة وغير الأصلية ونموذج تنموي محلي منفتح عالمياً يحاكي قواه الكامنة ورغبات مجتمعه وتفضيلات مستثمرية الوطنيين….
1-إعادة الاعتبار للاقتصاد الزراعي داعم التنمية والمشغل الأكبر للأيدي العاملة والضامن للأمن الغذائي وتحرير الزراعة من القوانين المعيقة وفي مقدمتها قانون العلاقات الزراعية وحرية الاستثمار الزراعي وفق متطلبات الأسواق المحلية والخارجية.
2-تأمين متطلبات الزراعة التي تشكل 28% من الناتج المحلي السوري من مواد وآلات وتمويلات لاستقطاب الفئة الشابة وبخاصة الخزان البشري المتحرر من قيود الخدمة العسكرية عبر تأسيس مشروعات زراعية نباتية وحيوانية سريعة المردود وقليلة الفاقد.
3-البدء الفوري بإعادة الاعتبار لتصنيع المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية عبر وحدات إنتاجية صغيرة ومتوسطة في المناطق والقرى والاستفادة من الوفورات في تحقيق قيم مضافة عالية على مستوى التسويق المحلي والخارجي.
4-الصناعة وهي ثاني قطاعات الناتج السوري وبمشاركة تقارب 28% تحتاج لإجراءات فورية عاجلة تبدأ من تأمين الطاقة ومستلزمات الإنتاج وصولاً إلى تحقيق وفورات وقيم مضافة جديدة داخلية وخارجية والتركيز على صناعات الميزات التنافسية وإلغاء صناعة بدائل المستوردات غير المجدية اقتصادياً.
5-إطلاق برامج لإعادة بناء وتطوير البنى التحتية المتهالكة عبر شركات مساهمة محلية وعربية وأجنبية وعبر اتفاقات شراكة طويلة الأمد.
6-ضمان حرية عمليات الاستيراد والتصدير للسلع والخدمات المطلوبة محلياً وخارجياً والسماح بجميع أساليب التمويل المعتمدة عالمياً دون تقييد اًو تفصيلات لا طائل منها.
7-اعتماد قوانين العرض والطلب وتوازن الأسواق عبر خلق أسواق محلية تنافسية تضغط باستمرار لتخفيض الأسعار دون الحاجة لقرارات وتكليفات وإجراءات عديمة الجدوى.
8-الاستفادة من تجارة الترانزيت عبر اعتماد سورية كبلد ممر رئيسي بين دول الجوار والخليج وأوروبا وعبر تركيا مما يعيد الاعتبار لموارد مالية غاية في الأهمية للاقتصاد السوري.
9-إعادة الاعتبار للمناطق الحرة بمفهوم جديد وإجراءات جديدة تجعلها وفي وقت سريع على خارطة المناطق الحرّة الكبرى في العالم بما يحمله ذلك من موارد عبر إعادة التصدير والإدخال المؤقت بقصد التصنيع وإعادة التصدير.
10-التركيز على السياسة النقدية والمالية التي يجب بأن يلعبها البنك المركزي في ضمان استقرار أسعار الصرف والتحرير التدريجي لقيمة العملة والعمل على بناء احتياطي جديد يدعم قوة العملة.
11-معالجة فورية لثلاثية (الفقر والتضخم والبطالة) التي طالت الجزء الأكبر من شرائح المجتمع السوري وقضت على الطبقة الوسطى التي تعتبر (محرك التنمية والضامن الاجتماعي) في أي بلد.
وهذا ما يتطلب العمل الفوري لتخفيض الضرائب والرسوم ما أمكن لزيادة الإنفاق والاستهلاك الذي يدعم العملية الاستثمارية والتوجه نحو إطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى لاستقطاب الأيدي العاملة وتحريك مدخرات الأفراد نحو تأسيس شركات مساهمة.
12-ردم فجوة الدخل ونفقات المعيشة التي تجاوزت حدود التصور عبر اتخاذ خطوات تنفيذية من مثل اعتماد مؤشر وطني لأسعار المستهلك، يتم من خلاله رفع الأجور والرواتب بصورة شهرية حسب ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع والخدمات الرئيسية، بالإضافة لضمان حالة من المنافسة الكاملة للأسواق لتخفيض الأسعار عبر السماح بالدخول والخروج من الأسواق وتوفير معلوماتها للجميع والمنع الكامل للاحتكار وتشجيع الإنتاج المحلي وتفعيل نظام السوق التوازني وإيجاد حل لتلاشي قيمة الرواتب التقاعدية.
13-تفعيل المحركات الذاتية للنمو الاقتصادي التي تستطيع دون تمويل خارجي في الوقت الحالي تغطية جزء من الفجوة التمويلية المطلوبة لإعادة الإعمار من خلال :
-إعادة الاستثمار في رأس المال البشري ومضاعفة إنتاجيته عبر التعليم والتدريب والابتكار والتقانة.
-إرساء قواعد الحوكمة في الشركات والمؤسسات والجمعيات والاتحادات الأهلية/ المدنية.
-تقييم الأثر الاقتصادي للتشريعات والأنظمة والقدرات باتجاه الاستفادة القصوى منها.
-رفع سوية مناخ الاستثمار المحلي وفتحه لجميع الشركات العالمية.
-إعادة هندسة عمليات الإدارة الحكومية لتحقيق نتائج أكبر بتكاليف أقل.
-الإدارة الجيدة لسعر الصرف وفق احتياجات الاقتصاد السوري.
-استقطاب التحويلات الخارجية بكفاءة وعدالة وفاعلية.
14-معالجة فجوة الموارد والإنفاق الحكومي الذي جعل الموازنة العامة فيما سبق في حالة عجز مستمر انعكس تضخماً جامحاً غير مسبوق وارتفاعاً في الأسعار ولا بد من اتخاذ خطوات في اتجاهين:
الأول:إعادة هيكلة القطاع الحكومي والعام وتخفيض الورم الوظيفي غير المبرر عبر النقل لجهات إنتاجية فعّالة وضبط عمليات الإنفاق الجاري وحالات الفساد والهدر والترهل.
ثانياً: إعادة هيكلة الإيرادات الحكومية من ضرائب ورسوم وموارد من خلال تخفيض الضرائب لدعم وتشجيع الأعمال والمشاريع وبالتالي زيادة المطارح الضريبية لاحقاً، بالإضافة لإنهاء الفساد المالي المنتشر في الدوائر المالية والجمركية والإدارية.
15-إعادة هيكلة القطاع العام الحكومي السابق عبر الإبقاء على الفعّال منه والعمل وفق قواعد الربحية الاقتصادية وإنهاء الاستثمارات الخاسرة وإعادة هيكلتها عبر إنشاء شركات مساهمة تطرح أسهمها للجمهور مع ضرورة إدخال التقانات الحديثة وإلغاء الهدر والفساد وضعف الإنتاجية.
16-إعادة الاعتبار للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة عبر منظومة متكاملة من الدعم المالي والفني والإداري والتسويقي على كامل الخغرافية السورية عبر رؤية مستقبلية واضحة لقطاع يشكل ثلثي القطاع الخاص السوري وتفعيل دور الإدارات المحلية لدعم إجراءات ترخيص هذه المشروعات تخفيفاً لهدر الوقت والتكلفة.
17-الحاجة لإلغاء جميع مراسيم الاستملاك والتنظيم العقاري الجائرة والمخالفة أصلاً للدستور وبخاصة في مناطق(القابون الصناعية) قرب دمشق ودعم عودة أصحابها للعمل والإنتاج ورفد الاقتصاد الوطني بالسلع والخدمات.
18-تشجيع صناديق استثمارية تقليدية وإسلامية لتشغيل فائض الأموال المتاحة لدى الأفراد ضمن مشاريع زراعية وصناعية وعقارية وتجارية لتجنب عمليات الاكتناز والمضاربة لدى الأفراد ومنحها التسهيلات اللازمة.
19-تفعيل بورصة الأسهم السورية عبر دعم إنشاء شركات مساهمة جديدة وتشجيع تحول الشركات المساهمة الخاصة المغلقة إلى مفتوحة وإدراج أسهمها في البورصة والسماح بإدراج أسهم الشركات العربية والأجنبية.
20-إعادة الاعتبار لاقتصاد الخدمات الذي كان يُنظر له بأنه غير منتج للقيم المضافة رغم كونه وعبر جميع أقسامه من (تجارة وتمول وتأمين وشحن ونقل ومعارض واستشارات) يشكل حجر الزاوية لنجاح أي نشاطات إنتاجية مباشرة من زراعة أو صناعة أو حرف.
21-العمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية متعددة الجنسيات كونها الأقدر على الاستفادة من وفورات الحجم الكبير والمورد الرئيسي للتقانة الحديثة والإدارة الكفوءة عبر مؤتمرات اقتصادية كبرى.
22-تحقيق اقتصاد الكثرة وهو عكس ما كان سائداً من اقتصاد القلة الذي أدى لانعدام التنافسية وارتفاع الأسعار في حين إن اقتصاد الكثرة عبر الإنتاج المحلي والمستوردات البديلة والوصول إلى حالة التشغيل الكامل زراعةً وصناعةً وتجارةً.
23-تعزيز القدرات التنافسية المعتمدة أساساً على (الأسعار- الجودة- الإجراءات الحكومية) والتي تحقق إذا اجتمعت معاً أعلى درجات التنافسية للسلع والخدمات محلياً وخارجياً.
ختاماً يمكن القول أن ما ورد في هذا الحديث عناوين لأولويات اقتصادية ملحة وقابلة للتوسع والتفعيل في مراحل زمنية قادمة بإذن الله.

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم /276/

دمشق في ٢٥ كانون الأول ٢٠٢٤م