إذا بقي النظام التعليمي يُخرّج طلاباً يحملون شهادات ولا يملكون معارفها لا يمكننا النهوض بقوة .. وإذا .. وإذا .. وإذا…
التعليم والاقتصاد
كتبه د.عامر خربوطلي:
لا يمكن لأحد أن ينكر العلاقة الوطيدة بين تطور التعليم وارتفاع مستوياته وارتقاء جودته وما بين التطور والتفوق الاقتصادي وهذا ما حققته جميع دول العالم سواء المتطورة أو الناهضة لاحقاً التي كان لجامعاتها ومعاهدها ومدارسها العليا والوسطى الدور الأبرز في هذا التطور.
مراكز البحث العلمي والتخصص في جميع المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية هي التي بنت نماذج ناجحة من التطور الاقتصادي لأنها أثرت على الزراعة فجعلتها في أعلى قيمها والصناعة في أحدث تقاناتها والتجارة في تنوع أساليبها وفي الخدمات الأخرى مختصرة الزمن والكلفة والجهد.
في أواسط التسعينات زار سورية وفد من مركز بحوث اقتصادي ألماني كان رئيسه من أصل عراقي أجابني حينها عن طبيعة عملهم بأنهم يجمعون المعلومات ويحللون المعطيات ويقارنون النتائج ويبنون النماذج ويستخدمون أدوات الاقتصاد الرياضي ويضعون التصورات المستقبلية لاستمرار قوة الاقتصاد الألماني، والباحث فيهم ليس له دوام محدد وهو غير مقيد بإجراءات عمل روتينية، وللفكاهة قال أن الباحث موصد عليه سبعة أبواب حتى لا يصل إليه أحد أي هو متفرغ كلياً للبحث والتعمق والاستنباط والتحليل ولكنه يستطيع الخروج في الوقت الذي يشاء مادام يخدم بحثه.
انتهت القصة.
ما يهمنا قوله أن تطور الاقتصاد السوري رهينة تطور نظامه التعليمي /البحثي /التدريبي ولا يمكن النهوض بقوة إذا بقي النظام التعليمي في جزئه وليس كله طبعاً يُخرج طلاباً يحملون شهادات ولا يملكون معارفها.
وإذا استمر عدم مواكبة مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل، وإذا استمر عمل العديد من خريجي المعاهد والكليات في أعمال لا تمت بصلة لاختصاصاتهم.
وإذا استمر البحث عن وظيفة تقليدية /روتينية هو هم صاحب الشهادة بغض النظر عن اختصاصه.
وإذا استمر غياب مراكز البحوث الاقتصادية عالية المستوى فائقة النتائج، علمية التحليل وعميقة التأثير.
وإذا استمر إغفال التخصصات العلمية الدقيقة التي أصبحت من صفات ثورة التقانات والاتصالات والذكاء الصنعي والبرمجيات والبيانات الكبرى.
وإذا استمر حسابات الكم على حساب النوع والجودة.
وإذا استمر العمل بمناهج التعليم المغلقة والمؤطرة بكتب وأمليات في مواجهة عالم مفتوح من المعلومات المتغيرة والمتجددة.
وإذا استمر أخيراً ضعف دخل كوادر التعليم بجميع مستوياتها مقابل ارتفاع دخل الجهل والظلام.
وإذا استمر ، وإذا استمر……
العلم والتعليم قيمة بحد ذاتها تُضاف إلى معادلة النمو الاقتصادية تتضاعف فيها النتائج.
الاقتصاد مرآة جميع الأنشطة والفعاليات والمبادرات والتعليم أحد أهم أوجهه.
فلننظر إلى المرآة….
العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم /259/
دمشق في 28 آب 2024م