جديد 4E

الجلاء وقيثارة الشعر

 

رشا سلوم:

حين وطأ المستعمر الفرنسي أرض سورية أصيب بالغرور، مع أنه لم يدخلها إلا على جثث الأبطال العزل الذين قاوموه بالصدور العارية.

يوسف العظمة ومن معه ببنادق عادية وبضعة مدافع كانوا الطليعة التي أذهلت العالم بالشجاعة.

صحيح أن المستعمر الفرنسي ربض على أرضنا ستة وعشرين عاماً لكنه لم يستطع لساعة واحدة أن يهنأ أو يستريح..

مقاومة شعبية في كل أرجاء سورية من الساحل إلى الداخل الى الجنوب إلى الشمال.. إلى كل شبر في سورية.. الثورة السورية الكبرى التي امتدت على مساحة الوطن بقيادة سلطان باشا الأطرش..

وكان الكتاب والمبدعون ورجال السياسة في مقدمة من عمل بكل ما يملك من طاقات وقدرات من أجل الوطن.. فارس الخوري والشهبندر  وغيرهم كثيرون..

وحين كان الجلاء صدحت حناجر الشعراء بالروائع  وكتب الروائيون الكثير..

القائمة طويلة، نذكر منهم بدوي الجبل.. بدر الدين الحامد.. عمر ابو ريشة.. محمد البزم .. وفي الرواية نذكر فارس زرزور، وشكيب الجابري.

لقد شكل شعر الجلاء ظاهرة جمالية وإنسانية رائعة، حيث لم يكن الشعر مجرد ردة فعل بل قراءة في مفهوم الحرية والحضارة والثقافة الإنسانية وفضح ممارسات من ادعوا أنهم أتوا ليمنحوا الحريات للآخر، فإذا بهم القيود التي زادت كل معاناة، وكانوا من نهب وسلب وقتل ودمر.

شفيق جبري فضح هذا كله في ملحمته الخالدة (حلم). يقول:

حلمٌ على جـــــنبات الشــــام أم عيــــدُ؟

لا الهمُّ همٌّ ولا التســهيد تسهيدُ

أتكـــــــــذب العينُ والرايـــــاتُ خافــــقةٌ

أم تكذب الأذنُ والدنيـــا أغاريــــد؟

ويـــــــلَ النماريـــــــد لا حــــــسٌّ ولا نبأٌ

ألا ترى ما غدتْ تـــلك النماريــــد؟

كأنَّ كلَّ فـــــــؤاد في جـــــــــلائهــــــمُ

نشوانُ قد لعبتْ فيه العناقيــــــــد

ملءُ العيون دمـــــــــــوعٌ من هــــناءتها

فالدمعُ دُرٌّ على الخدّين منضــــــود

لو جاء «داودُ» والنُّعــــمى تُضاحــــــكنا

لهنّأ الشامَ في المـــــــــزمار داود

على النواقيـــــس أنغــــــامٌ مســــبّحةٌ

وفي المآذن تســــــــــبيحٌ وتحميد

لو يُنشد الدهــــــرُ في أفـــــراحنا ملأتْ

جوانبَ الدهر في البشرى الأناشيد

هـــــــذي بقايـــــــاكِ يا «حِطّينُ» بدّدها

للّه ظلٌّ بأرض الشـــــــام ممدود

ليت العـــــــــــيونَ «صلاحَ الدين» ناظرةٌ

إلى العدوّ الذي ترمي به البيـــــد

اضربْ بعينكَ، هــــــــــــل تلقى له أثراً؟

كأنه شــــــــبحٌ في الليل مطرود

ظنَّ اجتياحَكَ مأموناً فشـــــــــــــــــرّدهُ

حدُّ السيوف وللأســــــياف تشريد

لم يبقَ غُـــــلٌّ على ربــــع تُظـــــــــلّلهُ

تشقى به اليدُ أو يشقى به الجِيد

أضحى رفاتُكَ في أمـــــن وفي دعــــةٍ

سيفُ العدو على الأحقاب مغمود

أين الأعاجمُ؟ ما حلّوا وما رحــــــــــــلوا

كأنهم حُلُم في الفجر مـــــــردود

من كان يحسب أن الشــــــــام يلفظهم

وأن طيفَهمُ في الشــــام مفقود؟

تمكّنوا من جبال الشام واعتصموا

فكل حصنٍ على الأجيال مِرّيد

فما حمتْهم قلاعٌ في مشارفها

ولا أظلّهمُ حشدٌ وتجنيد

أينَ القلاعُ على الأطواد عاتية

وأين منها تهاويلٌ وتهديد؟

أيحسبون قصيفَ الرعد مَرْعبةً؟

قصيفُ رعدهمُ في السمع تغريد…

نعم إنها الفرحة الكبرى وبداية النهضة من أجل استقلال كل الوطن العربي فكانت يد سورية عونا لكل قطر عربي في فلسطين والجزائر ومصر ..

لقد حقق السوريون استقلالهم وانغمسوا في النضال مع أبناء العروبة وتحت شعار : بلاد العرب أوطاني.

صحيفة الثورة – ثقافة – 17 نيسان 2024م