جديد 4E

دقّت ساعة العمل على ما يبدو وبقوة لإسعاف المشروعات الصغيرة .. فكيف نعثر على مفاتيح نجاحها ..؟

 

لغز المشروعات الصغيرة

كتبه د.عامر خربوطلي :

عاد الحديث عن المشروعات الصغيرة بقوة وحماس وفي أعلى مستويات القرار ليؤكد من جديد أهمية هذا النوع من الأعمال في إعادة الانطلاق للاقتصاد السوري.

وخلافاً لما يُروج له في بعض الأوساط أن خيار سورية الاقتصادي في المشاريع الكبيرة والتكتلات الكبرى وأن المشاريع الصغيرة لا تصنع تنمية قوية، يمكن التأكيد مرة ثانية وثالثة ورابعة أن تلك المشروعات هي من نسيج المجتمع السوري وهناك أنواع معينة من الأعمال والورشات والخدمات لا يمكن لها أن تنجح وتستمر إذا لم تكن صغيرة أو متناهية الصغر بعكس المشاريع الاستراتيجية التي يجب أن تكون متوسطة وكبيرة لتحقيق وفورات الحجم الكبير.

في التفصيلات نقول يحدث النمو الاقتصادي من خلال تراكم الاستثمارات الفردية الخاصة والعامة، وتركز معادلة النمو الجديدة على عناصر الاستغلال الأمثل والريعية والتقانة والريادة كعناصر جديدة رديفة لوجود رأس المال، والمشروع المتعثر أو منخفض القيم لا يؤدي لإحداث النمو المطلوب وبالتالي لا يؤدي لزيادة الناتج المحلي وتوزيع عوائده على السكان عبر زيادة الدخل الفردي ومستويات المعيشة.

قطاع المشروعات متناهية الصغر في سورية يشكل حوالي 60% من قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل بدورها حوالي 97% من إجمالي القطاع الخاص السوري والذي يساهم حالياً بحوالي ثلثي الناتج المحلي السوري، وهذا يعني أن قطاع المشروعات متناهية الصغر في حالة نجاح دعمه وتمويله سيساهم بحوالي 35% من الناتج المحلي السوري وهي نسبة مهمة جداً في حال تم ضمان استمرارية ونجاح هذه المشروعات سواءً الزراعية أو الصناعية أو الحرفية أو التجارية والخدمية.

المشكلة في هذا النوع من المشروعات هي غياب التأثير النوعي للدعم وصعوبات التأسيس وممارسة الأعمال وضعف التمويل وتواضع الخدمات المطلوبة لمثل هذه المشروعات المتوزعة على مساحة الجغرافيا السورية رغم أنها الأجدر بمثل هذه الخدمات من المشروعات الكبيرة.

أدى صدور القانون رقم /8/ الذي سمح بإنشاء مصارف التمويل الأصغر اختراقاً كبيراً على صعيد منظومة دعم وتمويل هذه المشروعات ولكنه غير كافي إذا لم يكن هناك نظرة شمولية لآليات الدعم والتشجيع لتتناول جميع مراحل تأسيس مثل هذه المشروعات وممارستها ابتداءً من (الفكرة- الترخيص- التسجيل – حماية الملكية- الضريبة- تسجيل العمال) .

المشروعات الصغيرة كانت موجودة قبل الحرب وأصبحت بعد الأزمة أكثر أهمية وضرورة وبخاصة لتوليد دخل جديد للأسر والأفراد ضعيفي الدخل وهذه المشروعات لا تتعارض مع وجود مشروعات متوسطة وكبيرة تتناول مشاريع استراتيجية وإنتاجية لإعادة الإعمار والتجديد والتكامل يفترض أن يزداد بينهما عبر العناقيد الصناعية والتجارية والخدمية.

القاعدة تقول أنه ليس هناك حاجة لتوزيع الأدوار بل يجب إعطاء المهمة لمن يستطيع أداءها بأكبر قدر من الفاعلية والإنتاجية، ولكل حجم من المشروعات دوره وأهميته على مستوى القطاع أو المنطقة الجغرافية أو الانتشار السكاني والتخطيط الإقليمي أساس مهم في ذلك.

إن توسع القطاع الخاص غير المنظم خلال الأزمة كان نتيجة لظروف الحرب والنزوح أولاً ولكنه أيضاً كان نتيجة صعوبات الترخيص والتسجيل القانوني لمثل هذه المشروعات والشروط التي يتم وضعها لترخيص كل مهنة أو حرفة أو نشاط.

تعاني المشروعات متناهية الصغر والصغيرة من تحديات كبيرة تحد من انطلاقتها وهذا ما نلمسه بمشاركتها التنموية غير الكبيرة حتى الآن.

هناك مجموعة من مفاتيح النجاح لهذه المشروعات على المستوى المحلي لابد من التركيز عليها قبل البدء برسم اللوحة الشمولية لهذا القطاع وتحليل ارتباطاته مع بقية القطاعات والجهات:

  1. الإسراع بوضع استراتيجية لهذا القطاع لتحديد الرؤية المستقبلية ووضع الأهداف متوسطة وطويلة المدى وبدائل السياسات ومن ثم البرامج والمشاريع الداعمة.
  2. تفعيل دور الإدارات المحلية في المدن والبلدات والمحافظات السورية لتكون مركزاً لإجراءات التراخيص والسجلات لجميع المشروعات تسهيلاً للوقت والجهد والتكلفة.
  3. الاستفادة من الانتشار الجغرافي لغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة في /14/ محافظة سورية لتكون مرجعاً استشارياً وتدريبياً ومعلوماتياً لهذه المشروعات في أماكن توضعها (يوجد دراسة مستقلة عن هذا الموضوع).
  4. التركيز في عمليات التمويل على ضمانة الفكرة والجدوى الاقتصادية الحقيقية وتحليل التدفقات النقدية الداخلة للمشروع.
  5. اعتماد معاملة ضريبية داعمة لهذه المشروعات.
  6. التركيز على عمل هيئة دعم المشروعات الصغيرة على التخطيط وإعداد الاستراتيجيات وتفويض الجهات الأهلية بتقديم الخدمات المباشرة بإشرافها.
  7. تنويع صيغ التمويل لتشمل التمويل الأصغر الإسلامي عبر إصدار قانون خاص به وتشجيع الغرف والاتحادات والجمعيات على المشاركة في تأسيس هذه المصارف.
  8. لا يمكن إلغاء اقتصاد الظل والمشروعات القائمة فيه دون توسعة المناطق المنظمة ضمن مخططات المدن والبلدات بالإضافة لتسهيل تأسيس وممارسة الأعمال كلفةً ووقتاً وجهداً.
  9. تخفيض تكاليف وأعباء القروض الصغيرة بالنسبة لأصحاب المشروعات عبر إعادة خصم الفوائد من قبل البنك المركزي وتحمله للفروقات ما بين تكلفة الفوائد المصرفية ومعدلات الإقراض الفعلية.
  10. الاستفادة من الانتشار الجغرافي للمصارف الحكومية المختصة بالتمويل الصغير (التسليف الشعبي- توفير البريد) لتكون حواضن لمؤسسات تمويل وفق القانون /8/ وفق صيغ تعاقدية وإعادة دراسة أساليب التمويل المعتمدة والضمانات المطلوبة ودراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه القروض.
  11. إعادة هندسة العمليات لجميع الإجراءات التنظيمية الحكومية المتعلقة بإنشاء وممارسة الأعمال الصغيرة وإلغاء ما يمكن إلغاؤه وتبسيط الإجراءات ومن ثم العمل على أتمتتها وإتاحتها لأصحاب المشروعات بصورة إلكترونية.
  12. دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمشاريع المنفذة على المستوى القطاعي والجغرافي .
  13. وضع قائمة تأشيرية للمشروعات حسب المناطق والقطاعات وفق قواعد التنافسية وتوفر المقومات الأساسية لنجاح المشروع.

لم تعد المشروعات الصغيرة لغزاً محيراً بل أصبحت وفي أغلب دول العالم رهان النجاح الاقتصادي.

أعتقد أن ساعة العمل الجدي بدأت وبقوة ولا مجال للتأخر في إسعاف هذه المشروعات ووضعها في المسار الصحيح.

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم /237/

دمشق في 13 آذار 2024م