جديد 4E

مشروع “مكافحة التطبيع مع الأسد”: ألم يمت السوريون بعد؟

 

 زياد غصن:

طوال السنوات السابقة، لم تختلف التبريرات الأميركية والغربية في فرضها لهذه العقوبات وغيرها، فالمستهدف بحسب ما يروّج غربياً هو “النظام” ومسؤوليه، في حين أن غالبية السوريين في الداخل كانوا هم الأشد تأثراً بتداعيات العقوبات.

مع أن الخطوة لا تزال مجرد مشروع قانون لم تستكمل بعد إجراءات صدوره القانونية المعتادة، إلا أن إقرار لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي مؤخراً مشروع قانون غايته “مكافحة التطبيع مع الأسد” يزيد من طلاسم الموقف الأميركي من العلاقة مع دمشق أولاً، ومن خطوات الانفتاح العربي على سوريا ثانياً.

المشروع يرسم حدوداً للعلاقة مع دمشق، لا سيما في شقها الاقتصادي، وفي حال تخطي بعض الدول لتلك الحدود فإن المشروع يفرض على الحكومة الأميركية اتخاذ جملة إجراءات عقابية، معظمها يستند إلى قانون “قيصر” الذي مدد العمل به بموجب بند خاص. وحسب ما جرى تداوله إعلامياً لبعض بنود المشروع، فإن الحدود المشار إليها ما هي إلا عملية خنق جديدة لما تبقى من مصادر معيشة السوريين. وهذا يتجلى بوضوح في البند المتعلق بتعريف التعاملات المطلوب التصريح عنها ضمن مشروع “مكافحة التطبيع مع الأسد” لتتضمن أي “استثمار أو منحة أو عقد أو تبرّع أو قرض من أشخاص غير سوريين يقطنون في تركيا أو أي من الدول العربية مثل: الإمارات، مصر، الأردن، العراق، عُمان، البحرين، الكويت، السعودية، تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، لبنان، ما دام المستفيد موجوداً داخل مناطق النظام”. لا بل إن عمل المنظمات الأممية في سوريا قد لا يسلم هو الآخر من المراقبة والتضييق.

الرد بالعقوبات

في كل مرة ترغب فيها واشنطن بالرد على تحول ما يرتبط بالأزمة السورية لصالح دمشق، تلجأ إلى فرض عقوبات تحرص أن تأخذ بُعديها السياسي والإعلامي بغية تعزيز حضورها كقوة مؤثرة في الملف السوري. ففي العام 2019، ومع تمكن وحدات الجيش السوري من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد بمساعدة الحليفين الروسي والإيراني، عملت واشنطن سريعاً على إصدار قانون “قيصر” الشهير، المتضمن تطبيق طيف واسع من العقوبات الاقتصادية، رغم أن واشنطن كانت، وعلى مدار السنوات الممتدة منذ العام 2011، تطبق عقوبات مختلفة على سوريا، كانت حدّتها تتصاعد سنوياً، ومن دون الحاجة إلى استصدار أي نص تشريعي يخوّلها ذلك.

ومع نهاية العام الماضي، كانت الإدارة الأميركية مدعومة بمجلس النواب والكونغرس، ورداً على المؤشرات المتزايدة حول نجاح دمشق في كسر جزء من جدار عزلتها السياسية، تُصدر، وعلى عجل، قانون مكافحة الكبتاغون في سوريا، والذي إلى الآن لم تتضح آلية تنفيذه والإجراءات التي سوف يعتمدها. ثم، جاء أخيراً مشروع قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد”، وذلك رداً على استعادة دمشق لمقعدها في جامعة الدول العربية، وحضورها لقمة الرياض.

طوال السنوات السابقة، لم تختلف التبريرات الأميركية والغربية في فرضها لهذه العقوبات وغيرها، فالمستهدف بحسب ما يروّج غربياً هو “النظام” ومسؤوليه، في حين أن غالبية السوريين في الداخل كانوا هم الأشد تأثراً بتداعيات العقوبات، والتي شكلت عاملاً حاسماً في ارتفاع معدلات الفقر، فقدان الأمن الغذائي بشكل شديد ومتوسط لأكثر من 60% من الأسر السورية، ارتفاع تكاليف العلاج والاستشفاء، وما إلى ذلك. فمثلاً، ووفقاً لما جرى تداوله إعلامياً، فإن من بين النقاط التي اتفق أعضاء الكونغرس الأميركي على تعديلها في مشروع قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد” إضافة التعاملات التجارية مع الحكومة السورية، والتي تتجاوز قيمتها خمسة ملايين دولار، إلى قائمة الأفعال المُعاقب عليها بموجب قانون “قيصر”، وهذا يعني عملياً أن توجه الحكومة لشراء مخصصات البطاقة التموينية من مادتي الأرز والسكر لتوزيعها على ما يقرب من 3.5 ملايين أسرة سورية سيكون عرضة للعقوبات الأميركية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أدوية السرطان والأمراض المزمنة التي توفرها الحكومة مجاناً في مستشفياتها، قطع التبديل لمحطات توليد الكهرباء والمياه، المواد الأولية للمصانع والمعامل، وغيرها. فمن المتضرر هنا: “النظام” أم السوريون جميعاً؟

ثلاثة احتمالات

باستثناء ما يروّج له “التحالف الأميركي من أجل سوريا” بمنظماته العشر، فإن مقاربة مشروع القانون الجديد يمكن أن تتم من خلال ثلاثة احتمالات:

-الاحتمال الأول يكلله توقيع الرئيس الأميركي على القانون، مؤكداً بذلك أن السلطات الأميركية الثلاث المتمثلة في مجلس النواب، الكونغرس، وإدارة الرئيس بايدن موحدة في موقفها الرافض في الوقت الراهن التطبيع مع الحكومة السورية من جهة، وفي الضغط على الدول الإقليمية الراغبة في التطبيع مع دمشق من جهة ثانية. ورجحان كفة هذا الاحتمال يعني مزيداً من التضييق على حياة السوريين، وبمنزلة رصاصة موجهة لقتل الجهود العربية الساعية لإيجاد حل للأزمة السورية وفق رؤية خطوة مقابل خطوة. وتالياً، فإن ما سرب عن موافقة أميركية على المشروع العربي وما عقد من لقاءات عربية مؤخراً بخصوص سوريا غير دقيق.

-الاحتمال الثاني أن المشروع ليس أكثر من رسالة ضغط أميركية على دمشق. فالإدارة الأميركية لا تعارض وفق ما جرى تسريبه العواصم العربية في جهودها لإيجاد تسوية للأزمة السورية، لكنها في الوقت نفسه تحاول تمييز نفسها عن تلك الجهود وتأكيد ثبات موقفها من العلاقة مع الحكومة السورية، لا بل ومستمرة في الضغط على “النظام” في سوريا. فإن نجحت المساعي العربية نسبت ذلك إلى دعمها غير المعلن، وإن فشلت حافظت على صورتها الرافضة لأي علاقة مع دمشق.

-الاحتمال الثالث ينطلق من مجرى السياسة الأميركية خلال العقود والسنوات الماضية، فهي في ذروة عدائها لدمشق لم تمانع إجراء مفاوضات معها بغية الكشف عن مصير أحد الصحفيين الأميركيين المفقودين في سوريا لاستثمار ذلك كورقة انتخابية، وهي بين ليلة وضحاها أيضاً سحبت قواتها من أفغانستان وتخلت عن حلفائها المحليين بعد عقدين من العمل معهم، وكادت تفعل الشيء نفسه في الشرق السوري. ولذلك، لا غرابة إن تم إسقاط المشروع الجديد من أجندة الإدارة الأميركية فيما لو حدث تطور سياسي ما.

من ذلك كله، فإن العبرة ليست في طرح المشروع وتزامنه مع انعقاد قمة جدّة، وإنما في مكانة هذا المشروع في رؤية الإدارة الأميركية في تعاملها أو مقاربتها لتطورات الملف السوري، وانعكاسه على العلاقات الأميركية-العربية التي تشهد منافسة شديدة من الصين وروسيا.

الرد العربي

لكن، ماذا عن الموقف العربي من المشروع في حال تحوّله إلى قانون؟

المشروع وفق صيغته الراهنة يمس بالقرار السيادي للدول، ويمثل عرقلة أميركية صريحة للمبادرة العربية التي طرحت للتعامل مع الأزمة السورية، ولذلك فإن المشروع من شأنه أن يسهم أكثر في حالة عدم الاستقرار التي تعيشها العلاقة الأميركية-السعودية، والأميركية-التركية، وهذا سوف يحدث حتى لو اضطرت الدول الراغبة في التطبيع مع دمشق إلى مراعاة أو محاولة تجنب العقوبات الأميركية الجديدة. إذ إن التحدي سيكون لمستقبل هذه العلاقات على المديين المتوسط والبعيد.

في جميع الأحوال، يبقى المشروع المقدم، والذي يتوقع ألا يعيق صدوره كقانون أي عائق في مثل الظروف الراهنة، خطوة أميركية جديدة في إطار مشروع تجويع السوريين وتكرار السيناريو العراقي في فترة التسعينيات. وللعلم، فإن جميع العقوبات التي فرضت على مر التاريخ بموافقة دولية أو إفرادية نالت فقط من حياة الشعوب ومعيشتها ومستقبلها.

( الميادين نت )