جديد 4E

أحلام بسيطة…!

 

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

“اللي مالو حظ لا يتعب ولا يشقى” هو مثل شعبي تشاؤمي يردده الكثير من الناس وخاصة في فئة الشباب، بسبب ظروف البطالة التي تنكد على خريجي الجامعات والمعاهد عيشهم وتجعلهم يفكرون بالهجرة والبحث عن ظروف أفضل في أماكن أخرى، ولا سيما أن من وجدوا عملا أو وظيفة في القطاع العام ليسوا بأفضل حالاً ولسان حال هؤلاء يقول ” يا ريت تعلمنا حرفة أو صنعة ولا تورطنا بالوظيفة الحكومية”…!

لا شك أن المثل الآنف الذكر يستحق الرفض لكونه يقلل من قيمة العمل وينسف أهمية الاجتهاد والتعب، ويكرس حالة من السلبية والقنوط في أنفس من يؤمنون به، إلا أن واقع الحال – ومن خلال مشاهداتي اليومية – تؤكد صحة هذا المثل في بعض جوانبه، فثمة من يحصل على كل ما يريد وفوق ما يريد أحياناً – وعلى البارد المستريح – ودون أي تعب أو شقاء أو عمل، لكونه ابن تاجر أزمة أو شخصية نافذة في موقع القرار أو مستورد بوكالة حصرية مدعوم، كما يجري مع مستوردي الجوالات والسيارات وقطع الغيار، وتجار العقارات وغيرها، وأقرب شبه لهؤلاء هو ذكر النحل الذي يأكل بلا عمل ويمارس العقص والقرص واللسع دون أن ينتج عسلاً أو بصلاً – على سيرة البصل نبارك لمستورد البصل حظه الذي يفلق الصخر – كما أن وجود مراهقين دون الثامنة عشرة خلف مقود سيارة يتجاوز سعرها المليار ليرة، وأطفال صغار يحملون جوالات حديثة تتجاوز قيمتها العشرة ملايين ليرة يكرس كل ما يقال حول الحظ في بلادنا، فثمة من يخلق وفي فمه ملعقة من ذهب – ولا حسد – وثمة من يخلق ولا يجد ما يأكله والجميع يعيشون في بلد واحد أنهكته الحرب والزلزال والضوائق الاقتصادية والمعيشية والحصار والعقوبات وتجار الأزمات.

رغم إيماني بقيمة العمل وأهميته وتقديسي لمقولة – اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً – وقناعتي أن لا قيمة ولا طعم لما يكسبه المرء دون الجهد الذي يبذله، إلا إن السنوات الماضية جعلتني أفقد كثيرا من تمسكي والتزامي بهذه المقولة نتيجة الظروف المريرة التي أعانيها ويعانيها معظم العمال والموظفين في بلادنا، حيث لم يعد لمعاشاتنا الشهرية أي قيمة تذكر في بورصة الأسعار الملتهبة، ففي كل يوم نفاجأ بارتفاع جديد يضاعف معاناتنا وشقاءنا، في حين يمارس عدد من المسؤولين والمحللين “الاستراتيجيين” وقراء الأبراج والكف مهمة إحباطنا وإضعاف معنوياتنا وتدمير أحلامنا البسيطة..!

في الحقيقة لم يبق لنا سوى الأحلام لتحسين ظروفنا المعيشية الصعبة بعد أن عجزنا بالعمل والتعب والشقاء عن تحسينها وبعد أن خذلنا الحظ والبخت والأبراج…ولكني أخشى أن ينتبه جماعة المالية لهذا المطرح الضريبي المهم لدى شعبنا ويفرضون عليه رسوماً أو ضريبة كرسوم البيئة والنظافة والانفاق الاستهلاكي وإعادة الاعمار… لأن الأحلام باتت نوعاً من الرفاهية في ظل الكوابيس المتعددة الرؤوس التي تأتينا من كل حدب وصوب..!