جديد 4E

خلاف المقصود

مع تصريح سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي: بأن العلاقات الروسية الأميركية تتجه نحو التدهور يكون العالم قد دخل مرحلة استعادة فترة السوفييت بمواجهة الغرب، فبعد التسريبات الأميركية بشأن قمة بوتين -بايدن المتلفزة ، وبعد التصريحات والتهديدات الأميركية التي سبقت القمة ، بعد هذا كلّه تكون الولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت قرارها بالدخول في مرحلة مواجهة ، قد تفضي إلى حرب ، وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً ومستبعداً ، ولكن الأمر قد يبقى في إطار يشابه فترة الحرب الباردة.

لقد استبقت واشنطن القمة الروسية -الأميركية الأخيرة بتصريحات نارية تتهدد فيها موسكو بالمزيد من العقوبات في حال غزوها لجارتها أوكرانيا أو السعي لتغيير حدودها ، وأضيف إلى هذا تحذيرات مرافقة أطلقها فلاديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني ملوحاً بالحرب مع روسيا وطالباً الدعم بالسلاح من جانب حلف شمال الأطلسي ومؤكداً استعداد بلاده لأي مواجهة ، علماً بأنه يدرك أن لا قبل لبلاده بأي حرب مع موسكو ، وخاصة في ظل عدم امتلاك قوى صاروخية أو بحرية يمكن حسابها في معادلات الصراع .

تزامنت قمة بوتين – بايدن من انتهاء روسيا من بناء خط غاز السيل الشمالي ٢ الذي يغذي أوروبا بالغاز الطبيعي دون مروره بالأراضي الأوكرانية ما يشير إلى عمق الهوة التي تحكم العلاقات ما بين موسكو وكييف والتي يبدو أنها عصية على الحل في المدى المنظور ، وإن أبدى زيلينسكي رغبة في لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة تلك الخلافات ، فإن ذلك لم يكن ليخفف من حدة التصريحات النارية والمتزايدة من كلا الطرفين أبداً، بل على العكس من ذلك تعددت التصريحات الأميركية والأوروبية مهددة باتخاذ المزيد من الخطوات الجديدة في مجال العقوبات الاقتصادية بشكل غير مسبوق.

وهذا الأمر الذي كان محور تركيز ماكينة الإعلام الأميركية بالهجوم على روسيا وتصعيد الخلاف ظاهرياً فيما الهدف في مكان آخر ، فما أن هدد الرئيس بايدن بعواقب أي هجوم روسي حتى بادره ألرئيس بوتين بأن بلاده لا تفكر أبداً في أي شيء من ذاك القبيل ، وليس لموسكو أي نيات في مهاجمة أوكرانيا لكنّها تضع خطوطاً حمراء أمام تحركات حلف شمال الأطلسي المتمثلة بالسعي لنشر صواريخ قريبة ومتوسطة المدى في حدود أوروبا الشرقية بالقرب من حدود روسيا معها ، وهو أمر لن تسمح به موسكو أبداً ، وهنا الرد الحقيقي على التهديدات الحقيقية وليس التصريحات الجوفاء تجاه قضايا وخلافات لا تحتل أولوية في الاستراتيجية الأميركية الراهنة، فالصراع مع روسيا يأخذ أبعاداً عسكرية استراتيجية ودولية وتكنولوجية واقتصادية قبل أن يصل لحدود موقف داعم لسياسة كييف وتبني موقفها في المحافل الدولية والاجتماعات والمؤتمرات دون أن يصل مرحلة التعاون والتنسيق العسكري ، أما النشاط البحري الأميركي في البحر الأسود فهو استغلال لحالة التوتر الروسية الأوكرانية للتواجد بالقرب من الشواطىء الروسية بالتوازي مع السعي لنشر الصواريخ متوسطة وقريبة المدى في شرق أوروبا، فالتهديدات الأميركية والغربية لموسكو لن تتجاوز حدود إجراءات بسيطة في ميدان العقوبات وحدها دون الخوض في مغامرة غير محسوبة النتائج ، فضلاً عن المخاوف الأوروبية من مخاطر أي خطوات حمقاء تعيد التوتر لعمق ووسط القارة العجوز، فالتصعيد في الإعلام عالياً والهدف في مكان آخر.

جريدة الثورة – زاوية ( معاً على الطريق ) 12 كانون الأول / ديسمبر 2021م