جديد 4E

الخبز والدعم والكرامة..!

عبد الحليم سعود:

 لا أحد يستطيع إنكار الصعوبات التي تعانيها بلادنا لتأمين القمح، أو تجاهل المصاعب التي يعانيها الناس في سبيل الحصول على رغيف الخبز، إذ لم تستطع البطاقة الالكترونية “الذكية” ولا الإجراءات الحكومية المواكبة لها فعل شيء في هذا المجال سوى زيادة الطوابير على الأفران، بكل ما يتخلل ذلك من مخاطر انتقال عدوى كورونا لعدد أكبر، وزيادة المشكلات والصدامات بين “المطوبرين” من جهة، وبين المطوبرين وبائعي الخبز الحر ممن يقتحمون الدور بقدرة “غامضة” ويحصلون على الكميات المطلوبة دون أية عوائق، ليمارسوا بعدها أسوأ ما لديهم من عمليات الابتزاز بحق المضطرين – موظفي الدولة خاصة – مستغلين الأزمة كأسوأ ما يكون الاستغلال،  ولمعلوماتكم يتراوح سعر الربطة الواحدة ذات “الأرواح السبعة ” والملوثة بوسخ الأدراج والأرصفة بين750  وألف ليرة بينما سعرها الرسمي مئة ليرة فقط..!

الغريب في الأمر هو وجود باعة صغار لديهم إمدادات لا تنقطع من الخبز ، حيث لا أثر مطلقاً للنظام أو احترام الدور، والأغرب من ذلك أن أكشاك الخبز التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تبيع نوعيات رديئة لا تصلح للاستهلاك البشري، وتشهد طوابير طويلة تتسابق منتسبوها فيما بينهم لاختطاف الكميات المحدودة.

 هذه الحال البائسة مضى عليها أشهر، ولم تفلح كل الأصوات التي طالبت بإيجاد حلول في فك اللغز أو اختراق العقلية المتحكمة بأزمة الدقيق والخبز، والأزمة تشتد وتتعمق بشكل يومي، لدرجة أنني على المستوى الشخصي، تنازلت عن حصة عائلتي المدعومة، وأصبحت زبونا “سائحاً” يتردد على أفران “سياحية” تبيع خبزا لا يشبع ولا يسمن من جوع، عدا عن إضافتي إلى قوائم المفلسين مع بداية كل شهر..!

الأمر الأشد غرابة هو وجود كميات لا بأس بها من الخبز المدعوم والسياحي – المهدور كفضلات زائدة عن الحاجة – على الأرصفة وفي حاويات القمامة، في برهان واضح على أن الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة لا يذهب إلى مستحقيه، بل يذهب كثير منه إلى باعة وسطاء ومسؤولين عن الخبز وأصحاب مخابز، أي أن الدعم يسرق قانونياً من فم المواطن المحتاج دون أية عوائق ودون مخاوف من محاسبة أو عقاب..!

هذه المعطيات إضافة إلى الصعوبات التي تعانيها الدولة في سبيل الحصول على القمح تستوجب الانتقال إلى مرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية في موضوع الخبز، إذ لا منطق في مساواة كبار التجار والأغنياء وأثرياء الحرب والأزمات بالفقراء والمعدمين عبر بطاقة واحدة موجودة مع الجميع، حيث لا مجال للمنافسة هنا، فمن يملك المال يحصل على كل ما يريد بوسائله الخاصة، أما الفقراء – وهم الشريحة الأكبر – فيتركون لمصيرهم الصعب، وفق مبدأ “عسكري دبر راسك”..!

لا يوجد حل حالياً “بقناعتي” سوى تحرير سعر الخبز وبيعه بسعر السوق، شريطة أن توضع المبالغ المخصصة للدعم في رصيد “البطاقة الذكية” وفقط لمن يستحقون الدعم فعلياً، لأن هناك شريحة لا تحتاج هذا الدعم بل تبالغ في سخريتها منه عندما تحرم المحتاجين إليه وترميه في الشارع، وهكذا ينتهي الزحام وتنتهي “العراضات” اليومية على الأفران، وتضطر الأخيرة لإنتاج خبز يليق بنا كبشر كنتيجة للمنافسة، بدل أن يظل الدعم يُسرق أمام أعيننا من قبل مجموعة من الفاسدين عديمي الأخلاق ولا أحد يحرك ساكناً..وعندها ترتاح الدولة من هذا الملف وتتفرغ لمعالجة ملفات أخرى.

 ربما لن يعجب هذا الحل سارقي الدعم والمتاجرين فيه..ولكن لدي سؤال بسيط” ما مغزى أن يكون الخبز مجاناً ونحن لا نستطيع الحصول عليه إلا بعد أن نهدر كرامتنا يومياً في طوابير مذلة ومعيبة…كلكم نظر..؟!