الضرب في المدارس يضع “التربية ” أمام معادلة صعبة .. هيبة المدرس وتعليم قويم ..! ومختصون يطالبون بالأخذ بالأسباب
السلطة الرابعة – علي سليم حسون
أثارت قضية ضرب مديرة إحدى المدارس لطالب جدلاً واسعاً في الشارع السوري، إذ ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات ما بين مستنكراً للحادثة ومدافعاً ومقدماً مبررات للمديرة.
موضوع الضرب في المدارس يضع وزارة التربية والتعليم أمام معادلة صعبة بكيفية تحقيق الهيبة والوقار للمدرس من خلال أسلوب تربوي قويم يحافظ على القيم التعليمية والتربية، إذ يعتبر مختصون بالشأن التربوي أن المدرس في الماضي هو الأب الثاني للتلميذ، حيث يقوم بتوجيهه وإرشاده وإذا عاقبه فيكون العقاب ليس مبرحاً أو مهيناً، مشيرين إلى أن هيبة المعلم تنبع من سلوكه المستقيم وقوته العلمية واتزانه العقلي وشخصيته الوقورة، وتعامله الحسن وأخلاقه الكريمة.
أضرار جسمية ونفسية
وتؤكد أبحاث من منظمة الصحة العالمية إن العقاب البدني يثير لدى الأطفال استجابات نفسية وفسيولوجية ضارة، إذ لا يقتصر شعورهم على الألم والحزم والخوف والغضب والخجل فحسب، بل يؤدي إلى إجهاد فسيولوجي وتنشيط المسارات العصبية التي تساعد على التعامل مع الخطر.
ويربط عدد كبير من الأبحاث العقوبات البدنية بمجموعة واسعة من النتائج السلبية، سواء الفورية أو طويلة الأمد، حيث يؤدي الأذى الجسدي المباشر في بعض الأحيان إلى أضرار جسيمة أو إعاقة طويلة الأمد أو الوفاة، كما تؤدي العقوبات البدنية إلى “الاضطرابات السلوكية واضطرابات القلق، والاكتئاب، واليأس، وانخفاض احترام الذات، وإيذاء النفس ومحاولات الانتحار، والإدمان على الكحول والمخدرات، والعداء وعدم الاستقرار العاطفي، والتي تستمر حتى مرحلة البلوغ”.
وتؤكد أبحاث أن التعنيف والعقوبات البدنية تدفع إلى التسرب من المدارس وانخفاض النجاح الأكاديمي والمهني، إضافة إلى ضعف التمسك بالأخلاق وتزايد السلوك المعادي للمجتمع وزيادة العدوانية لدى الأطفال وارتكاب البالغين لسلوكيات عنيفة ومعادية للمجتمع وإجرامية.
يخافون من الضرب
في حين يرى بعض المدرسين أن استخدام الضرب: «الضرب غير المؤذي يردع الطالب، وبعض الطلاب لا يخافون إلا من الضرب»، ويشير هؤلاء إلى أن المدرس يحتاج «أحياناً» إلى استخدام العنف وسيلة للضبط، بالمقابل يؤكد مدرسون أنه عندما يفكر المدرس بالضرب، فهذا يعني أنه غير قادر على استخدام الأساليب التربوية، وهنا تظهر أهمية التأهيل التربوي والأكاديمي للمدرس، لاسيما مع وجود عقوبات بديلة مبتكرة كحرمان الطالب من نشاط معين، أو من الرياضة، وقد أعدت لائحة فيها حقوق الطالب وواجباته، تعلق داخل الشعب الصفية.
ويحذر تربويون من تداعيات الضرب كون ضرب الطالب في عمر معين قد يرد بالضرب من قبل الطالب وهذا قد يسبب انهياراً للمدرس، وهنا يظهر بوضوح أن من يضرب يعرف أنه يضرب أطفالاً أضعف منه جسدياً، وإلا فهو ينتبه قبل استخدام يده بالردود المحتملة للطالب الذي يضرب.
ثمة جانب آخر للقضية يتمثل بحقوق المدرس والحفاظ على مكانته، من هنا كان لا بد من وجود عقوبات بديلة بحق الطلاب المخالفين، وإلى جانب التعاميم الوزارية وتعيد الوزارة تعميمها مع بداية كل عام كالنقل من مدرسة لأخرى، والحسم من الأجر، إلى جانب ذلك، قررت وزارة التربية استخدام مادة السلوك أداة لضبط الطالب، وجعلت منها مادة تؤدي إلى رسوبه إن لم يتمكن من تحقيق حد أدنى في علاماتها.
غياب الاستراتيجية
موجهون في الإرشاد النفسي والتربوي يؤكدون أن من أسباب استخدام العنف غياب الاستراتيجية عند المدرس لكل مرحلة عمرية، فمن لا يفهم متطلبات كل مرحلة عمرية يستخدم العنف، وهنا نؤكد على ضرورة اختبار المدرس لفترة لا تقل عن عام، يتابع خلالها بشكل دقيق، وبعدها يثبت أو لا.
بعض المختصين والأساتذة أكدوا أن قيام وزارة التربية، أو مديرياتها في المحافظات، بجولات مكثفة «فجائية وعادلة» أي التي تطول جميع المدارس دون تمييز، هي السبيل الوحيد للحد من هذه الظاهرة، على المدى القصير، أما علاجها استراتيجياً فيتطلب خطة متكاملة تشترك فيها عدة جهات في الدولة، إضافة إلى المجتمع.
ظاهرة مجتمعية
في خضم هذا الواقع ، يتبادر إلى الذهن سؤال فيما إذا كان الطفل المعنف في البيت، يصعب ضبطه دون استخدام العنف في المدرسة، وفيما إذا كانت آثار العنف واحدة سواء من المنزل أو المدرسة؟ ،حيث يرى مختصون في علم الاجتماع إن من يعنَّف في المنزل تصعب استجابته وضبط سلوكه في المدرسة أكثر من الطفل غير المعنف، لاسيما أن العنف ظاهرة مجتمعية في صلب المجتمع تبدأ من الأسرة، وتتحدد بالمستوى الثقافي للوالدين، وتمتد من المنزل إلى الشارع والمدرسة. وإذا كانت مهمة الأسرة التنشئة الصحيحة، فإن المدرسة هي النور الذي يتوزع على الأجيال، والعنف يؤثر على شخصية الطفل سواء من المدرسة أو المنزل.
عالجوا الأسباب ؟
وفي رأي لافت للمختص الدكتور جاسم الفواز بقوله إن المعلم والمعلمة مُجبرين أن يتحمّلوا تبعات التربية المجتمعية والعائلية السيئة ومع ذلك تنهال عليه جبال من الانتقادات والتعليقات المسيئة بسبب ضرب طالب أصلاً مسيء، مشدداً على أهمية معالجة الأسباب وضبط العقوبات بشكل أكبر على الطلاب المسيئين قبل أن نهاجم المدرس الذي ما فعله نتيجة وليس سبباً، مؤكداً على أنه ضد الضرب لكن بشرط وجود عقوبات رادعة حقيقة لا خيالية ووهمية للطلاب المسيئين.
تأثير البيئة
وفي حين اعتبرت الاختصاصية التربوية سلام قاسم أن هيبة المدرس لا تتحقق باستخدام العصا، موضحة أن الهيبة تتطلَّب توفّر عدد من الشروط في المعلم، ومنها أن يكون مدركاً لقواعد التربية السليمة ومدى دوره في توجيه وإعداد وتقويم طلابه؛ مما يخلق علاقة وطيدة بينه وبين الطالب. ولم تخفِ قاسم ضرورة توفير حياة كريمة للمعلم؛ كي يتخلَّص من الأعباء والضغوط الواقعة عليه، ولاسيما أن هناك تأثيراً كبيراً لبيئة العمل والأسرة والمعلم نفسه، إضافة إلى جانب بعض الطلاب ممن لا يرغبون في التعليم.
تشويش “فيس بوكي”
ولم يخف مرشدون اجتماعيون ما تفعله بعض وسائل التواصل الاجتماعي من التشويش على العملية التعليمية والتأثير على المدارس الحكومية من قبل بعض أصحاب المدارس والمعاهد الخاصة التي استغلت الظروف وبدأت تعزف من خلال جوقاتها على “الفيس بوك” نغمات النشاز من خلال اختلاق الأكاذيب والقصص الخيالية ونسج حكايات ليست صحيحة عن المدارس الحكومية؛
لترهيب الأهل وفقدان الثقة بين الأسرة والمعلم، مما يجعل الطريق ممهداً إلى مدارسهم ومعاهدهم، إذ لطالما حذرت ونبهت وزارة التربية من اعتماد وتبني الأخبار الملفقة والمتناقلة “فيس بوكياً” .
لغة الحوار
وحسب رأي اختصاصيين نفسيين فإن الظروف الاقتصادية الصعبة وكثرة الهموم والمشاكل الأسرية غيبت لغة الحوار بين الأهل والتلميذ، ولاسيما أن المعلم هو بالأساس مواطن يعاني وتؤثر عليه الحياة المعيشية الصعبة مما يخلق حالات توتر بين جميع الأطراف المعنية، لافتين إلى أهمية إعادة تفعيل مجالس أولياء الأمور وتحقيق التواصل الفعلي بين الأسرة والمدرس، والتأكيد على الدور التكاملي بين الطرفين.
إجراءات ملحة
آخر القول.. كما اتفق الجميع على أهمية دور المعلم كونه الحامل الحقيقي في العملية التعليمية يتفق الخبراء والمتابعون وعلى رأسهم وزارة التربية أن تحسين الوضع المعيشي للمعلم أصبح حاجة ملحة لابد منها لحماية المدرس والطالب في آن معاً، إضافة إلى قرارات صارمة وحازمة لردع المخالفين ومحاسبة المرتكبين واختيار الإداريين الكفوئين، وتأهيل الناجحين من مسابقات المدرسين قبل زجهم في الميدان التربوي.