جديد 4E

زياد غصن يكتب : لا يمكنها القضاء على الفقر .. الحكومة “تضرب بالمندل”: تعليم وصحة “عال العال” بحلول 2030

 

زياد غصن :

في معرض استعراضها لأهداف التنمية البشرية، توقعت الحكومة إمكانية تحقيق البلاد بحلول العام 2030 لهدفين من الأهداف السبعة عشر المعلنة أممياً، الهدف الأول هو في الوصول إلى تعليم جيد وشامل، والهدف الثاني يتمثل في تحقيق صحة جيدة ورفاه.

وبررت الحكومة إمكانية تحقيق الهدفين المذكورين بتوفر انتشار جيد للبنى التحتية ووجود موارد بشرية جيدة تساهم في تحسين نوعية التعليم وتطوير الخدمات الصحية، فضلاً عن الاعتماد بصورة رئيسية على مستلزمات عمل وصناعات محلية.

وبحسب الرؤية الحكومية المعدة فإن هناك ثلاثة أهداف أخرى يمكن لسوريا تحقيق بعض مقاصدها بحلول ذلك العام، وهذه الأهداف هي: القضاء التام على الجوع، المساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة والنظافة الصحية.

أما الأهداف التي لا يمكن تحقيقها، فإن عددها هو الأكبر حيث بلغ عددها اثنا عشر هدفاً وهي: القضاء على الفقر، طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، العمل اللائق ونمو الاقتصاد، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، الحد من أوجه عدم المساواة، مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، العمل المناخي، الحياة تحت الماء، الحياة في البر، السلام والعدل والمؤسسات القوية، عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.

 لا تتفاءلوا..

لكن إلى أي درجة يمكن اعتبار ما سبق موضوعياً؟

يفصلنا عن العام 2030 ست سنوات تماماً، ولذلك تعالوا لنرى ماذا كانت نتيجة عمل السنوات الماضية وبناء على ذلك يمكن للقارئ أن يحكم على مدى صدقية وموضوعية رؤية الحكومة السابق ذكرها، فإذا عدنا إلى المؤشرات الإحصائية الرسمية المتعلقة مثلاً بواقع التعليم سنجد أن تحسن معدل الالتحاق الصافي بالتعليم الأساسي في العام 2019، والذي قدر بحوالي 80%، لم يستمر مع تدهور الوضع الاقتصادي في الأعوام التالية، حيث عاد لينخفض إلى 73% في العام 2022 أي أقل من المعدل المسجل في العام 2015 ذروة أعوام الحرب، والمقدر آنذاك بحوالي 75%، وهو مرشح لمزيد من التراجع بفعل تعمق المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها  البلاد، وما تسببه من عدم تمكن أسر كثيرة من تعليم أبنائها وتسرب العديد من التلاميذ والطلاب من التعليم إلى سوق العمل في مراحل مبكرة جداً وغير ذلك.

والمشكلة الأهم التي تواجه قطاعي التعليم والصحة المشار إليهما تتعلق بقدرة الحكومة على توفير التمويل الكافي للإنفاق على مشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية للقطاعين وتطوير خدماتهما بما ينسجم مع متطلبات تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، لاسيما في ضوء تراجع إيرادات الخزينة العامة والمتوقع استمراره خلال الفترة القادمة وفقاً لعدة مؤشرات أساسية، هذا في وقت تفرض إفرازات الحرب تخصيص مبالغ مضاعفة لتجاوز ما تعرض له قطاع الخدمات الأساسية من انتكاسات، فمثلاً في قطاع التعليم هناك تحديات ليست سهلة من أهمها: زيادة نسبة التسرب المدرسي إلى مستويات كبيرة تقدر رسمياً بأكثر من 29%، خسارة نسبة لا يستهان بها من الكوادر التعليمية المتميزة، ضعف مخرجات التعليم.

أما في قطاع الصحة فإن انتشار الأمراض بفعل عدة عوامل وتراجع الأوضاع المعيشية وارتفاع تكاليف العلاج زاد من حاجة المواطنين للخدمات الصحية التي تقدمها مؤسسات الدولة، وفي نسب الإنفاق الحالي على القطاعين فإن الحديث عن الوصول إلى تعليم وصحة جيدين في العام 2030 غير ممكن ومجرد “بيان حكومي آخر غير قابل للتنفيذ”، إذ بحسب البيانات الرسمية فإن الإنفاق على التعليم لم تتجاوز نسبته في العام 2022 أكثر من 9% من إجمالي الإنفاق العام مقارنة بحوالي 23 % في العام 2015، كما بلغت نسبة الإنفاق على قطاع الصحة حوالي 6% من إجمالي الإنفاق العام في عام 2022، وهي النسبة نفسها المتحققة في العام 2015.

سردية الحكومة

في حديثها عن الأسباب التي تحول دون تحقيق أهداف التنمية، تحدد الحكومة تسعة معوقات عامة تحول دون تحقيق أهداف التنمية البشرية من أبرزها: فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى حزماً متواصلة من التدابير الاقتصادية القسرية أحادية الجانب غير المشروعة على سوريا والتي تستهدف استقرار الاقتصاد السوري وفاعلية عمل مؤسساته، استمرار بعض الدول بسياساتها غير المشروعة القائمة على العدوان ودعم الإرهاب والاستثمار فيه لخدمة مصالحها واحتلالها أجزاء من المناطق الشمالية والشمالية الشرقية والشمالية الغربية من البلاد ونهب ثرواتها واستمرار احتلال “إسرائيل” الجولان واعتداءاتها المتكررة على الأراضي السورية، استمرار وجود مناطق خارج سيطرة الدولة الأمر الذي يعوق العملية التنموية في تلك المناطق ويعوق وصول المساعدات الإنسانية إليها، ضعف النشاط الاقتصادي الإنتاجي نتيجة خروج قسم كبير من المنشآت والبنى التحتية خارج الدورة الاقتصادية بسبب ما أصابها من تدمير وسرقة خلال سنوات الحرب، نقص الموارد المالية اللازمة لإعادة إعمال السكن والبنى التحتية وتنشيط الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، التقلبات الحادة في سعر الصرف، نقص مصادر الطاقة التقليدية، ازدياد حدة التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية.

وبناء على ذلك، ترى الحكومة أن هناك  ثماني متطلبات رئيسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في سورية هي: الوقف الفوري للإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، إنهاء الاحتلال بأشكاله كافة، وقف عرقلة جهود الدولة السورية الرامية لاستعادة الأمن والاستقرار وبسط سلطتها على كامل أراضيها، وقف نهب واستنزاف الموارد والثروات الوطنية، إلغاء تعليق عضوية سوريا في بعض المنظمات الدولية، تقديم الدعم الدولي لخطط التنمية في سوريا من خلال التمويل الكافي والقابل للتنبؤ وغير المشروط لدعم التنمية والتعافي المبكر، دعم مشاركة سوريا وسائر الدول النامية في مؤسسات الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية بشكل عادل ومنصف، والعمل على تيسير تقديم المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية للتمويل الطارئ والدعم للدول الأعضاء التي تواجه كوارث طبيعية دون إبطاء أو تسييس.

( أثر برس )