جديد 4E

مأزق البطالة المُقنّعة في القطاع العام مستمر بتفاقمه ولا بد من تصحيحه لانتظام الرواتب بالحد الأدنى لمعيشة لائقة

 

التوظيف الاجتماعي والأجور

كتبه د.عامر خربوطلي :

في مطلع الثمانينات أطلعت على دراسة جدوى لإنشاء معمل صناعات غذائية في محافظة سورية بعيدة بلغت فترة استرداد رأس المال 99 سنة ومع ذلك اقترحت اللجنة المشكلة لدراسة هذا المشروع الذي تعود ملكيته للقطاع العام الصناعي بإقامة هذا المشروع للضرورة الاجتماعية في تشغيل الأيدي العاملة في هذه المنطقة.

هذه قصة من عشرات القصص الأخرى في تلك المرحلة التي كان يتم فيها تحميل الاجتماعي على الاقتصادي وأعتقد أنها تراجعت كثيراً وربما لم تعد موجودة في القطاع الصناعي العام واستمرت في القطاع الخدمي الذي أصبح مترهلاً بضعف التوظيف الاجتماعي والذي يتم وصفه عادةً بالبطالة المقنعة.

حجم العمالة والتشغيل الكبيرين لفترات طويلة في هيئات ومؤسسات قد لا تحتاجها كلها، صاحَبَهُ في مرحلة الأزمة عدم مواكبة الأجور لمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوق في تاريخ الاقتصاد السوري وأضحت رواتب القطاع الحكومي غير متناسبة بالمطلق مع متطلبات غلاء المعيشة.

المشكلة إذاً مركبة ومتراكمة لم تبدأ مع الأزمة ولن تنتهي معها، فقد بدأت بالتوظيف الاجتماعي غير الاقتصادي وهي اليوم تتفاقم مع محدودية الموارد اللازمة لتحسين مستوى الرواتب والأجور وبنفس الوقت عدم وجود (مؤشر وطني) يقيس معدلات غلاء المعيشة أو ارتفاع الأسعار والذي بدوره كان من الممكن الاعتماد عليه لزيادة الرواتب أو حتى انقاصها مع ارتفاع أو انخفاض هذا المؤشر  بصورة شهرية.

وهذا التصحيح يجب أن يترافق مع تحديد دقيق للحد الأدنى للمعيشة اللائقة واعتبارها حداً أدنى للرواتب والأجور وأن يكون هو الحد الأدنى المعفى من الضريبة أيضاً.

فالضريبة لا ينبغي أن تفرض على الدخل المتناقص والضعيف بل على الفائض فعندما يخسر التاجر لا تُفرض عليه ضريبة وكذلك العامل أو الموظف الخاسر بدخله الحقيقي وبقوة شرائية ضعيفة جداً لا تغني ولا تذر ولا ينبغي أن تفرض عليه أية ضريبة.

الأمر الآخر والمهم يتمثل في ضرورة ضبط الكتلة النقدية ومحاصرة التمويل بالعجز كي لا ترتفع الأسعار مجدداً وأن يكون تمويل زيادة الرواتب من مصادر  وإيرادات حقيقية مع إعادة توزيع فائض العمالة إن وجد في أماكن معينة على نقص العمالة في أماكن أخرى لرفع إنتاجية العمل وتحسين الأداء وتحقيق عائد مرتفع وبالتالي تحقيق وفورات لاستخدامها في ردم فجوة الدخل والمعيشة.

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم /230/

دمشق 24 كانون الثاني 2024م