المياه في سورية حلقة نقاشية متخصصة في جمعية العلوم الاقتصادية .. د. جورج صومي: عجز في الموارد واستنزاف للمياه الجوفية
السلطة الرابعة – سوسن خليفة :
كثر الحديث في الآونة الأخيرة في الأوساط الحكومية عامة والشعبية بشكل خاص عن أزمة المياه في ظل تطبيق التقنين المائي على الأحياء في مدينة دمشق واضطرار المواطنين إلى الاعتماد على الصهاريج التي تبيع المياه بأسعار مرتفعة – رغم عدم التأكد من نوعية هذه المياه – مستغلة النقص الحاصل والعجز في تلبية الحاجة نظراً لانقطاع التيار الكهربائي دون النظر إلى موعد عودة المياه حتى تستطيع الطوابق العليا تعبئة خزاناتها مع الأخذ بعين الاعتبار ظاهرة التفتيش من قبل بعض الجهات على من يستخدم جهاز الهيدروفون والمعروف لدى العامة (الحرامي) ظناً بأن هذا الأمر يحل المشكلة.
الوضع الراهن يؤكد ما قاله الدكتور جورج صومي وزير الري سابقاَ: لدينا عجز مائي وتحديات وصعوبات فنحن دولة متشاطئة والربط المائي حاجة ملحة . جاء ذلك في الحلقة النقاشية المتخصصة التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية عن المياه في سورية نظراً لأهمية هذا الموضوع.
حيث أكد د. صومي أن سوريا من البلدان ذات الموارد المائية المحدودة قياسا بحجم الطلب المتنامي بشكل أساسي نتيجة لمعدلات النمو المرتفعة للسكان وانخفاض الكفاءة الفنية والاقتصادية لاستخدامات المياه. لافتاً إلى أن المنظمات الدولية تعتمد أرقاما تأشيرية للحد الأدنى اللازم من المياه للفرد لتغطية الطلب السنوي على (مياه الشرب والاستخدام المنزلي – الزراعة والغذاء – ….) بـ 1000 م3/الفرد/سنة ودون ذلك يعني ظاهرة الفقر المائي. (الفرات 6.4 مليار متر مكعب/سنة دجلة 1.25 مليار متر مكعب/سنة) وعند اعتماد هذا الرقم في ظروف الجمهورية العربية السورية، فيكون الطلب السنوي الإجمالي على المياه ولكافة الأغراض بحدود 25 مليار م3/ سنة على اعتبار عدد سكان سوريا حاليا 25 مليون نسمة.
بينما تشير المعطيات حسب د. صومي إلى أن الموارد المائية المتاحة بمختلف مصادرها (الجوفية، السطحية، غير التقليدية) ووفق الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة مع الدول المتشاطئة، وبعد أخذ الفواقد بعين الاعتبار تكون حصة المواطن السوري من المياه بين (600-630) م3/فرد/سنة، لسنة متوسطة وتقل عن ذلك الاحتمال 75%.
ومما سبق يتبين أن سورية تعاني من الفقر المائي والمتوقع تفاقمه نظراً للتغيرات المناخية وخاصة في إقليم شرق المتوسط… وهذا يتطلب سياسة مائية رشيدة تحقق مبدأ الاستدامة.
حدد المحاضر التحديات والصعوبات التي تستوجب الحل لتأمين الحقوق القانونية لحصة سوريا من المياه الدولية المشتركة من ناحية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان مبدأ الاستدامة بالاستخدام المرشد والاقتصادي للمياه المتاحة.
وعلى صعيد المياه الدولية يوضح صومي بأن الموارد المائية السطحية الواردة من المصادر الخارجية (المجاري المائية للأغراض غير الملاحية)، تشكل في نهر الفرات (6.4 مليار م3 / سنة)، وفي نهر دجلة (1.25 مليار متر مكعب/سنة)، يضاف اليها واردات نهر العاصي، بما يقارب 60% من اجمالي الموارد المائية المتاحة في سوريا.
ويؤكد المحاضر أنه رغم أهمية هذا الموضوع لا توجد اتفاقيات نهائية مع بلد المنبع، الذي حسب معرفتنا لم يصادق على وثيقة (استخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية)، حيث يعتبر نهري الفرات ودجلة أنهارا عابرة للحدود، ولا زالت تحكم العلاقة (فيما يخص نهر الفرات) مع دولة المنبع (تركيا) بنود بروتوكول عام 1987، المتضمن التزام تركيا بتأمين (500 م3/ثا) وأكثر لكل من سوريا والعراق، والاتفاقية السورية العراقية لعام 1989 التي حددت نسبة 58% حصة العراق عند موقع البوكمال من اجمالي الوارد في جرابلس، و48% حصة سورية.
وقدم د. صومي جملة من المقترحات مفادها الاتفاق مع العراق على الطرح المشترك بتقسيم اجمالي واردات الفرات السنوية مثالثة بين الدول الثلاث (تركيا- سوريا – العراق)، وفي احتمال عدم موافقة تركيا على هذا الطرح يمكن اتخاذ جملة من الحلول على سبيل المثال:
– تحويل بنود البروتوكول السوري التركي لعام 1987 الى اتفاق نهائي، مع الحفاظ على النص الوارد في البروتوكول المذكور بالتزام الجانب التركي بتأمين 500 م3/ثا وأكثر.
– بالنسبة لنهر دجلة من الضرورة الاتفاق مع تركيا لتحديد حصة سوريا، مع الإشارة الى الاتفاق السوري العراقي على استجرار 1.25 مليار متر مكعب /سنة وفق برنامج محدد لصالح مشروع ري دجلة.
إضافة الى نهري الفرات ودجلة لا بد من ادراج موضوع نهر الجغجغ في أي مباحثات سورية تركية.
وهذا يستدعي تشكيل مجموعة عمل فنية – حقوقية لبحث الأمور المتعلقة بالمياه الدولية ومراجعة الاتفاق السوري اللبناني (حول العاصي) ومدى التزام الأطراف بمضمون هذا الاتفاق.
وعلى صعيد الموارد المائية الجوفية:
قدم المحاضر أرقاماً ومؤشرات تشير إلى أن الموارد المائية الجوفية المتجددة تقدر لسنة متوسطة الهطول بـ (4.5) مليار متر مكعب، وتقل عن ذلك الاحتمال 75%. إذ تضمنت الخطة الزراعية لموسم (2011-2012) زراعة مساحة (844) ألف هكتار على المياه الجوفية، واذا اخذنا بعين الاعتبار أن الاحتياج المائي الكلي لوحدة المساحة بحدود (8.5) ألف متر مكعب / هكتار، يكون اجمالي الطلب الكلي لري هذه المساحة بحدود 7.2 مليار متر مكعب، وبعجز قدره حوالي (2.7) مليار متر مكعب عن الوارد الجوفي المتجدد، مما أدى الى:
– نضوب كافة ينابيع حوض اليرموك (مزيريب – العجمي – عيون العبد – الثريا – أم الدنانير…).
و نهر الخابور، و انخفاض كبير في المناسيب في معظم الأحواض باستثناء حوض الساحل، مما أدى الى زيادة في تكاليف الضخ إضافة الى تغيرات في نوعية المياه.
ومن المقترحات لتجاوز هذا الوضع اعتماد المعلومات الإحصائية لعام 2001 كأساس لتحديد الآبار المخالفة. والمنع الفوري لحفر الآبار في كافة الأحواض. والاغلاق الفوري للآبار الواقعة في حرم الينابيع المخصصة لتأمين مياه الشرب، أو لتأمين المياه لصالح مشاريع الري. وتعميم مبدأ التشاركية في استثمار المياه الجوفية ، وتركيب عدادات نظامية ، الزامية استخدام التقنيات المناسبة كأساس لتجديد ترخيص البئر. وزيادة رسوم المياه وخاصة على الفنادق – المطاعم – المسابح العامة والخاصة -الجامعات – المشافي…..
طروحات وآراء
نتيجة للوضع المائي الحرج وموجة الجفاف الذي تتعرض له البلاد ظهرت طروحات مختلفة واراء حول كيفية تدارك العجز المائي منها.
o تحلية مياه البحر – وفائض المياه السطحية في الساحل
تستخدم هذه التقنية مدة فترة طويلة وقد تكونت لدى دول الخليج العربية خبرة معرفية كبيرة. مع ضرورة التفكير بمصاعب نقل المياه المحلاه أو المياه الطبيعية إلى دمشق مثل: ديمومة المصدر المائي. والآثار المترتبة عن الاستجرار. والتكلفة المرتفعة نتيجة لفرق المستوى الجغرافي الكبير . إذ أن ضخ المياه سيكون من المنسوب (0) إلى أكثر من (1000)م عن سطح البحر.
o نقل المياه من الفرات إلى دمشق
ويرى صومي أن ذلك الحل أكثر منطقية من حيث نوعية المياه وفرق المستوى الجغرافي بين المصدر والمنطقة المستهدفة.
واستعرض المحاضر المخطط المائي لسوريا الذي يبين تطور الطلب لغاية ( 2050) والنقاط الحرجة وكيفية تداركها وضرورات نقل الموارد من حوض لأخر وذلك على مستوى كل حوض وأجزائه من الحويضات، والمباشرة بتقدير الطلب على مستوى وحدة إدارية واحتمالات مختلفة لمستوى النمو السكاني.
يوضح د. صومي بأن إدارة الموارد المائية واستخداماتها أمرٌ يمس الأمن الوطني بأبعاده (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية) فإذا كان من المتاح استيراد كل شيء: سيارات- أدوات كهربائية ….. لكن لا يمكن استيراد المياه للزراعة والصناعة ……
إدارة الندوة
أدار الندوة فؤاد اللحام أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية الذي أبدى اهتماما بأهمية طرح هذا الموضوع والعمل بجدية لإيجاد الحلول لتجاوز الأزمة والوصول إلى حال أفضل.
المداخلات
د. نبيل سكر يرى أن جلب المياه من لبنان حل منطقي سيما وأن بيننا ساحل طويل بما يحقق لنا أمن مائي ومصدر دائم ومستقر للمياه في سورية.
هنا الحسيني: تساءلت عن جفاف مياه نبع الفيجة هل هو أمر طبيعي ؟ أم أن هناك من يسرق المياه!
طريف صابوني: رأى أن حل مشكلة المياه مرتبط بعامل التوزيع الديمغرافي، وماذا تركنا لموضوع الاستدامة
وهناك من طالب بضرورة وجود ربط مائي بين الدول على غرار الربط الكهربائي.
بغض النظر عن الطروحات والمداخلات حول موضوع المياه يبقى السؤال الملح هل نذهب للمياه أم تأتي المياه إلينا؟ الحل برسم المعنيين.