أزمة اقتصاد أم أزمة فكر ..؟ دكتور غسان ابراهيم من على منبر الثلاثاء الاقتصادي: النظرة الاقتصادية السائدة غير مبررة
ما نعيشه أزمة فكرية وذهنية بامتياز، وعلينا التغيير
د. تيزيني : أكثر ما أطربني أن الرواتب والأجور سلعة فلماذا لا ترتفع؟
السلطة الرابعة – سوسن خليفة :
كنت أتوقع بسبب الطابع الفكري للمحاضرة أن يكون الحضور أكثر خاصة من قبل كلية الاقتصاد “ليست الكثرة من إمارات الحق ، ولا القلة من علامات الباطل” بهذه الكلمات غير التقليدية بدأ الدكتور غسان ابراهيم حديثه لمحاضرة الثلاثاء الاقتصادية بعنوان “أزمة اقتصاد أم أزمة فكر” التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية في الثاني عشر من الشهر الجاري في المركز الثقافي أبو رمانة.
تحدث بداية عن مفهوم الأزمة ، مروراً بنقد التفسير الاقتصادي هل هي أزمة اقتصادية أم فكرية موضحاً أنه يحلم بالنقاش وليس السرد. وبأن الأزمة قابلة للحل عكس الاشكالية، وهل يكفي التفسير الاقتصادي حتى نقول أنها أزمة!
ويرى الدكتور ابراهيم أن التفسير قاصر وغير كافٍ ، وتفاقم الأزمة غير اقتصادي والواقع الاقتصادي يتم إعادة تصنيعه.
والاقتصاد الراهن والرأسمالي عموماً غيّر وجه التاريخ البشري من خلال تحويله للسلع الاستهلاكية إلى سلع تبادلية تسويقية وبذلك تحول الاقتصاد من اقتصاد معيشي إلى اقتصاد لا معيشي، أو من اقتصاد حياة إلى حياة اقتصاد فائض عن الحاجة لا لزوم له. وحصة العمل الحقيقي والفعلي تتراجع لصالح حصة التقانة أو التكنولوجيا التي ينظر لها اقتصادياً وعسكرياً كأخطر تهديد لحق بالحياة البشرية منذ فجر التاريخ إلى وقتنا الحاضر وربما إلى المستقبل القريب والبعيد. وتلك الوسيلة تعتبر تجسيداً كامل الأوصاف لاستثمار العقل التقني البراغماتي في حقل الاقتصاد التبادلي النفعي البراغماتي.
وتساءل الدكتور غسان كيف للمال أن يصنع حضارة وتقدم ، فالغرب يوهمنا أن ليس أمامنا إلا التركيز على الجانب الاقتصادي، ومن خلال قراءاتي التاريخية أقول: المال لا يصنع تطوراً فلماذا نركز عليه..؟ ولماذا الغرب يجعلنا نفكر بهذا الجانب ..؟! فالأزمة لها علاقة بالناس تحكمها ثقافة أو فكر سائد، ولا يغير الواقع سوى الفكر.
وحاول الدكتور غسان ابراهيم أن يبرهن أن الرواتب وسعر الصرف تتجلى بأنها مشكلة اقتصادية لكنها غير اقتصادية. فالحدث الاقتصادي كما نراه أمام أعيننا واقع اقتصادي – اجتماعي- ثقافي نفهمه من خلال أفكارنا أو ثقافتنا ، وهو لا ينتج معنا ونحن نسبغ عليه المعنى. والحياة المعيشية التي نحياها هي التي تحدد القيمة فضلاً عن القيمة والمعايير والأهداف. والفكر في جوهره سيما الفكر الحر تحريرٌ للطاقة البشرية، وتدفقٌ للطاقات الذاتية. والحاجة الاقتصادية هي حاجة للنفس وليست للشيء الخارجي. وعندما يضطرب المجتمع أو الدولة فلا يعود الفكر مهماً.
وحسم الدكتور ابراهيم بأن الأزمة ليست اقتصادية، وهذه النظرية تخالف مبادئ علم الاقتصاد .. وقال : حاولت البرهان ومن لم يقتنع تعالوا لنطبق هذا الجانب على الواقع.
فالنظرة المهيمنة حول ثبات الرواتب والأجور غير موضوعية. فالعائلة تحتاج إلى 100 ألف يومياً والرواتب لا تتعدى 400 ألف تقريباً. وأنا أرى أن الرواتب والأجور سلعة أو بضاعة، فلماذا كل البضائع يرتفع سعرها إلا الرواتب والأجور. وتجميدها مسألة غير اقتصادية. ولو كانت اقتصادية ارتفع سعرها. ويضيف قائلاً “وجعنا رأسنا” من مقولة زيادة الانتاج فكيف سنزيده والرواتب والأجور مجمدة، والقوانين تعيق زيادة الانتاج مثل الحصول على القروض وغيرها. وبالنسبة لسعر الصرف هو نتيجة، وانهيار سعر الصرف المحلي هو بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ناتج عن انهيار الانتاج. وهناك ميل لاستبدال الانتاج بالاستيراد.
وتطرق الدكتور ابراهيم إلى موضوع المشروعات الصغيرة في الغرب فهي تعمل لدى مصانع كبيرة وتزود شركات ضخمة بالإنتاج. بينما نحن لا ننظر إلى المصانع الكبيرة ويجب أن تكون هناك جهات راعية لحاضنات الأعمال لتسويق ما تنتجه المشروعات الصغيرة كي تكون مجدية.
وعلى صعيد النظرة القائمة على الضرائب، إنها أكبر مورد للدولة، وكذلك الأمر بالنسبة لرفع الأسعار فهو ضريبة على الناس وليس لديك بديل ايراد عوضاً عن الضريبة التي تشكل أكبر مورد للدولة. و النظرة السائدة للإنفاق الاستثماري والضرائب هي نظرة غير مبررة اقتصادياً ، وما نعيشه أزمة عقلية وذهنية بامتياز ويجب تغييرها لأنها ليست واقعية بل تفاقم في الوضع المعيشي وتمنع جودة الحياة الكريمة واللائقة..
إدارة الندوة
أدارت الندوة الأستاذة هنا الحسيني التي أشارت إلى أهمية طرح موضوع “أزمة اقتصاد أم أزمة فكر في هذه المرحلة بالذات من الاقتصاد السوري وما يعانيه ، وقدمت المحاضر بكونه أستاذ جامعي إضافة إلى أنه مؤلف لكتب اقتصادية ومن المحاضرين المميزين في منبر جمعية العلوم الاقتصادية.
وعقبت الحسيني على المحاضرة الاقتصاد ليس سبباً كافياً للتقدم الاقتصادي والحياة التي نعيشها هي التي تحدد القيمة. وسواء كان التفسير اقتصادياً أم فكرياً فإن السياسات الخاطئة تزيد من المشكلة وتعقدها فتؤدي الأزمة الاقتصادية إلى أزمات ثقافية وفكرية تنعكس على حياة الناس والمجتمع ، وما يهمنا أن نصل إلى حلول تخرجنا من عنق الزجاجة.
المداخلات
دكتور نبيل سكر قال: باختصار شديد في سورية ما هي الأزمة الفكرية؟
أجاب دكتور غسان: العقلية التي تحكم الواقع الاقتصادي هي التفكير خارج الصندوق هو الذهنية القائمة تعيق التطوير والتحديث وتغييرها ليس بالأمر السهل. فالذهنية هي القناعة في الحياة. وعلينا تغييرها ايجابياً.
نبيل حمزاوي: تغيير الذهنية ليست مسألة فردية فهي عمل مؤسساتي ومجتمعي.
دكتور عصام تيزيني قال مخاطباً المحاضر: “لا يغرنك عدم الحضور وعنوان المحاضرة جعلني أحضر من حمص ” وأضاف: مشكلتنا الأساسية فكرية، ومفهوم التغيير فيه خلط ويجب أن ينطلق الفرد من نفسه. وأتفق معك بأن الأزمة ذهنية، وعلينا أن نمتلك إرادة التغيير في التفكير ، وأكثر ما أطربني أن الرواتب سلعة.
المهندسة ليزا عاصي ترى أن إهمال القطاع الزراعي ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية.
هنا الحسيني: أشارت إلى أن رواتب القطاع الخاص أعلى من رواتب القطاع العام ولا يوجد لديه بطالة مقنعة لأن التوظيف مرتبط بحاجة العمل. و أزمة الرواتب سببها التوظيف على حساب متوسط الأجر
د. علي كنعان : الغرب أخذ فرصته في التطور ونحن لم نأخذ فرصتنا بعد.