جديد 4E

مع انهيار أسعار النفط .. د. درغام : مسلسل خلط الأوراق يبدو لن ينتظر نهاية رمضان ..

السلطة الرابعة  –  4e :

الدكتور دريد درغام

كتب حاكم مصرف سورية السابق الدكتور دريد درغام في صفحته الخاصة على الفيسبوك مقالا حمل عنوان” تفسير النفط السالب وفرص قائمة” حلل خلاله ما حدث في الأمس من انهيار تاريخي لأسعار النفط، مقدما تفسيراً حول سكوت الولايات المتحدة عن انخفاض أسعار النفط الصخري لأكثر من شهر لمستويات أقل من 30 دولار، بالرغم أن إنتاج النفط الصخري غير مجدي لديها إن لم تكن الأسعار أكبر من 45 دولار للبرميل.

الحاكم السابق كتب أولا هذا المنشور: 

برميل النفط اصبح بسنت واحد دولار..! من المستفيد من العودة إلى مستويات أقل مما ساد في سنوات ما قبل النكسة ..؟

تراوحت أسعار النفط خلال فترة 1960 إلى 1973 بين 1 و2 دولار لكل برميل. وساهمت حرب تشرين بتأرجح السعر بين 11 و13 دولار في فترة السبعينيات ثم تراوحت بين 13 و35 دولار بين 1990 و2003. ثم تأرجحت بين 40 و100 دولار بين 2004 و2020.

خلال الشهر الماضي لوحظ انخفاض السعر إلى حوالي 20 دولار واليوم يفاجأ العالم بأن العقود الآجلة للنفط وصلت أسعارها إلى 1 سنت بانخفاض أكثر من 99% في يوم واحد..! وهي قد تكون آجلة ولكنها ستجر معها باقي أسعار النفط على الأغلب في ظل المتغيرات الدولية المنظورة حاليا.

لماذا تعاد أسعار النفط إلى مستويات ما قبل ستين عاماً؟ ولماذا نجد عنواناً بالخط العريض على ياهو فاينانس يقول:

Oil crashes 99% to 1 cent per barrel..?

في 31 آذار الماضي كتبت مدونة على صفحتي بعنوان “كورونا مذنب طبياً ولكنه بريء اقتصادياً: هو كبش فداء لإنعاش الرأسمالية” ويبدو ان النقطة الثانية منها قد تم تنفيذها بنجاح من قبل مخرجي مسرحية كورونا…! ويبدو أن مسلسل خلط الأوراق لن ينتظر نهاية رمضان.

تفسير النفط السالب وفرص قائمة

بعد نشر البوست السابق حول تطور أسعار النفط منذ 1960 والتساؤلات حول المستفيد من عودتها إلى أقل من مستويات الستينيات في العقود الآجلة؛ وردني العديد من التساؤلات عما يحدث وعن حقيقة الفرق بين عقود آجلة وحاضرة أو فورية وعما إذا كانت حالة مؤقتة أم لا وغيرها من الأسئلة التي يمكنكم متابعتها في التعليقات أدناه. فيما يلي استزادة بالتحليل حول ما يحدث:

العقود الآجلة تعني أن تباع السلعة أو تشترى على أن يكون التسليم بتاريخ لاحق. وفي حالة عقود النفط الحالية فإنها تعبر عن مجموعة من المستثمرين وراء حواسبهم ممن اشتروا النفط بعقود آجلة ظناً منهم أن أسعاره ستكون أعلى بالمستقبل وبالتالي يبيعونه برأيهم قبل الاستحقاق ودون الحاجة لاستلامه فعلياً. ومع اقتراب الأجل اكتشفوا أن السعر أدنى ومع انخفاض حجم الطلب العالمي تهافتوا على البيع لسببين:

1. تخفيض الخسارة التي سيحققونها عند البيع بسعر أقل.

2. تجنب الاستلام من البائع الأصلي وما سيتطلبه الأمر من نفقات نقل وتخزين قد تتجاوز حجم الصفقة نفسها في ظل الركود العالمي الحالي. فدخلوا في دوامة البيع بأي سعر كان لتجنب نفقات النقل والتخزين. ويبدو أن بعضهم فضل أن يبيع برميل النفط مجاناً مع علاوة للمشتري 38 دولار لتجنب نفقات الاستلام والتخزين (حيث أصبحت أماكن التخزين المتاحة حالياً ضئيلة جداً وبعض الشركات والدول أصبحت تستأجر ناقلات نفط ضخمة وتخزن فيها).

وهذا الأمر يفسر حالة الجنون الاستثنائية التي يشهدها سوق النفط اليوم الذي بدأ بسعر 17.73 دولار وفق ما يظهره المخطط المرفق وانتهى في لحظة كتابة هذا البوست إلى -37.6. وإذا كان الجنون قد أصاب أسعار النفط بعقود آجلة حالياً فهو في حال عدم توافر تنسيق دولي فإنه سيصيب لا محالة عقود النفط الفورية في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة. وإذا كانت الأسعار الحالية تصل إلى حوالي 20 دولار فإن من استلم نفطاً حقيقياً بسعر سالب -38 دولار تقريباً يستطيع بيعه في الأسواق الحاضرة بدولار واحد فقط أو أكثر بقليل وعندها سيحقق ربحاً لا بأس به بعد اقتطاع نفقات الاستلام والتخزين. وبالتالي ستنتقل العدوى إلى الأسواق الحاضرة للنفط الخام عاجلاً أو آجلاً، إلا إذا تم توافق دولي على تخفيض قسري للإنتاج بنسب عالية جداً للمحافظة على الأسعار. وبما أن الأسواق تستشعر الحقائق نلاحظ أن خام برنت قد انخفض اليوم من 28 إلى 26 دولار للبرميل بعد أن كان 33 في بداية شهر نيسان. وينقلنا كل ذلك إلى مستويات أعمق من النقاش:

1. إذا كان الاتفاق المزعوم قبل أيام بين كبار منتجي النفط لم يسمح بإيقاف تدهور الأسعار فهل سيتمكنون من ذلك الآن في ظل خلافات سياسية واقتصادية حادة حول مفهوم الأولويات..؟ وإذا كانت بعض الحقول النفطية قابلة للإغلاق والتوقف المؤقت في مناطق كالخليج والهند وتكساس وغيرها فإنها في المناطق الباردة لا يمكن توقيفها بسهولة بانتظار ارتفاع الطلب المؤجل إلى أجل غير مسمى.

2. إذا كانت كورونا قد دفعت بأكثر الاقتصادات تقدماً نحو الانغلاق والحمائية بدلاً من الانفتاح والتجارة الحرة التي كان ينادى بها لسنوات وعقود خلت، فهل تتغير الصورة نحو التعاون..؟

3. تعتمد الولايات المتحدة على النفط الصخري أساساً في الارتفاع الكبير في إنتاجها اليومي الذي جعلها تتربع على قمة منتجي النفط. ومن المعروف أن إنتاج النفط الصخري غير مجدي إن لم تكن الأسعار أكبر من 45 دولار للبرميل. كيف نفسر سكوت الولايات المتحدة عن الانخفاض لأكثر من شهر لمستويات أقل من 30 دولار؟ يبدو أن الولايات تراجح بين السيناريوهين التاليين:

أ. سيناريو 1: دعم أسعار النفط وعدم إفلاس بعض الشركات الأمريكية والحفاظ على آلاف فرص العمل في قطاع النفط وهذا السيناريو سيسمح للأنداد السياسيين المنافسين المنتجين للنفط بالاستمرار بتحقيق مكاسب وفيرة

ب. سيناريو 2: التخلي عن المبالغة في استثمارات النفط الصخري والعودة إلى نفط رخيص من الخليج وغيرها بسعر بخس يسمح لها بتحقيق وفورات هائلة وتنافسية مرتفعة في العديد من القطاعات الصناعية التي تحتاج للطاقة وتنفق عليها مئات المليارات مما سيعوض خسائر قطاع النفط فيها أضعافاً مضاعفة كما سيسمح بتخفيض موارد الأنداد المذكورين. وهنا سنكون أمام: – انخفاض أسعار عالمي (ويا حبذا في حالتنا الوطنية) مما يعني تعزيز قدرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في التدخل بشؤون الدول الراغبة بالمساعدات وبالوقت نفسه سيعني الكثير من السلبيات أمام تحريك الاقتصاد العالمي بالطريقة التقليدية؛ أو – المحافظة على أسعار المنتجات الصناعية رغم انخفاض أسعار الطاقة وهنا سندخل في مرحلة مختلفة من الرأسمالية المتوحشة.

4. في جميع الأحوال نتمنى الاستقرار في مختلف الأسواق وخاصة تلك التي تنفع بلدنا، خاصة وان الاستقرار في الأسعار هو الأساس في مختلف عمليات التخطيط السليم. ولكن إذا وضعنا الأماني جانباً تبقى التساؤلات قائمة في كل دولة كبيرة أو صغيرة حول الفرص المحققة من هذا الانخفاض المريع في أسعار النفط. هل الفرصة واعدة لشراء نفط سيكسد خاصة من الدول “الزميلة” بسعر أرخص؟ وفي ظل توقف ناقلات النفط الحالية عن العمل هل يمكن “استغلال بعضها في عرض البحر أو في يابسة متعاونة وتفعيل إجراءات أخطر ما يصعب تنفيذها في غير أوقات الصحو”؟ ومع انهيار الأسعار النفطية هل من خطة تعكسه إيجاباً ولو بعد حين في تكاليف السلع الأساسية ومستويات المعيشة؟ هل نستقرئ المستقبل بالوصول إلى سيناريوهات رشيدة قادرة على إقناع الجموع بخطط واعدة بعد سنين عجاف طال أمدها؟

هامش على المقال السابق:

أوضح درغام خلال رده على تساؤلات المعلقين في صفحته واستفساراتهم أنه لا يوافق على فكرة بناء المزيد من المخازن لان المشكلة أكبر بكثير ولا يمكن حل مشكلة عرض زائد بالمزيد من المخازن فالقضية أكبر بكثير.

وفي رده على أحد الأسئلة القائلة له: هل تتأثر العملة الأمريكية بهذا الوضع بمعنى هبوط أو انهيار لفترة قصيرة أو انهيار دائم؟.. هل سيصبح تكتلات اقتصادية جديدة تتكون معها تحالفات سياسية لم تكن متوقعة..؟ هل تشهد تقارب سعودي روسي..؟

أجاب درغام: العملة عادة تكون انعكاساً لوضع ميزان المدفوعات، وهذا الأمر لا يرتبط بالنفط فقط، وإنما بكيفية استغلال الأوضاع الحالية لتحسين وتنشيط الاقتصاد أو العكس، وهذا ما سنشهده في قادم الأيام.

سؤال تم طرحه أيضا : دكتور ألا يمكن أن يكون ما يحدث حاليا هو فقط بسبب الحجر المفروض في أغلب دول العالم منذ الشهر الماضي والذي أدى إلى خفض الطلب وكما شرحت ان هذه العقود الآجلة هي – كما فهمت – أصبحت عبئاً على حامليها وأن الأسعار ستعاود الصعود في الشهر القادم عندما يفك الحجر تدريجيا ويعود الطلب إلى سابق عهده؟

أجاب عليه درغام بالقول: الحجر الحالي وفق ما شرحته في البوست المنشور في 31 آذار (رابط البوست في نهاية المادة) عبارة عن حجة أو عذر قدموه كي لا يعترفوا بأن الركود الاقتصادي متوقع منذ سنوات وأن الانكماش والكوارث أكبر بكثير مما يتوقعه أي إنسان.

وقال في رده على سؤال آخر: أما عن أماكن التخزين فللأسف أصبح العرض أكبر بكثير وتوقفت الكثير من الآبار ويتوقع توقيف المزيد قريباً. ونظراً لنقص أماكن التخزين وكثرة المضاربات نجد الجنون الحالي. وسيزيد الجنون بتحول العقود الآجلة عموماً إلى عقود حقيقية وليس عقوداً للمضاربات وإدارة السيولة كما كان يحدث بالماضي..

رابط المقال السابق بعنوان : الدكتور دريد درغام : كورونا مسلسل أميركي طويل لإنعاش الرأسمالية ..!

http://4e-syria.com/?p=3711