لا صناعة بدون تجارة ولا تجارة قوية بدون صناعة وخدمات .. وسورية علامة تجارية فارقة معنوية بحد ذاتها ويجب أن تستمر
في التجارة
كتبه د.عامر خربوطلي :
في أزمنة سابقة عالمياً ومحلياً كان يُنظر للتجارة بأنها نشاط لا يخلق قيماً مضافة على مستوى الاقتصاد الكلي وهي نشاط (استغلالي) غير إنتاجي وهامشي يتم بموجبه مضاعفة الأرباح ومن خلاله تتعدد حلقات التوزيع وتتوسع.
وقد أيدتها نظريات وأفكار وإيدلوجيات كثيرة ، هذا فيما مضى وقد أصبح ذلك من التاريخ غير الكفوء، حيث استعادت التجارة بفرعيها الخارجية (استيراداً وتصديراً) و الداخلية (جملة ونصف جملة ومفرق) مكانتها التي تستحقها لأنها هي التي توصل المنتجات والخدمات إلى مستهلكيها المستهدفين بأفضل صورة وأجود تغليف وأحسن عرض والتي أصبحت تمثل سلاسل الإمداد الفعّالة وهي أمور لم تكن ذات شأن في الماضي.
تجارب دول العالم المتقدم اليوم تعتمد على بيع منتجات وخدمات بقيم مضافة أعلى وأسعار مرتفعة بمجرد وضع علامات تجارية فارقة، أما التصنيع فيتم أحياناً في دول أخرى، وأصبحت عمليات التعبئة والتغليف والتوضيب المتميزة لوحدها تضاعف من قيمة المنتجات المباعة.
التصدير بحد ذاته عملية تجارية معقدة ومن يستطيع تحقيق نجاحات فيها فهو يساهم في تعزيز التصنيع المحلي ويشارك في توسيع وتنشيط خدمات الشحن والنقل والتخزين والترويج والتوزيع والتمويل والتأمين والقائمة تطول من الخدمات الكثيرة الداعمة.
والتصدير بحد ذاته يساهم في تحقيق توازن للميزان التجاري أمام الاستيراد وأحياناً فائض معتبر يعزز من قوة العملة المحلية عبر ميزان المدفوعات.
وهذا لا يعني أن الاستيراد نشاط غير منتج ولا يحقق قيماً مضافة بل هو المزود الأول لمدخلات الإنتاج في التصنيع المحلي وفي تلبية الطلب الاستهلاكي وتحقيق التنافسية.
أسواق مدن العالم المتطور تفتخر بواجهات محلاتها التي تعرض السلع بطريقة مغرية وفنية وجميلة وهي أصبحت مهنة بحد ذاتها يتم دراستها في المدارس العليا للتجارة كما هو الحال في غرفة تجارة وصناعة باريس على سبيل المثال يُضاف إليها طرق البيع والتسويق الإلكتروني عبر التطبيقات والمنصات والصفحات والمواقع الإلكترونية.
ما يهمنا القول إن سورية كانت يوماً من بلد التجارة ويجب أن تبقى كذلك وتتطور، مرّ منها طريق الحرير ورحلة الشتاء والصيف وذاع صيتها باحترافية وصدق ومهنية تجارها، وهي علامة تجارية فارقة معنوية بحد ذاتها.
المنتجات السورية باختلاف أصنافها كان التاجر السوري يتفنن في عرضها وبيعها والترويج لها حتى أصبحت سورية ودمشق تحديداً في مرحلة ما قبل الأزمة مقصداَ للزوار العرب والسياح للتسوق والشراء فازدهرت المعارض والمهرجانات وافتتحت المحلات والأسواق والمولات وهي في النهاية أنشطة تخلق قيماً مضافة للاقتصاد السوري وتشكل اليوم الجزء الأهم من الناتج المحلي الإجمالي.
لا صناعة بدون تجارة ولا تجارة قوية بدون صناعة وخدمات قوية والتجارة الناجحة تحتاج لبيئة عمل مشجعة/ تنافسية/ حرّة/ عادلة تشجع افتتاح الأعمال وممارستها بكل سهولة ويسر وحداثة.
إنها رسالة سورية للعالم في الماضي والحاضر والمستقبل……
العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم /271/
دمشق في 20 تشرين الثاني 2024م
( الصورة الرئيسية : رسم تعبيري لرحلة قريش إلى الشام في الصيف )