تهنا في تفاصيل التفاصيل .. آلاف الدراسات والتحليلات حول الاقتصاد السوري .. مئات الجداول والأرقام .. ولا حلول
نريدُ حلاً !!!
كتبه د.عامر خربوطلي :
عند النظر للمشاكل بمختلف أنواعها هناك أسلوبين مختلفين ولكل منهما دواعيه، الأول يعتمد على تحليل أسباب المشكلة والغوص في تفاصيل تداعياتها وتحليل آثارها ونتائجها ليبدأ بعد ذلك مسار الحل أو وصفة العلاج المطلوبة.
أما الأسلوب الآخر فيعتمد على إهمال الأسباب والتفاصيل لأنها حدثت وانتهت ولدينا فقط العوارض والنتائج الناجمة عن هذه المشكلة ويمكن لنا مباشرة وضع الحلول وتطبيق طرق العلاج لأن الحالات تتشابه ووصفات الشفاء تتماثل.
وما بين الأسلوبين تتداخل الطرق وتتعدد التفاصيل وما أصعب حالة التيه في تفاصيل التفاصيل دون تحديد بوصلة الخروج الآمن والسليم، ومن هنا جاء المثل المشهور (إن الشيطان يكمن في التفاصيل) إذاً لا داعي لتفصيل التفصيل ولا مبرر لشرح المشروح ولا جدوى من معرفة الأسباب إن لم نكن نملك العقار الشافي.
نعود للاقتصاد السوري، مئات بل آلاف الدراسات والتحليلات التي وصفت وضع الاقتصاد السوري بقطاعاته الرئيسية وثم معرفة أسباب المشاكل التي تعرض لها وتداعيات الأزمة التي مرَّت عليه ومئات الجداول والأرقام التي تناولت نسب التراجع وأسباب ذلك ودخلت في تفاصيل الأسباب والنتائج والعوارض ولكن أين الحلول العملية القائمة على الإمكانيات المتاحة.
في أواخر التسعينيات زار سورية خبير ألماني لوضع تقرير عن مجالات تقوية الصادرات السورية عبر منظومات الغرف والاتحادات وتبين في وصفته المليئة بالبرامج والمشاريع والأفكار إنها تحتاج فقط لميزانية سورية كاملةً لتحقيقها !!!
الحل يبدأ من الإمكانيات المتاحة الحالية والمستقبلية وبالتدريج وفق أولويات معالجة المشكلة والأهم من ذلك استخدام أساليب مجربة وناجحة في دول مشابهة لنا في ظروفها حيث لا يوجد حالة سورية متفردة تتطلب وضع نظريات وقواعد اقتصادية خاصة بها !!!!
الوضع العام الاقتصادي السوري يمكن تلخيصه بحالة متناقضة من التضخم الركودي أو الركود التضخمي ولا تهم هنا التسميات إنما المهم تعايش ارتفاع الأسعار غير المسبوق مع ضعف الدخل الفردي وتراجع الاستهلاك مع ضعف المبيعات وتراجع إنتاج السلع والخدمات وانزياح غير حميد للطبقة الوسطى على حساب غلبة الطبقة الفقيرة والأشد فقراً.
ولكل من الحالتين أي الركود أو التضخم معالجات مختلفة وأحياناً متناقضة وهنا تبرز أهمية مبضع الاقتصادي المحنك الذي يوازن في سياساته المقترحة ما بين الخطرين ويحاول الموائمة بين آثار هذين المتناقضين وإعطاء العقار المطلوب بدقة بالوقت المحدد والمدة المطلوبة والمكان المحدد وأنواع السياسات المالية والاقتصادية والنقدية الملائمة فلا يكون علاج التضخم بالتضخم بل بالإنتاج ولا علاج الركود بمزيد من الركود بل بزيادة الاستهلاك الذي سيؤدي لاحقاً لزيادة الاستثمار والعرض الإنتاجي.
(دعه يعمل دعه يمر) و(دعه يستهلك دعه يستثمر) و(دعه يبقى في البلد) شعارات يجب الاهتمام بها.
سياسات مجربة ونجحت في عشرات الدول.
العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم /262/
دمشق في 18 أيلول 2024م