جديد 4E

انقذوا روح الاقتصاد السوري .. خسارة الفلاح خطر جسيم ينسف جهود  التنمية  كاملة

 

الجهات الحكومية تتخلى غالبا عن الفلاح عند ظهور الانتاج وطرحه بالأسواق على مبدأ دبر راسك أو تتدخل تدخلا خجولا

 

هو من ترفع له القبعات تقديرا واحتراما .. الفلاح مبتدأ العملية الزراعية والمحدد لإنتاجيتها

 

دَخْلُ الفلاح يجب ان لا يقل عن دخل أعلى رتبة وظيفية في الدولة

 

المهندس عبد الرحمن قرنفلة :

لا أحد ينكر الأهمية الكبيرة للزراعة في بنية الاقتصاد الوطني والعالمي، ولا دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية (التي تعتبر عملية متعددة الأبعاد تسهم في تحسين ظروف المعيشة والقدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الصحة والتعليم والغذاء والحد من الفقر وقمع التفاوت الطبقي في المجتمع )، وفي تحقيق الأمن الغذائي للمواطن ، وتأمين امداد الصناعة بموادها الأولية ، وخلق فرص عمل متعددة ، والزراعة في بلدنا روح الاقتصاد السوري وهويته وهذه حقيقة يقينية فرضتها البيئة و الجغرافية والتاريخ والمناخ ، ولعل العنصر الأهم في تحريك عجلة التنمية الزراعية السورية هو العنصر البشري أو الفلاح بشكل ادق . فهو مبتدأ العملية الزراعية وهو المحدد لإنتاجيتها ،  وهو من ترفع له القبعات تقديرا واحتراما .

ولا يخفى على أحد ما لحق بقطاع الزراعة السورية وبناه التحتية من ضرر بفعل التخريب الذي تعرض له نتيجة الأحداث التي اجتاحت البلاد ، حيث كانت الزراعة بمفاصلها المختلفة أحد أهم بنود بنك أهداف الهجمة الشرسة التي تعرضت لها سورية نظرا لكون قطاع الزراعة يشكل محور صمود البلاد ومصدر قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية .

تحديات بالجملة تواجه الفلاح :

يعاني فلاحونا من حزمة من المشكلات والمصاعب فالتغير المناخي وانخفاض معدل الهطل المطري وتوزعه غير المناسب …. ارتفاع درجات الحرارة شتاء … موجات الحرارة خلال نضج المحاصيل …الآفات الوبائية الجديدة …انخفاض مناسيب المياه .. تملح الترب ….ارتفاع تكاليف الانتاج …تراجع انتاجية المحاصيل .. الجفاف ..مشاكل التسعير والتسويق … تفتت الحيازات الزراعية …تخلف وسائل وطرق الإنتاج… تواضع مستويات انتاج الثروة الحيوانية ، وعوامل باقية متداخلة فيما بينها …هذا في ظل  ضرورة زيادة انتاج الغذاء بنسبة 70% عما هو عليه الآن بحلول عام 2050 لإطعام الاجيال القادمة من المواطنين وجميعها شكلت وتشكل تحديا يواجه فلاحينا و تهدد مستقبل انتاج الغذاء في بلدنا . وقد أطلت علينا برأسها نتائج تأثير هذه العوامل خلال العام الحالي وما سبقه من اعوام على محاصيل القمح و البطاطا والزيتون والتفاح والحمضيات ، ولم تنجو ايضا منتجات الثروة الحيوانية منها ..

فلاحنا مصدر صمودنا وقوتنا وعزتنا :

خلال سنوات الأزمة  ، وكما كان  ، وكما سيبقى ، أكد الفلاح السوري المستوى العالي من الوطنية التي يتمتع بها . حيث صمد في ارضه ورواها بدمه ، وتابع عمله تحت ظروف معقدة للغاية حملت معها الكثير من المخاطر على ارواح الفلاحين العاملين بالأرض ، واستمر فلاحنا بإمداد الاسواق المحلية بمختلف المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية رغم شدة الحصار ، وتعقد سبل تأمين مستلزمات الإنتاج ، وصعوبة الوصول الى الاسواق التي لم تفتقد الى مادة زراعية واحدة طوال فترة الأزمة ، وأكثر من ذلك استمرت سورية رغم جراحها العميقة بتصدير بعض من فوائض انتاج فلاحيها من الخضار والفواكه والمنتجات الحيوانية حتى في اصعب فترة من فترات الأزمة وكلما اتيح لها ذلك ، الى الاشقاء في الدول العربية لتلبية احتياجاتهم من منتجاتها الزراعية . حيث شكلت الصادرات الزراعية اكثر من 80% من اجمالي صادرات البلاد خلال سنوات الأزمة . لتشكل موردا للقطع الأجنبي و مظلة أمان للاقتصاد السوري ودعما لصمود جيشنا في ساحات القتال . ولم يكن كل ذلك ليتحقق لولا صمود فلاحنا وتشبثه في ارضه .

ما هكذا ترد الإبل يا سعد :

ورغم كل التحديات التي تواجه الفلاح ، والتضحيات والجهود التي بذلها فلاحونا لم تنجح اجراءات الحكومات والمنظمات الشعبية المعنية في تأمين مظلة حماية للفلاح من مخاطر الخسائر التي يتعرض لها بفعل جملة من العوامل المتداخلة، يأتي في مقدمتها العمليات التسويقية وأسعار السوق،  رغم انه ينفذ خطط وسياسات الحكومة ويزرع المحاصيل وفق ما يتم التخطيط له من قبل الجهات المعنية التي تتابع مدى التزامه بتنفيذ الخطة رغم ضعف قدرتها في احيان كثيرة عن تأمين مستلزمات تنفيذ الخطة من محروقات ومبيدات حشرية وأدوية وأعلاف بفعل الحصار الاقتصادي الذي تمارسه القوى الغربية على القطر ، مما يضطر الفلاح لتأمينها أما من السوق السوداء أو تهريبا من الدول المجاورة وبأسعار مرتفعة جدا، والطامة الكبرى أن  الجهات الحكومية تتخلى غالبا عن الفلاح عند ظهور الانتاج وطرحه بالأسواق على مبدأ دبر راسك، أو تتدخل تدخلا خجولا وتفتخر بتسويق حجم كبير من الحمضيات او التفاح  او غيره، دون ان تذكر ان ما تم تسويقه لا يتجاوز 10% من حجم الانتاج غالباً  ، حيث تبدأ سمفونية استغاثات الفلاحين السنوية من منتجي الحمضيات  الى منتجي البندورة والشوندر السكري والبقوليات والحليب والبيض واللحوم …..وتطول القائمة ويبقى الخاسر هو الفلاح اولاً والضحية التالية المستهلك بطبيعة الحال . وما هكذا نكافئ الفلاح الذي يجهد نفسه ليقدم لنا رغيف الخبز وقطع اللحم والحليب والقطن وغيره .

عوامل تخنق فرص الربح للفلاح :

لقد كانت بعض سياسات التسعير القسري الحكومي التي تعتمد الاسعار الرسمية لمدخلات الإنتاج ، وتتجاهل التكاليف الحقيقية التي يدفعها الفلاح وتتناسى اننا نعيش ازمة في توفير مستلزمات الانتاج وأن الحروب تخلق ثغرات فساد واسعة وأن الفلاح لا يشتري مستلزمات الانتاج وفق التسعيرة الحكومية ، وان هناك سوق سوداء وهناك تجار لا ضوابط تحكم تسعيرتهم ، وتقوم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتسعير وفق معايير تراعي غالبا مصلحة المستهلك دون الاخذ بعين الاعتبار مصلحة الفلاح المنتج ، (رغم ان حماية المستهلك تبدأ من حماية الفلاح المنتج) .

لتلحق ضررا ماليا بالغا بالفلاح ، كما لعبت عوامل غياب معلومات السوق ، وارتفاع اجور النقل واسعار عبوات تعبئة الانتاج وتحكم سماسرة اسواق بيع الخضار والفواكه بالجملة ( اسواق الهال ) دورا اضافيا بإلحاق الضرر بالفلاح، يضاف الى ذلك تراجع وتيرة تصدير فوائض الانتاج وتبدل السلوك الاستهلاكي للمواطن الذي تخلى عن شراء وتخزين مؤونة الشتاء من حبوب الفول الاخضر والبازلاء والأرضي شوكي وغيرها نتيجة غياب الكهرباء وتعرض مؤونته للفساد او نتيجة الاسعار المرتفعة .

جميعها عوامل تلحق خسائر فادحة بالفلاح الذي ينتظر بيع موسمه من المنتجات الزراعية ليغطي تكاليف معيشته وأسرته فهو بالنهاية مثل اي عامل او منتج ينتج مادة واحدة ويحتاج لشراء مئات المواد من الاسواق ، والمبدأ الاقتصادي الصحيح الذي عملت وتعمل عليه اكبر اقتصاديات العالم يقوم على اساس ان خسارة الفلاح خط احمر وان على الحكومة ان تضمن للفلاح دخلا ماليا شهريا لا يقل عن دخل اعلى موظف حكومي . ويتعين على الدولة السعي لتحقيق إعادة الإنتاج الزراعي إلى وضعه السليم ومساندته لضمان الأمن الغذائي ، ودراسة أمور الوصول إلى الموارد كالأراضي والمياه وتعزيز إعادة تنشيط الأسواق والتجارة على كل الصعد المحلية والإقليمية والدولية.

خاص للسلطة الرابعة