جديد 4E

في ذروة العطش يسقوننا خلاًّ .. مبروك لمجلس وزارة الإعلام الاستشاري .. وتعازينا للعمل الصحفي المصلوب  ..

 

مجلس الشعب يقر مشروع قانون محبط لإحداث وزارة الإعلام

 

السلطة الرابعة – علي محمود جديد :

أقر مجلس الشعب يوم أمس الاثنين مشروعاً صادماً لقانون يتضمن إحداث وزارة الإعلام، لتحل محل وزارة الإعلام المحدثة منذ ( 63 ) عاماً عام 1961، وأصبح قانوناً.

ووفق المشروع يشكَّل في الوزارة مجلس استشاري يتكون من الوزير رئيساً ومعاونه نائباً للرئيس وعضوية المديرين العامين للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، والمؤسسة العربية للإعلان، والمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، ومدير الاتصال والدعم التنفيذي بالوزارة (عضواً وأميناً للسر).

لن نستبق الأحداث لما ستؤول إليه أوضاع الصحافة السورية بعد قانون وزارة الاعلام الذي تمّ إقراره وأصبح قانوناً، والذي نرجو أن لا يُصبح ولا يرى النور، فما تزال عرقلة صدوره ممكنة إذ لم يوقعه السيد رئيس الجمهورية ( حتى اللحظة ) ما يعني إمكانية الاعتراض أو التحفظ على بعض ما جاء فيه أمر وارد.

نقول بعدم استباق الأحداث لأننا ما نزال بانتظار صدور قانون جديد للإعلام وآمالنا الكبرى تبقى مُعلّقة عليه أكثر بكثير من قانون وزارة الإعلام، ولكن هناك بعض الاتجاهات المخيفة والعجيبة في مشروع قانون الوزارة سنطرحها الآن مخافة أن يكون قانون الاعلام متناغماً مع قانون الوزارة .. وهو من المفترض أن يكون كذلك.

فمن الصعب على أي متابع أن يفهم الدور الذي يمكن أن يتولاه المجلس الاستشاري للوزارة إن كان هذا المجلس برئاسة الوزير .. فَمَنْ سوف يستشارُ مَنْ ..؟ ولمن ستقدم المشورة ..؟

إنّ مجلس برئاسة الوزير وعضوية معاونه ومدراء المؤسسات الاعلامية بالكامل هو مجلس إداري تنفيذي بحت وليس استشارياً .. ولو تمت تسميته مجلس تنفيذي .. أو مجلس إدارة لكان مقبولاً أكثر لاسيما وأنه يضم القمم الإدارية في الوزارة.

ولكن ما يمكن فهمه من تسميته ( المجلس الاستشاري ) هو وجوب أن يكون حيادياً ولا تتدخّل به الادارات، كي يتمكن من تقديم الاستشارة الصحيحة بعيداً عن ضغط أحدٍ على أحد، ومن ثم يمكن للإدارة الاعلامية أن تتخذ القرار على مسؤوليتها إن كان مناسباً أم غير مناسب، أما بهذا الشكل فإن المجلس يمكن أن يغدو ستاراً للعديد من القرارات الخاطئة .. فهذا أمر مخيف فعلاً.

ونخشى أن تحصل بشكل ما حالة ارتباط بين قانون الاعلام وهذا المجلس غير المطمئن، لأن الاستعداء المهني الراسخ في العمل الاعلامي الصحفي بين الادارة والتحرير هو حالة قائمة بالفعل وبقوة في مختلف الهيئات والمؤسسات الاعلامية على مستوى العالم، وهناك بحر من الدراسات حول هذه القضية التي صار مُسَلّم بها على أنها مشكلة مفروضة قهرياً وغير قابلة للحل، فإن ارتبط قانون الاعلام بهذا المجلس سنكون أمام مصيبة إعلامية حقيقية بترجيح الأمور لصالح الإدارات دائماً بعيداً عن مصالح الصحفيين الحقيقيين ومصالح المهنة، وعلى الأرجح سيرتبط لأن قانون الوزارة يمهّد لهذا الارتباط باعتباره سيتولّى متابعة الأداء الإعلامي الوطني بجميع مكوناته، وتقديم المشورة الإعلامية والفنية لخدمة الخطاب الإعلامي وتطويره ( بالفعل هذه حالة طريفة أنّ مجلساً استشارياً برئاسة الوزير سيقدم مشورة إعلامية للوزير ) والإسهام في وضع خطط وبرامج تصويب الأداء، بما يسهم في تنفيذ السياسة الإعلامية للوزارة ..!

الشيء الخاطئ جداً والذي ما كان له أن يصبغ هذا القانون هو غياب الكيان الصحفي الحقيقي الميداني كلياً عن نصوصه ومفرداته وعن هذا المجلس الاستشاري تحديداً، فلا يوجد أي ذكر لرؤساء تحرير الصحف، ولا لمدراء أو أمناء التحرير ولا حتى لمحرر صحفي .. ولا لمذيعي أو حتى لمدراء القنوات الاذاعية والتلفزيونية .. ولا لكوادر المواقع الالكترونية أو ممثلين عنهم .. بل هناك غياب كامل للإعلام الخاص دون أي تمثيل، وغياب شامل لاتحاد الصحفيين عن ذاك المجلس الاستشاري، رغم أن القانون يطرح الوزارة – كما أشرنا – على أنها ستكون راعية للإعلام الوطني وليس الرسمي فقط .

وفي الحقيقة فإن استعانة المجلس بمن يراه مناسباً – كما ورد في القانون – غير كافية ولا مقنعة بأن المجلس سيستدعي تلك الوجوه المهنية الغائبة عند اللزوم .. ولكن بالنهاية قد لا يحصل ذلك فلا إلزام بهذا الأمر.

إن غياب هذه الوجوه عن المجلس الاستشاري – وهي وجاهة العمل الاعلامي الصحفي وقممه الحقيقية المنخرطة بكل قواها وإمكانياتها في مهنة الصحافة – من شأنه أن يُحدث فراغاً كبيراً في العمل ومتطلباته واحتياجاته المتصاعدة، ويبدو أن من صاغ هذا القانون بعيداً كل البعد عن الأجواء الصحفية ولا يعرف المعنى الحقيقي للصحافة أو للصحفي، هذا إذا أخذنا الأمور على محمل حسن النيّة، وإلاّ فإنه يتقصّد ذلك عمداً.

كنا نعيش بأمل الاقتراب من تحسين الأوضاع المهنية وإنقاذنا من الوضع البائس الذي نحن فيه وعليه، وإذ بنا نبتعد أميالاً عن ذلك الأمل .. وراحوا في ذروة العطش يسقوننا خلاً، في حين يبقى العمل الصحفي يتوجّعُ مصلوباً على أمل قيامته.