علي محمود جديد :
لم يبقَ بيت في سورية إلاّ وصار – على الأرجح – يدرك جيداً أن بعض الطلبة في الجامعات الحكومية يتعرّضون سنوياً إلى حالة من الضغط والافتراء من قبل بعض ( الأساتذة الدكاترة ) الذين يتخلون عن أخلاقهم وشرف مهنتهم، عندما يعمدون إلى ترسيب بعض الطلاب مهما كانوا مجدين ومتفوقين، ومهما كانوا بارعين في تقديم إجاباتهم على أسئلة الامتحان، بهدف تعجيز أولئك الطلبة وإيصالهم إلى مرحلة فقدان الأمل بالنجاح وصدمهم بأبواب مغلقة في وجوههم، لا يعرفون منفذاً من منافذ النجاح، حتى يرشدهم بعض الطلبة الآخرين الذين يكونون قد مرّوا بمثل هذه التجربة، ويخبرونهم بأنه لا مجال للفوز بتحقيق النجاح وتطويع المادة أو المقرر – موضع المشكلة – مهما كانت جديّة الدراسة كبيرة، واستيعاب المنهاج تاماً، إلاّ بطريقة وحيدة هي إرضاء أستاذ المقرر الذي يبقى مستعداً لانجاح كلّ من ينزل عند رغباته بدفع ما يفرض عليه من أموال، أو هدايا ( بسيطة ) صار معمول بها أكثر في هذه الأيام، وبالفعل فالبعض منهم – كما يروي عدد من الطلبة وأهاليهم – لم يعد يقبل فدية الخلاص من المقرر إلا بهذه الطريقة.
الجنون فنون، وبلوى هذا الفنّ لم يعد خافياً على أحد ويكاد يكون حديثاً مطروقاً بكل آلامه في كل بيت فعلاً، لأن وسطي عدد طلبة الجامعات الحكومية يحوم سنوياً حول النصف مليون طالب .. يعني – وبشكل تقريبي – نصف مليون بيت، وكل طالب يعرف هذه الحكاية سواء كانت قد مرّت معه أو مع بعض رفاقه، وبهذا الحجم من الانتشار سنوياً يمكننا أن ندرك حجم الفضائحية المسكوت عنها على الرغم من بشاعة عورتها ..!
نحن أمام حالة – وإن كانت قليلة عند بعض الأساتذة – مخزية ومسيئة بشكل كبير لجسم التعليم العالي الذي لا يقبل العقل له سوى النبل والعطاء ونشر العلم والمعرفة، كما أنها – أي الحالة – ترهق الطلبة وأهاليهم، فأغلبهم غير قادرين على تلبية تلك المطالب المفترية، كما أن الحالة أيضاً تساهم إلى حدّ كبير في تخريب عقول الطلبة الذين يقعون تحت هذا الضغط وهذا الابتزاز.
الغريب في الأمر أنّ هذا الواقع معروف للغادي والبادي، والمعاناة منه قاسية ومستمرة، ومع هذا لا نجد إلا إجراءات محدودة من قبل الجهات المختصة – سواء وزارة التعليم العالي أم رئاسات الجامعات – لردع أولئك المستهترين بالعلم وبالبناء العقلي والنفسي للطلبة كما يجب أن يكون العلم والبناء.
من غير المعقول الاستمرار بهذه الحالة التي ” تمشي في الأرض مرحاً “.
صحيفة الثورة – على الملأ – 26 تشرين الثاني 2023م