علي محمود جديد :
يا ناس .. يا حكومة .. يا مسؤولين .. يا مصارف .. يا مؤسسات .. سهّلوا الأمور على المتقاعدين، فمن لن يموت منكم وهو على رأس عمله سيصير متقاعداً يوماً ما، وسيصطدم رأسه بفأس الإجراءات التعقيدية واللا معقولة التي تُطلب من المتقاعدين أكثر من أي شريحة أخرى.
المسؤولون والمصارف والمؤسسات ولاسيما التأمينات الاجتماعية والتأمين والمعاشات يتعاملون مع المتقاعدين وكأنهم لايزالون في ريعان الصبا والشباب، فيطلبون منهم الحضور شخصياً لمتابعة معاملاتهم المالية، أو للتثبت بشكل حسي – برؤية العين – إنهم مستمرون على قيد الحياة، وينسون – أو يتناسون – بأن أغلب -هؤلاء المتقاعدين – لم يعودوا قادرين على الحركة كما يحلو لطالبي المتابعة والتثبت، فأغلبهم يعاني من التعب أو الضعف والمرض وبعضهم بات مقعداً وهذا كله لا يغفر لهم، سيحضرون يعني سيحضرون ..!
حالات يواجهها المتقاعدون يومياً بمنتهى سوء التصرف واللاإنسانية، ومن واجبنا جميعاً العمل على التخلص من هذه الحالات المنفصلة عن الواقع، وإيجاد طرائق بديلة تضمن حقوقهم من دون أي استدعاء أو أي طلب مرهق لهم.
الأمر بات بسيطاً – لو شئنا ذلك – من خلال إمكانية إثبات شخصية المتقاعد عبر وسائط الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، أو أي تطبيق من تطبيقات الأنترنت الذي يمكن اعتماده لهذه الغاية، ولم يعد يحتاج الأمر عملياً إلى كلّ هذه التعقيدات، سواء كان بالحضور شخصياً، أو تنظيم وكالة لأحد الأبناء أو الأقرباء، وهذه مصيبة أخرى لأن المتقاعد سيذهب إلى المحكمة شخصياً وسيدفع تكاليف الوكالة، وقد صارت هذه التكاليف باهظة، فبعض رواتب ورثة المتقاعدين لم تعد كافية لتغطية تلك التكاليف.
حالات كثيرة تحصل يومياً تختص بتنكيد المتقاعدين مع الأسف، ومن ضمنها – مثلاً – اتصلتْ بنا إحدى السيدات القريبات التي تعاني من وضع صحي لا يسمح لها بالمزيد من الحركة ولا بالتنقل بوسائط النقل العام، فهي تحتاج إلى سيارة أجرة تقلها إلى الأماكن التي تضطر لقصدها ومن ضمنها البنك أو المحكمة لإثبات الشخصية .. وما إلى ذلك.
هي وابنتها تسكنان في اللاذقية، وهما وريثتان لراتب زوجها، وهذا الراتب مركزه في بانياس، وباعتبارنا أقلعنا بعمليات التحوّل الرقمي تمّ توطين الراتب في فرع مصرف التوفير في بانياس، وصارت بطاقتا الصراف لهما موجودتان في ذلك الفرع.
المصيبة الآن هي كيف ستستلم تلك السيدة بطاقتها، فلو أرادت الذهاب بسيارة من اللاذقية إلى بانياس ومع الانتظار والعودة فإن كلّ الرواتب التي ستحصّلها لمدة عام لا تكفي لتغطية أجور السيارة..؟!
ولمحاولة حل هذه المعضلة اتصلتُ مع فرع التوفير في بانياس وطرحتُ المسألة مع الإدارة، واستفسرتُ عن إمكانية إرسال البطاقتين إلى فرع اللاذقية ويتم استلامهما من هناك تخفيفاً للأعباء، وللأمانة كانت مديرة فرع بانياس بمنتهى الذوق، استمعت جيداً للمشكلة وتجاوبت، وقالت : فقط ليتم تقديم طلب في فرع اللاذقية ثم يتم إرسال البطاقة من هنا ويجري الاستلام في اللاذقية.
طبعاً هذا أقصى ما يمكن فعله في زمن ( التحول الرقمي ) الجاري عندنا، فمع الشكر الجزيل لإدارة فرع توفير بانياس، وإن شاء الله نصل إلى شكر مماثل لفرع اللاذقية، نقول : إن التحول الرقمي الذي تقام من أجله أبهى المؤتمرات والندوات، وتُصاغ عنه أجود التقارير الشيقة، كان من المفترض أن يجد حلاً لمثل هذه القضايا الصغيرة، ويعفي المتقاعدين وغير المتقاعدين من هذه المعاناة، ويعفي المصارف والمؤسسات – التي سمعنا عن رشاقتها – من الابتلاء بمثل هذه المراجعات شبه الحجرية عبر حلولٍ حضارية تليق بعالم رقمي فعلاً.
صحيفة الثورة – على الملأ -1 تشرين الأول 2023م