جديد 4E

هزاع عساف يكتب عن الفلاح المتروك يعاني وحيداً .. والمعنى الذي جعل من الماء سبباً مباشراً للحياة

 

 

سعاد زاهر : أي عبث تتحفنا به الحياة ونحن نفارق أحبتنا .. كيف سأتحاشى المرور قرب مكتبه .. سيبدو لي الطابق السادس فارغاً .. مظلماً .. قاسياً…

 

ديب علي حسن : هزاع عساف الزميل الانيق والراقي سلوكا وفكرا وقدرة على المحبة والتواضع .. ها انت تمضي في موكب اليقين وحبرك دمك

 

السلطة الرابعة – علي محمود جديد :

حزينةٌ هي أضواء صحيفة الثورة اليوم .. وخافتة مثلما خفت النبض في قلوبنا على رحيل الزميل العزيز الطيب ( هزاع عساف ) وحزينة جدران الصحيفة وحيطان الطابق السادس التي كانت تلاقي كل يوم صوته القوي الجميل وضحكاته العذبة وتصغي مستمعة لابتساماته اللطيفة التي كانت تُسابق يده في تحية مُلاقيه.

يوم أمس السبت وفي ساعة غفلة مسائية ينتشر الخبر الصاعق دون مقدمات ولا إشارات ولا حتى أي ملامح أعرفها، وتمضي الصحيفة صباح اليوم بحزن وكآبة لتنعيه.. ودون أن تجد أمامها أي خيار آخر .

وقالت:

( أسرة تحرير صحيفة “الثورة” وإدارة مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع تنعيان الزميل الصحفي هزاع عساف أمين التحرير للشؤون المحلية والثقافية الذي وافته المنية مساء امس في مكتبه بالصحيفة وهو على رأس عمله.

والزميل عساف رحمه الله يعمل في الصحيفة منذ أكثر من ربع قرن وعمل محررا بالشؤون المحلية ثم رئيسا لدائرة الأخبار المحلية ثم أمينا للتحرير ويتقدم الزملاء في الصحيفة من عائلته ومحبيه بأحر التعازي سائلين الله أن يلهمهم ويلهمنا الصبر والسلوان ).

 

هزاع الجَسور المتابع

كان الزميل هزاع مثال الصحفي المخلص لمهنته ولرسالتها في التخفيف من أوجاع الناس ورصد همومهم أملاً بإزالتها أو حلحلتها على الأقل، وكان من المنحازين بشكل كبير لسلامة الوطن والحفاظ على خيراته ومقدراته ولدعم كل من يستطيع أن يبادر من أجل خير وطنه وعزته .. فهو بالفعل متابع ويتحدث بقوة وجسارة عندما يتيقّن أن في كلامه حق ساطع .

تحت عنوان ( الفلاح ثم الفلاح وإلّا..! ) كتب مرّةً يقول :

الفلاح الذي تربطه مع الأرض علاقة أكثر من عضوية، وأكبر من عفوية، وهو الذي تربى وعاش وقضى جلّ حياته معها.. لازمها كأسرته، وأحسّ بدفء العلاقة بينهما كوالد وأبنائه، وإلى آخر الحكاية.

إن المتتبع لواقع وحال الزراعة عندنا خلال السنوات الأخيرة يلمس بمرارة وحرقة ما وصل إليه الفلاح من عدم قدرته على مواصلة الزراعة، بل إنه يتحمل أعباء جسيمة ثقيلة أرهقت كاهله، وأثرت في حياته وأسرته ومعيشته نتيجة ضعف وتلاشي وسائل الدعم الأساسية والأسباب الموجبة للاستمرار في متابعة العمل الزراعي في الحد الأدنى، من غياب للمحروقات وخاصة المازوت والكهرباء والماء والبذار وإن توافر فتكاليفه مرتفعة جداً جداً.

ورأى أنه من غير المعقول أن نترك الفلاح وحده يعاني، وهو الحامل الزراعي المباشر في العملية الإنتاجية! كيف لا ونحن نعتبر بلداً زراعياً بامتياز، تستحوذ منتجاتنا الزراعية ومواسمنا وغلالنا على إعجاب وتقدير وطلب أغلبية الأسواق سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية.. فعندنا الزيتون والقطن والقمح والحمضيات وأنواع عديدة أخرى من الحبوب كالعدس والذرة والشوندر، إضافة إلى العديد من الزراعات الأخرى من فواكه وخضار.

وقال : صحيح أن هناك تحديات كبيرة وصعوبات وآلاماً وأوجاعاً حصلت، وهي تواجه وتقف حجرة عثرة أمام تطور وتوسع وتحسن الزراعة، وصحيح أيضاً أنّ هذا القطاع تعرّض للتخريب والتدمير، ومنعت عنه أبسط إمكانات استمراره، لكن بالمقابل لدينا إمكانات لا بأس بها، وخاصة بعد تحسن وضع البلد من الناحية الأمنية، وتحرير معظم المناطق من العصابات الإرهابية، وبالتالي لا بد من تقديم جميع التسهيلات وأدوات ووسائل الدعم والتشجيع للفلاح أكثر وأكثر، وليكن لدينا خطة طوارئ زراعية تمكننا من استمرار واستغلال أراضينا ومواردنا الزراعية.

وتحت عنوان : ( أرخص موجود وأثمن مفقود ) عرّج على موضوع المياه قائلاً :

جميعنا يدرك ويعلم علماً لا جدال فيه ولا اجتهاد إلا فيما يؤكد المعنى ذاته بأن الماء سبب مباشر لوجود الحياة واستمراريتها لجميع الكائنات الحية التي تعيش على الأرض وفي البحار والمحيطات، ولا داعي للتذكير بأهميتها وضرورتها، من هنا فإن الحفاظ عليها وتأمينها والبحث عنها وعن مصادرها يتصدر سلم أولويات واهتمام الحكومات والدول وشغلها الشاغل، ومع ازدياد الطلب عليها واستخدامها في مجالات متعددة غير الشرب والغسيل والسقاية، وفي ظل تطور الحياة والثورة الصناعية، ومع حدوث تغير لافت في المناخ وحركة الأرض والجغرافيا، فإن هذه النعمة التي وهبها الله للبشرية تحتاج إلى المزيد من الرعاية والترشيد وإعادة النظر في استخداماتها، وضبط حركة عمل اليد البشرية لجهة العبث بها واستنزافها وهدرها .

وأضاف : فلنتخيل جميعاً أن نصف المياه تذهب هدراً ضمن الشبكات المائية ونحن في أمس الحاجة إلى متر واحد من الماء، ثم إن ذلك يجعلنا نطرح بإلحاح أهمية الانتباه إلى أن سوء تنفيذ الشبكات وقدمها وسوء الخطط والإدارات التي تشرف عليها، والأمثلة كثيرة على ذلك، فهناك أماكن ومواقع تتوافر فيها المياه بكثرة حتى في المحاضر والتجمعات والضواحي السكانية، وأخرى تعاني كثيراً من فقدانها وبالكاد تتوافر، وأخرى أيضاً تشتري المياه على مدار العام.

” هزاع عساف” وداعاً

الزميلة سعاد زاهر – رئيسة الدائرة الثقافية في صحيفة الثورة نعت تحت هذا العنوان الزميل هزاع وكتبت اليوم تقول :

رغم كلّ الإعاقات من حولنا، كان يصر على أن يفعل شيئاً، يساعد الجميع من دون تردد، لا يتصنع الطيبة بل هي مجبولة من عمق روحه…

لا أصدق أنني سأقول زميلنا الراحل” الإعلامي هزاع عساف” أي رحيل مؤلم حدّ الفجيعة، يا لقسوة اللحظة، كنا نجلس في مكتبه يبدو منيراً، مريحاً تنطلق أفكارنا بعفوية ومرح، لأنه لم يتصرف يوماً كإداري تقليدي، كانت روح الزمالة تطغى، ورغم انتكاسات قلبه وارتفاع ضغط دمه المتكرر، كان يصرّ على القيام من تلك الانتكاسات، والعودة إلى عمله بالروح ذاتها، إلى أن سمعنا مساء الأمس بخبر رحيله المفاجئ في مكتبه وهو على رأس عمله…

أتذكر أننا أمضينا معاً في قسم المجتمع أكثر من ثلاث سنوات، كان لا يترك حينها الزميل هزاع، فكرة إلا ويتناولها، ويدافع عن فكرته وقناعته، ثم انتقل للعمل في أقسام مختلفة إلى أن استقر في قسم المحليات كرئيس للقسم، واستلم مؤخراً أمانة تحرير الشؤون الاقتصادية والمحلية والثقافية، وفيها أصرّ على أن يعطي لكلّ ذي حق حقه..

أكتب هذه الكلمات وأنا عاجزة كلياً عن استيعاب اللحظة…أي عبث تتحفنا به الحياة ونحن نفارق أحبتنا، كيف سأتحاشى المرور قرب مكتبه، سيبدو لي الطابق السادس فارغاً، مظلماً، قاسياً…

الطابق السادس الذي كان يعج فيما مضى بالمحررين، من كلّ الاختصاصات، اليوم بالكاد يسكنه بضعة زملاء، سيكون صباحهم اليوم مؤلم جداً، وهم يمشون في الممر الضيق متجهين إلى مكاتبهم.

برحيلك أيها العزيز سنشعر أننا افتقدنا صديقاً لن نعوضه أبداً، كل من تعامل معك سيدرك ما أعنيه، ومن لم يعرفك ستبدو كلماتنا ومحبتنا كافية كي يدرك أي إعلامي كنت…

وداعاً زميلنا هزاع عساف، عسى أن يكون مكانك أكثر أماناً وراحة…!

رعاف حبر ونزف حياة ..

أما الزميل ديب علي حسن – أمين التحرير السابق للشؤون الثقافية .. فكتب اليوم أيضاً يقول :

لم أكن أعلم أني للمرة الأخيرة أتحدث إلى الزميل الراحل هزاع عساف يوم الخميس قبيل الانصراف من العمل ..قرب المصعد تحدثنا قليلا وقبلها بساعات كنا نتفق على ملف للعمل حول رسول حمزاتوف الشاعر الداغستاني ..

هزاع عساف الزميل الانيق والراقي سلوكا وفكرا وقدرة على التعامل مع الزملاء جميعا بروح المحبة والتواضع والقدرة على النقاش الهادئ الذي يثري العمل دون الأستذة على الآخرين أو تصيدهم .

في ممر الطابق السادس حيث معظم دوائر التحرير الثقافة والمجتمع والاقتصاد والدراسات والرياضة والرقابة كنت تخرج لفسحة من الراحة والتقاط النفس ..

اسمع صوتك هناك وسيبقى ملء المكان هادئا يرحب بالجميع …

في مكتبك حين أتيت إليه انت قلت لك مباركا : بقيت في الطابق السادس قرابة خمسة عشر عاما لم ادخل هذا المكتب ابدا ..لكنني اليوم وكلما أتيح لي سوف ازورك لأنك الإنسان اولا وقبل كل شيء ولأنك من حبر العمل اليومي..

هكذا على طاولة مكتبك وعطر حبرك تودع هذا العالم ..

ما أقسى ان نمضي دون أن نعرف أو نقطف ثمار زرع طال انتظاره..

ذات يوم قال أحد الصحفيين: نملأ الصفحات ونذوب لتكون النهاية نعيا بسطرين أو أكثر في الصحيفة.

لكن ماذا لو قلنا : اننا الباقون ولو رحلت أجسادنا ..لسنا خبرا عابرا ولا تختزل حياتنا برحيلنا ..

دمنا حبرنا كتبتها ذات يوم وما زلت ارددها وسأبقى .. وها انت اليوم تمضي في موكب اليقين وحبرك دمك.

لا نمتلك سوى الوداع والألم

بالفعل يا هزاع .. أيها الزميل العزيز لا نمتلك سوى أن نلوّح لك مودّعين .. لننكفئ بعد ذلك لتذوّق آلامنا .. والقهر الموعود ..

إننا وباسم أسرة موقع السلطة الرابعة نبتهل إلى الله تعالى أن يحيطك برحمته ويسكنك فسيح جناته آملين أن يُلهم أهلك وأسرتك الصبر والسلوان .. بأمان الله وحفظه .. ولروحك السلام والطمأنينة .