المهندس عبد الرحمن قرنفلة :
الثروة الحيوانية…هي حقيقة ثروة.. وهي حقيقة كالأحجار الكريمة تتناثر في ريفنا المعطاء وفي مراعينا الطبيعية لتقدم لنا منتجات غذائية وعلاجية وتوفر مواد خام للصناعة واسمدة عضوية للزراعة وتشغل يد عاملة وتحد من الهجرة للمدن وتساهم بتحريك عجلة الاقتصاد وايضا تعمل على جذب القطع الاجنبي بفعل صادرات منتجاتها العديدة جدا.
كثيرة هي المؤتمرات… ومعقدة توصيات تلك الندوات… ومتشابكة المهام….وضائعة المسؤوليات…..والنتيجة ثروتنا الحيوانية في خبر كان…
جهود كبيرة بذلتها الحكومات المتعاقبة التي عاصرتها شخصيا على الاقل منذ اربعة عقود خلت الا انها تبددت بمجملها مدفوعة بعوامل اقل ما توصف به انها دون نظرة استراتيجية …معظم خططنا انفعالية تتعامل مع الحدث الآني ولا تعالج مسبباته …لذلك نرى منحنيات انتاج وانتاجية الثروة الحيوانية يعتريها كثير من التشوهات وتضم كثير من الجيوب السالبة …ورغم ان بعض قطاعات الثروة الحيوانية حققت خرقا انتاجيا معنويا في بعض السنوات وتجاوز انتاجها حاجة السوق المحلية الا اننا فشلنا في الحفاظ على هذا الخرق لأنه غير مستدام وكان وليد عوامل محددة لم نفلح في ترسيخها نهجا استراتيجيا.
لن اخوض هنا في تأثير الازمة وتداعياتها… الصاعقة والمدمرة لأركان الثروة الحيوانية السورية، حيث ادرك اعداء سورية ان تلك الثروة واحدة من مقومات الامن الغذائي الوطني والدرع الداعم لجيشنا الباسل وعامل الاستقرار للأسرة الفلاحية وضمان امننا الوطني لذلك وضعتها الدول المعادية في مقدمة بنود بنك اهدافها…
لكن دعوني اعود الى الوراء الى ما قبل الازمة وامزج الوان الماضي بالحاضر لنتبين نقاط القوة ونقاط الضعف في السياسات الحكومية المعنية بتنمية الثروة الحيوانية.
أي خطة لا يشارك بإعدادها المربون مصيرها الفشل:
في الاجتماعات الحكومية لإعداد خطط تنمية الثروة الحيوانية غالبا ما تقتصر الدعوة على موظفين حكوميين وربما ممثلي التنظيم الفلاحي وبعض النقابات المعنية…ويغيب دائما المعنيون بتنفيذ تلك الخطط والمتأثرون بتطبيقها …وهذا يقود الى بناء خطط غير قابلة للتنفيذ او لا تحقق اهدافها …بطبيعة الحال قد يقول البعض ليس منطقيا ان ندعي الاف المربين لاجتماع بناء الخطة، نعم هذا ضرب من الخيال ..ولكن بإمكاننا ان نطلب الى الدوائر الزراعية المعنية بإعداد الخطة من مستوى القرية ان تشرك فعليا مربي الثروة الحيوانية بإعداد مقترح الخطة والاستماع الى آرائهم ووضعهم بصورة اهداف الخطة ووسائل تنفيذها وهكذا يتم بناء الخطة على مستوى المنطقة ثم المحافظة بحضور ومشاركة فاعلة لمربي الثروة الحيوانية ولكل نوع او عرق حيواني على حده….
لقد تعلمت شخصيا من مربي الاغنام بالبادية السورية ان كثير من سياساتنا بالتعامل مع المراعي الطبيعية وصيانتها واعادة استزراعها كانت مدمرة للمراعي وقد تعرضت لذلك في مواد صحفية نشرتها في صحيفة الثورة منذ سنوات بعيدة والسبب ان تلك السياسات وخططها التنفيذية تم وضعها في المكاتب ومن قبل اشخاص لم يعيشوا واقع البادية …كما تعلمت من مربي الابقار ان غياب تنظيم قطاع تربية الابقار الحلوب وربطهم مع اصحاب مصانع الالبان لن يساهم بتنمية القطاع وان خططنا لتدريج الابقار المحلية سوف تقودنا بمرحلة ما الى اجيال قطعان غير قابلة على التكيف مع الظروف البيئية المحلية واكثر عرضة للأمراض والنفوق وهذا ما نواجهه اليوم في الحقل.
وتعلمت من مربي الدواجن ان غياب تنظيم يؤطر العاملين في القطاع مع عناصر ارتباطه الامامية والخلفية لن يساهم في تحقيق استقرار بمستويات الانتاج…وانه بقدر ما ننتج علفا محليا بقدر ما ننجح بخفض تكاليف الانتاج واننا بقدر ما نطبق الاسس الفنية في التربية والرعاية والادارة والصحة بقدر ما نحقق معايير انتاجية مرتفعة تخفض ايضا تكاليف الانتاج
وتعلمت من اصحاب مصانع تحضير الخلطات العلفية ان غياب قانون ناظم للمهنة وضعف الرقابة وعدم تسجيل الخلطات العلفية لدى وزارة الزراعة كان سببا في طرح خلطات علفية ساهمت بالحاق اضرار واسعة بالحيوانات والطيور الداجنة.
وتعلمت من الزملاء الاطباء البيطريين ومن مشاهداتي الحقلية ان السماح بتداول الادوية واللقاحات والمستحضرات البيطرية من قبل اي شخص كان هو انتحار للقطاع وقد شاهدت نفوق عشرات الالاف من طيور الدجاج نتيجة تطبيق خاطئ للدواء البيطري هذا عدا عن انعدام الضمانات لوقف استخدام الدواء قبل فترة من الذبح يعرفها الفني البيطري فقط وهذا امر خطير يهدد سلامة مستهلكي المنتجات الحيوانية
تعلمت من تجربة المغرب الشقيق انه يوجد قانون يحظر قطعيا على غير الفنيين البيطريين التعامل مع المستحضرات البيطرية وان كل وحدة ارشادية مكلفة بالإشراف الفعلي على مزارع تربية الحيوان التابعة لها جغرافيا وعلى مسؤولية الاطباء البيطريين العاملين في الوحدة وهم يقدمون خدماتهم على مدار ٢٤ ساعة لمربي الابقار والاغنام و الدواجن
الاعلاف عامل التمكين الاول :
نعم تزايدت اعداد الثروة الحيوانية في بلدنا استجابة لزيادة حجم الطلب على منتجاتها ..كما تزايد عدد السكان المستهلكين لمنتجات الحيوان في حين تراجعت مساحات الاراضي الصالحة لإنتاج غذاء الانسان واعلاف الحيوان وهذا خلق تنافسا حقيقيا بين الانسان والحيوان على ما تنتجه الرقعة المزروعة وتجلى ذلك في ظاهرة الخبز العلفي واستخدام كثير من البقول الغذائية في خلطات اعلاف الحيوان….وغاب عن صانعي سياسات تنمية الانتاج الحيواني ان الدول الاوربية التي لديها فوائض في اعلاف الحيوان التقليدية تستثمر كل المخلفات الزراعية لديها في تغذية الحيوان، وتقوم بتصدير جزء كبير من الاعلاف التقليدية الى بلداننا لقد اصبح بالعالم مصانع اعلاف متخصصة بالتعامل مع كل انواع المخلفات الزراعية ( اتبان…قشور البازيلاء….قشور الفول…سيقان واوراق نبات الذرة…عروش الفول السوداني…) التي نهدرها في بلدنا ونلوث بها بيئتنا وتحويلها الى اعلاف نافعة للحيوانات.
كما عملت برامج تربية النبات على انتاج اصناف من نباتات الذرة وغيرها تتميز بنموها الخضري الفائق لاستثماره في تغذية الحيوان …
١٣ مليون طن من المخلفات الزراعية
نعم متوسط انتاج بلدنا من المخلفات الزراعية سنويا اما نستخدمها استخداماً غير نافع اقتصاديا في تغذية الحيوان او نهدرها وربما نحرقها بالأرض او نلوث بها البيئة مثل مخلفات عصير العنب وغيرها.
يمكن لهذه الملايين من الاطنان إن أُحسن استخدامها ورفع قيمتها الغذائية ان تغلق الفجوة في الموازنة العلفية للبلاد والتي تبلغ حوالي ٤ مليون طن من المادة الجافة كما تساهم بزيادة اعداد الحيوانات
ايها السادة:
نحن بحاجة للتفكير بثروتنا الحيوانية بشكل غير نمطي وربما من خارج الصندوق للتخلص من المعيقات القانونية والاقتصادية والفنية وغيرها كثير التي تعوق تنمية كنوزنا المهدورة من اغنام وابقار وماعز وابل وجاموس ودواجن …..
بحاجة لإعادة النظر بكل معطيات تربية الحيوان وربما النظر بإعادة تركيبة الثروة الحيوانية السورية بناء على البصمة المائية والبصمة الارضية لكل نوع حيواني لاسيما اننا مقبلون على تغيرات مناخية ربما تقذف بعدد من الانواع الحيوانية خارج نطاق التربية لدينا
فهل نفعل ؟؟؟سنبقى في انتظار