علي محمود جديد :
تواجه المؤسسة العامة السورية للتجارة انتقاداتٍ شديدة في هذه الأيام لقيامها مؤخراً برفع أسعار العديد من المواد الغذائية، ولاسيما الأرز الذي زِيدَ سعره من / 11 / ألف إلى / 13500 / ليرة للكيلو غرام الواحد، وحظي الأمر بردود فعل سلبية كبيرة.
في الحقيقة الناس من جهة معها حق، فارتفاع الأسعار التي تأتيها من كلّ الاتجاهات تكاد تفقدها صوابها، ولم تعد تعرف كيف يمكنها التصرف بالدخل الهزيل المتآكل غذائياً ودوائياً وتنقلاً وتعليماً فضلاً عن الفواتير الشهرية الباهظة للمياه والكهرباء والاتصالات – رغم سوء تلك الخدمات – ومصاريف الحياة المختلفة.
ولكن هذا السعر الذي أعلنته السورية للتجارة هو لكيلو غرام الرز بالسعر الحر، ولا علاقة له بالمخصصات المقننة التي حافظت بالنهاية على كمياتها وسعرها، فالمؤسسة تفتح الباب أمام كلّ أسرة لاستجرار كيلو غرام إضافي شهرياً عن المخصصات من الأرز، ومن لا يكتفي بذلك يمكنه اللجوء عندها إلى السوق.
وبمعزل عن تأخير الإعلان عن افتتاح دورة جديدة لتوزيع المخصصات المقننة أو عدم التأخير – فهذا شأن آخر له همومه وظروفه غير المنفصلة عن حالة البلاد المعروفة والناجمة عن ظروف الحرب والحصار وتبعاتها – فإننا هنا نتجه نحو إيضاح الأسباب الكامنة وراء رفع سعر الأرز، الذي لم تبتكره السورية للتجارة من عندها ولم تكن ترغب بذلك – حسب قناعتي .. بل معلوماتي – وإنما جاء نتيجة متغيّرات مفاجئة في السوق العالمي لهذه المادة، ففي العشرين من شهر تموز الماضي ارتفعت أسعار الأرز في أسواق الهند، فقامت الحكومة الهندية بحظر تصديره كي تتوازن الأسعار في أسواقها، وعندما تمنع الهند تصدير الأرز فإن هذا يعني أن السوق العالمي قد افتقد 40 % من هذه المادة، لأن الهند التي تنتج نحو / 180 / مليون طن من الأرز سنوياً فإنها تُخصص منها ما يوازي 40 % من الصادرات إلى السوق العالمي، وقد أحدث قرارها بإيقاف التصدير إرباكاً شديداً في أماكن مختلفة من العالم، وتزايد الطلب عليه في أكثر من بلد حتى اضطرت محلات البقالة أن تبيع عبوة واحدة للشخص كحد أقصى، وتروي الأخبار أنه إثر ذلك لجأت الأسر إلى التسوق الجماعي للحصول على مزيد من عبوات الأرز، وكان سبب هذا التهافت على الشراء هو ارتفاع الأسعار إلى أعلى معدل خلال 3 سنوات، وسط أنباء عن زيادة حادة في سعره ومخاوف من اختفائه من الأسواق.
وحتى تكتمل معنا قفزت تكاليف شحن الحاويات هي الأخرى أضعاف ما كانت عليه، ونعلم أن سورية تتضاعف تكاليف الشحن عندها أضعاف مضاعفة عما هي عليه عند الآخرين نتيجة الحصار والعقوبات فهي تستخدم طرقاً طويلة مرتفعة التكاليف، وتكاليف أخرى جراء صعوبات التأمين ومخاطر العقوبات وما إلى ذلك، وهذا كله فضلاً عن اضطرابات سعر الصرف التي حصلت في الأيام القليلة الماضية، فكان الله بعون هذه البلاد التي يتكالبون عليها.
على كل حال هكذا تعمل السورية للتجارة في ظل هذه الظروف القاسية، وقد تمكنت أن تُقدم لنا هذا الكيلو غرام لكل أسرة في الشهر بالسعر الحر وبأقل من أسعار السوق فعلاً، ولذلك أعتقد أنه من واجبنا تفهّم هذا الأمر فهذه حيلتها، والمشكلة الحقيقية هنا ليس في رفع الأسعار، وإنما في انخفاض مستوى الدخل الذي من المفترض أن يُغطي مثل هذه الحالات، وهنا حكاية مريرة أخرى.
صحيفة الثورة – على الملأ – 6 آب 2023م