جديد 4E

رهافة الحس الحكومي

 

علي محمود جديد :

يمكننا اليوم – وبكل ثقة – أن نعيش حالة يقينية بأن الحكومة الحالية تمتاز بحسٍّ مرهف، لدرجة أنها تستشعر بشكلٍ جيد حجم الكوارث التي تنجم عن بعض قراراتها، ولكنها تتعامل معها بذكاء ودهاء، فتلف حول القرارات الكارثية وتدور لتُحدِثَ صخباً معيناً بقصد إشغال الناس عنها ونسيانها إن أمكن بتحويل الاهتمام من مكانٍ إلى مكان آخر.

ولكن المشكلة التي تواجهها حيال هذا الدهاء الذكي، هي أنها تكون مكشوفة، فتبدو الأمور على عكس ما أرادت، تماماً كما فعلت بنا أثناء جلستها الأسبوعية الماضية بتاريخ 23 أيار الجاري، عندما سبقت تلك الجلسة بتوجيه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لإصدار قرار رفع أسعار البنزين أوكتان 95 وأسعار أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم الموزع على البطاقة الالكترونية، وأسعار أسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر من داخل وخارج البطاقة الالكترونية، وأسعار أسطوانة الغاز الصناعية من داخل وخارج البطاقة أيضاً، والتي صدرت قبل يومٍ من الجلسة فعلاً، أي في 22 أيار،

ولكن كانت الحاشية العليا للقرار واضحة أنه جاء بناء على كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم / 6743 / 1 تاريخ 21 / 5 / 2023م المعتمد لتوصية اللجنة الاقتصادية بجلستها رقم / 23 / تاريخ 15 / 5 / 2023م، ما يعني أن وزارة التجارة الداخلية لا علاقة لها بهذا الموضوع فعلاً لا من قريب ولا من بعيد، ونلاحظ هنا كيف أن رئاسة الحكومة لاذت بالصمت تجاه هذا القرار، رغم أنها تنشر الكثير من القرارات الصادرة عن اللجنة الاقتصادية، وقذفت بالموضوع تجاه وزارة التجارة الداخلية لتتحمّل المسؤولية والملامة أمام الناس وكأنها هي التي قامت بزيادة الأسعار، والحكومة بريئة بوجهها الأبيض الجميل والحنون لا حول لها ولا قوة لدرجة أنها في اليوم التالي – ولشدة غيرتها على الناس نظراً لما سيحل بهم من ارتدادات قرار رفع أسعار الغاز والبنزين، حيث سترتفع مجدداً أسعار الكثير من المواد والخدمات – خصّصت مساحة واسعة من جلستها الأسبوعية لمناقشة الواقعين الاقتصادي والمعيشي والإجراءات والخطوات الحكومية المطلوب اتخاذها لتجاوز الظروف الراهنة وتحسين الأوضاع الخدمية والتنموية والمعيشية، وأهمية وضع الدعم في مكانه الصحيح وتوجيهه إلى محتاجيه الفعليين ومستحقيه من الشرائح الأكثر حاجة.

وأكدت على وضع توجهات مستقبلية للتعاطي بشكل منهجي مع هذا الملف بالتوازي مع استمرار تقديم الدعم لقطاع الصحة لتحسين الخدمات الصحية والطبية وتأمين مستلزماتها، إضافة إلى قطاع التعليم ومادة الخبز وغيرها من القطاعات الأساسية التي تشكل أهمية قصوى للمواطنين، على أن يتم توظيف الوفورات المحققة لتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين والمتقاعدين وتخفيض العجز في الموازنة.

لقد سئمنا مثل هذا الكلام الذي ما أن نسمعه حتى تزداد الأوضاع سوءاً وتدهوراً، مع أنه كلام مهم ولكن المشكلة فيه أنه مجرّد كلام وحسب دون أن يترافق مع إجراءات ولا مع أفعال تترجمه على الأرض.

من هنا يبدو لنا حجم الإحساس المرهف الذي تمتاز به حكومتنا الحنونة علينا، فهي لن تسكت على ضيمنا، ولن تدع قرار رفع أسعار الغاز والبنزين يمرّ هكذا دون مجابهة، فها هي ( تناقش ) الواقعين الاقتصادي والمعيشي، و ( تبحث ) عن الإجراءات والخطوات الحكومية المطلوب اتخاذها لتجاوز الظروف الراهنة وتحسين الأوضاع، وطبعاً لا يهم متى ولا كيف يمكن لهذه الإجراءات والخطوات ولهذا التحسين أن يحصل ( ولن يحصل على الأرجح ) فالنقاش قد يطول والبحث قد يتمدّد بالطول وبالعرض من أجل الدقة، فالمهم أنها ناقشت وهي تدرك جيداً أن هذا النقاش سرعان ما يخفض الأسعار ويزيد الدخل ويبعدنا عن مستوى المعيشة الأتفه من التفاهة الذي وصلنا إليه، نعم ناقشت .. وأبدت لنا كم هي حريصة وغيورة ورهيفة الحس معنا وعلينا .. وها هي تعدنا بالقادم الجميل .. وعلى الوعد يا كمون .