السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:
كثيراً ما نسمع مصطلحات مثل الصمود والصبر والعزيمة والإرادة والانفراجات القادمة – لا اعلم من أين ستأتي- وخطابات محشوة بمصطلحات من هذا النموذج في الإذاعة والتلفزيون على لسان بعض المسؤولين الرسميين وبعض المحللين السياسيين ممن يقبضون ثمن أحاديثهم البالية بالدولار أو ما يعادلها بالليرة السورية، وكأنهم يعطون لمستمعيهم دروساً في الوطنية من زمن الستينات.. في حين أن الواقع الذي نعيشه اليوم يتفوق على سيناريوهات الابالسة، وقد تجاوز هذا البذخ في المصطلحات والترف في الشعارات لدرجة أن الناس وصلت لمرحلة الاشمئزاز والتبرم والكفر بكل ما يقال، فالكل تقريبا مشغول بالجري خلف لقمة عيشه وكله خشية وخوف على مستقبله ومستقبل أبنائه ويحلم بالهجرة والسفر..
اليوم لا حديث يعلو فوق حديث سعر الصرف الجنوني الذي لا يتوقف عند حد معين، ومعظم الناس تتحسر على أيام زمان يوم كنا بألف ليرة نشتري مؤونة شهر كامل – الالف ليرة يادوب إجرة باص نقل داخلي – ولسان حالهم يقول ما هذه الجريمة التي ترتكب بحق الليرة السورية وبالمواطن السوري المسكين..؟!
المصيبة الكبرى أن المسؤولين عن معالجة هذا الخلل المعيشي الكارثي لا يتدخلون ولا يفعلون شيئاً إلا الاعلان عن سعر الصرف الجديد، وكأنهم سلموا أمرنا لمشيئة مجهولة أو استسلموا لنتائج المعركة غير المتكافئة بين المضاربين وتجار الأزمات الذين لا يرحمون وبين شعب لا يجد من يرحمه، فلا مسؤولا يطمئن الناس أو يرفع لديهم درجة التفاؤل، بل إن معظم مسؤولينا في واد والشعب في واد آخر حيث لغة رفع الأسعار هي الدارجة هذه الأيام دون أي تبصر بقادم الايام.
ومن المخزي أن المواطن البسيط المتمسك بدولته ومؤسساتها هو من يدفع أثمان هذا الجنون، دون أن تتجه السياسات الاقتصادية لتحسين وضعه المعيشي وتوفير عوامل صموده، وما زال الجميع يراهن على صبره وصموده وعزيمته وإرادته وكأنه مصنوع من حجر، وإذا ما استمرت الحال على هذا النحو فقد يصبح صبر الناس وصمودهم ضربا من الخيال العلمي والأدبي، ولا نستغرب والحال كذلك إذا تحول جميع المسؤولين والمحللين السياسيين في بلدنا إلى علماء وأدباء وشعراء بخيال واسع جداً، من يدري…!!!