جديد 4E

تحركوا قبل أن نضيع

علي محمود جديد :

وماذا بعد يا سادة .. يا حكومة .. ويا مصرف سورية المركزي ..؟ ما هذا الصمت المطبق .. وما هذا العجز .. وهذا الصقيع اللامعقول تجاه الاضطرابات الفظيعة التي تحصل لأسعار الصرف ..؟! أين الإجراءات .. وأين التدخلات .. وأين السياسات النقدية الحكيمة .. والقرارات الجريئة ..؟! .. وأين وأين ..؟!

ما هذا الفشل كله .. ولماذا لا تتصرفون .. وكأنكم تقفون متفرجين على انتقال أسعار الصرف من حالة القفز إلى الطيران ..؟! أفلا يستطيع أحد منكم أن يرمي بشباكه نحوها ليمنعها من هذه الرعونة.. أو يرمي عليها سهماً فيُسقطها ..؟ أو حجراً فيُعرقلها ..؟!

لستم في فيلمٍ سينمائي كي تتفرجوا بهذه الطريقة .. وتمشوا بانفعالاتكم المتبدلة من بداية العرض إلى نهايته .. تارة تغضبون وتارة تضحكون .. وتارة تحزنون وتُدهشون، تماشياً مع ذاك السيناريو الذي تسيرون معه خطوة خطوة وتبدون كالعاجزين عن التدخل به دون أن تُغيروا ولو كلمة، فينتهي العرض وتذهبون لتستريحوا وتخلدون إلى النسيان أو حتى إلى النوم مباشرة، ظناً منكم أنّ الشاشة أطفِئَتْ والصالة أقفلت، ولكن الأمر ليس كذلك .. فالعرض مستمر هنا، ولم يكن في صالة ولا على شاشة، إنه على مسرح الحياة، وإيقاع الآلام والأوجاع، ولا يحتمل الراحة ولا النسيان ولا النوم، أنتم من كان عليه صياغة السيناريو قبل أي عرض، ولكن كأنكم لا تكترثون .. وأنتم من يستطيع التدخّل فعلياً، وأنتم القادرين على أن تضعوا الأمور في مواضعها، فما بالكم ..؟! انتبهوا واستيقظوا لما يحصل وافعلوا شيئاً، أزيحوا تلك الصخور عن صدورنا قليلاً، فكّوا تلك الحبال عن رقابنا .. نكاد نختنق على أرض الواقع، وليس على شاشةٍ ولا في صالة ..!!

أجل افعلوا شيئاً وأنتم القادرون، فلماذا – مثلاً – تريدون أن تُحمّلوا حاكم مصرف سورية المركزي ما لا يحتمل ..؟! هل لأنكم تُحبوه ..؟ أجل حبّوه .. ونحن نحبه أيضاً، ولكن هذا الحب لن يستطيع أن يجعل منه ( سوبرمان ) في قضايا المال والبنوك والنقد، ومعه حق فهو رجل بارع في القانون، تخرج من كلية الحقوق، وحصل على ماجستير في قانون الأعمال، وعلى دكتوراه في القانون الدولي الخاص – قسم قانون الأعمال، كما أنه عضو في إدارة التشريع ضمن وزارة العدل .. ! يا أخي اسعوا لتضعوه وزيراً للعدل إكراماً للمحبة .. أو في أي موقع مناسب، فهو في هذا الاختصاص القانوني كيف سيتمكن من التصدي عبر سياسة نقدية لمثل هذا الجموح في أسعار الصرف والسلع .. ولمثل هذا الافراط في التضخم ..؟! من الطبيعي أنه لن يتمكن، فهذا ليس انتقاصاً أبداً فله كل الاحترام، وإنما من الطبيعي أكثر أن يكون حاكم البنك المركزي متخصصاً وبعمق في القضايا المصرفية والنقدية، ويعرف أبجديات وتفاصيل التصدي لمثل هذه الأحوال الشاذة التي نمرّ بها اليوم، ويكون قادراً على صياغة العديد من السيناريوهات الخلاّقة الكفيلة بالتصدي وبمعالجة ما يحصل.

انظروا إلى ( إلفيرا نابيولينا ) السيدة القوية التي تتولى منصب محافظ البنك المركزي الروسي – مثلاً – كيف أدارت وتدير واحدة من أعظم المعارك الاقتصادية في التاريخ، حيث استوعبت باقتدار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من مختلف الجوانب فتمكنت من إدارة عمليات إنقاذ الاقتصاد الروسي بكل شجاعة وكفاءة وحكمة، وقلبت الطاولة على أميركا وحلفائها، وخلقت واقعاً اقتصادياً عالمياً جديداً لن يعود النظام العالمي من بعده كما كان.

نحن على يقين أن في سورية كفاءات عالية لا تقل حكمة وشجاعة عن نابيولينا، ولكننا نحتاج إلى من يبحث عنها بجديةٍ أكثر وبصدقٍ وأمانة، وكان من المفترض إنقاذ الحاكم قبل أن تحصل مثل هذه الهزيمة.

هذه الحالة التي أفقرتنا وجعلتنا تحت خط الفقر بكثير وبعيدين عنه بشكلٍ موحش، ليس من الاستحالة الوصول إلى حل بشأنها ولو بالحدود الدنيا التي تجعلنا في الإطار المعقول، وهذا لا بد له من بيئة مناسبة وطريق صحيح للوصول، وإلا سنبقى هكذا تائهين، ومع ذلك لن نفقد الأمل .. وندرك أن ما نحن فيه مؤقت وعابر .. ولكن لِمَ هذا الجمود كله ..؟! تحركوا ..!