جديد 4E

بعد رحيل الإعلامي الكبير الدكتور فائز الصائغ .. رثاه الكثيرون .. وغسان الشامي يكتب : فايز الصداقة ..صايغُ الشجاعة

 

السلطة الرابعة – 4e:

نعت وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين فجر اليوم الإعلامي الكبير الدكتور فائز الصائغ عن عمر ناهز 76 عاماً.

وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا – أن الإعلامي الراحل شغل مناصب إعلامية عدة من بينها مدير عام الوكالة العربية السورية للأنباء سانا، ورئيس تحرير جريدة الثورة ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الوحدة ومدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وغيرها، وكان صاحب مسيرة حافلة بالعطاء.

صدمة إعلامية وإنسانية

وقد شكّل رحيل الدكتور فائز صدمة لدى أصدقائه ومعارفه، ولاسيما في الوسط الإعلامي، حيث عبّر مئات الصحفيين والأصدقاء عن حزنهم وتأثّرهم لفقدانه، وذلك عبر صفحات التواصل الاجتماعي اليوم التي زخرت بالحديث عن محبته ومناقبه وتميّزه المهني والأخلاقي.

والدكتور فائز – رحمه الله – يشهد له تاريخه المهني العريق بالكفاءة العالية، والإدارة الرصينة، فضلاً عن تعامله الإنساني ورقته ولطفه .. وتواضعه الذي كان ينثره على الجميع، رغم صوته الأجشّ الذي يُخيل لمن يسمعه عند الوهلة الأولى بأنه أمام شخصية صعبة وقاسية، ولكن طريقة تعاطيه الراقية مع الناس، وابتساماته الجميلة جعلتنا نشعر أن ذلك الصوت أشبه بترانيم محبة.

كان يمتاز بذكاء متميز، وفطنةٍ واضحة، إلى جانب روحه المرحة المجدولة بالجدية والحسم والقرار عندما يلزم، وكثيراً ما كان يحرص على دقة الخبر وصدق المعلومة، ويوصي بأن تؤخذ الأخبار من مصادرها وبعدم التورّط بتبني الأكاذيب والاشاعات وأي كلام

فايز الصداقة ..صايغُ الشجاعة

الإعلامي اللبناني الكبير غسان الشامي، نشر على صفحته مقالاً شيقاً بعنوان ( فايز الصداقة .. صايغُ الشجاعة ) قال فيه:

*إلى روح أخي وصديقي د. فايز الصايغ وهي تمضي إلى الندى السماوي.

كان صوته كجاروشة حنطة من بيدر حوراني صخّاب، وأثلامٌ صغيرة تفترش جبينه كأنها قُدّت من بقايا الأحجار البركانية التي تركها الله طويلاً تحت الشمس في إقليم العربية الدهري، تنحصر مهمتها في محاولة إخفاء التماعٍ خفيٍ في عينيه المتفحصتين، فيما تترك رائحة القهوة المرّة الممهورة بختم الهيل أثراً نفاذاً على الزائر الجديد.

قلت في نفسي، ربما لن تحلَّ الكيمياء بيني وبين هذا الرجل، وذلك عام ألفين عندما زرته في مكتبه في الهيئة العامة للإذاعة والتلڤزيون قبيل زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى دمشق وإنجاز ستة أفلام وثائقية عن مهد المسيحية الأولى السوري، منها الكشف الأول عن ناووس مار مارون في براد، وتسمية الفيلم” مار مارون- ناسك الشمال السوري”.

غسان يمين – الدكتور فائز يسار – الصورة عام 2006

في الأحاديث الاستهلالية أسفرَ عن بعثيته الفكرية وهمّه في أن يكون المشروع وطنياً، من دون أن يدري أنني منحاز فقط إلى العلم والحقيقة والرحم الأساس للمشرق (سورية).اتفقنا على عدم أدلجة المنجز الحضاري وتقديم التاريخ كما هو ، وهذا ما حصل.

زال الانطباع الأول وانسابت حوجلات الكيمياء مع الصايغ الماهر ، وتسامقت صداقة عمّدتها أزمات سوريا بلهيبها، مكتشفاً أن ماء عذباً يرطّب الريح ينزو من كلماته، رغم وسع وسطوة الأيديولوجيا وطول توسلّها في حياته، وأن ندىً أدبياً يمد رأسه من نوافذه كلما رنَّ جرسٌ بعيد.

دمشق بوابتنا الأخيرة في هذا المشرق التعِس وخيارنا المعرفي، نحن الذين حاولوا طحننا بعد الانسحاب السوري من لبنان..قبلها اتصل قائلاً : متى تأتي إلى الشام، قلتُ غداً، في ذلك المساء قال لي لقد أصبحتُ مدير عام جريدة الثورة ، ومن غير المنطقي أن أظل أكتب زاويتي الأخيرة فيها، أنت من أهل البيت وآمل أن تحلّ مكاني في تلك الزاوية، وأعدك بأن لا يغيّر لك أحد حرفاً من أبجديتك.. ضحكتُ واتفقنا على التفكير بالأمر ثم راحت سنوات أربع من مخاضات السياسة ومنها اغتيال الحريري حيث كنا في الشيراتون مع البهي الراحل جبران كورية، وبدء الهجوم المركّز على سوريا حيث بات الصايغ رأس حربة مشروع الدفاع عن بلده، فيما كنت أتلقى رسائل التهديد في بيروت.

ما أن بدأت الحرب المجذومة على الشام حتى تموضع د. فايز على جبهة صمود قلمه وعقله ولسانه، ورغم تقاعده وجلوسه في كرسي النسيان، رغم تجربته الباذخة لم يهن ولم يستسلم تاركاً الأمل يتأرجح معه على شرفة المنزل في الشام العتيقة.

ثلاثة وعشرون عاماً من المحبة النارنجية بيني وبين الصايغ وعائلتي وعائلته ، استعدتها في هذا الصباح الكئيب الكتيم عندما قرأت دفتر رحيله الفجائي الفاجعي، بألم واخزٍ في صدري وصدور من أحبوه.

أبو باسل، علامة مئوية في دفتر الصداقة والأخوة.. شجرة وارفة بالمحبة.. إخلاص يشبه إخلاص الفرسان النبلاء.. شجاعة ساموراي أخير.. هيلٌ كثيرٌ في قهوة الحياة.

سيدتي سحاب يازجي أم باسل.

عزيزي الدكتور باسل، وأعلم أنك موضع فخره.

عزيزتي ديما وعائلتها…

كل ما كتبتهُ لا يفي بحة صوت فايز حقها، إنها بُحّة ” العشيران” في نايات الزمان.

لكم جميعاً صمتنا وهمسات محبتنا وتعازينا أمام هذا المضيء السوري، ابن عم فيلبوس الحوراني.

سأرى وجهكَ أيها الرجل غداً.. لتكن تلك ابتسامتك غير الأخيرة لنا.

بيروت 8 أيار 2023