جديد 4E

السلطة الرابعة في حوار شيّق مع أكثر البرلمانيين السوريين جمالاً وتألّقاً.. (3 من 4)

المهندسة المعمارية ماريا سعادة:

“نحن بحاجة لأن نعبّر بطريقة صحيحة وبحاجة لمن يسمعنا أيضاً..”

“البرلمان وحده غير كافٍ، وإذا لم يدعمه المجتمع فسيبقى معطّلاً..”

“نحن نفتقد لثقافة العمل البرلماني..”

“وجدتُ في البرلمان فرصة كي أعمل وأدافع عن بلدي وأغامر وأتحدى وأدخل بالاتجاه المعاكس..”

“إن كان الناخبون قد أعطوني أصواتهم من أجل شكلي.. فكان الأهم عندي هو: ماذا قلتُ …؟ وماذا فعلتُ …؟”

“في مجلس الشعب منبر يمكننا من خلاله التعبير بطريقة حضارية ولبقة وغير مؤذية..”

“المهم أن نعرف كيف نقدّم أنفسنا.. وكيف ندافع عن حقّنا والواقع الذي نعيشه …؟

“يجب ألّا نخاف من التطوير لأنه يقوينا ولا يؤثر على وجودنا أبداً..”

أجرت اللقاء: وصال عبد الواحد

في المرة السابقة – وقبل أن تتحدث عن مشروعها عبّر لتؤثّر – قالت السيدة ماريا سعادة بأنها دخلت إلى البرلمان لتتحدث عن وجَعِنا، وكيف يفكرون بنا في الخارج، وماهي الصورة التي كانت تنتقل عن سورية والسوريين في الداخل …؟ وكيف ستكون حاضرة على هذه الطاولة وكان أحد أهدافها من الدخول إلى البرلمان كي تدافع عن سورية على الطاولة الدولية.

وفي هذا القسم من لقاء (السلطة الرابعة) بالسيدة ماريا، سنأتي معها إلى بعض التفاصيل البرلمانية التي عاشتها في أجواء مجلس الشعب، وعلى سيرة (عبّر لتؤثّر) هل كانت بالفعل قادرة على التأثير.. أو حتى على التعبير في مجلس الشعب …؟ فسألنا السيدة ماريا:

كيف تقيميّن تجربتك البرلمانية؟ هل كان بإمكانك أن تعبّري كما تشائين؟ فقالت:

بالطبع.. في المجلس كنت أعبّر بجرأة، وكذلك غيري من الزملاء، عن رأيي الذي يعكس واقعنا كما هو وبطريقة حضارية ولبقة. ربما أسلوبي كان مغايراً لما هو سائد فقد شكّل ربما أسئلة كثيرة، إذ في اللاوعي لدينا أي شيء جديد وغير نمطي يُواجَه بالخوف والرفض أحياناً، وهي حالة طبيعية في المجتمعات المغلقة، وكي نعتاد عليه لابدّ من مرور بعض الوقت لقبوله وأنا دوماً أؤمن بعامل الزمن.

ربما كنت “كبش الفداء” الذي بدأ يكسر الإطار ويخرج عن النمط لكسر “التابو” العالقين فيه، أو على الأقل لنتحاور ونفتح مجالاً للنقاش ونفهم بعضنا البعض ونجد من يسمعنا، قد نتشابه أو نختلف، لكن كلنا بحاجة لنقدّم تجربتنا وشكلنا وطريقتنا بالتعبير والحوار والموضوعية التي تشبهنا وطروحاتنا ورأينا الذي نريد التعبير عنه ومن الضروري أن نجد من يسمعنا..

آلية العمل البرلماني هي مناقشة مشاريع القوانين والتصويت عليها، وكان لكلٍ رأيه وكوني مستقلة كنت أعبّر بموضوعية قد يتشارك معي الكثيرين ذات الرأي، وأحياناً عامل الخوف يكبح البعض.. ولكن البرلمان هو منبر في غالبيته للأحزاب السياسية التي توجّه أعضاءها بالموقف أو التصويت، المهم أننا كنّا قادرين على التأثير بمضمون القوانين، وتعديل بعض النقاط، وكان يمكن التوافق مع الكثير من الزملاء على تصويب بعض النقاط أو تعديل بعض النقاط الأخرى، ولكن الأهم في العمل البرلماني هو الانتقال من المستوى الاجتماعي إلى المستوى التشريعي أي أن يكون المجلس مفصلاً ورابطاً ما بين حاجات المجتمع وتطوير التشريعات والقوانين، وحتى يكون الانتقال بشكل فعّال ومؤثر يجب ربط البرلمان مباشرة بالمجتمع كتيار الكهرباء الذي يأخذ من المجتمع ليصّب في المجلس، والبرلماني هو المحوّل القوي لكن على المجتمع أن يكون فاعلاً إلا أنه بواقع الحال لدينا مشكلة حقيقية في ثقافة العمل البرلماني لدى المجتمع الذي ينظر للبرلمان على أنه لا جدوى من التواصل معه لعدم فاعليته، والحقيقة هي أننا لا نملك مجتمعاً يمارس دوره في الثقافة البرلمانية. 

وأنا من وجهة نظري يجب أن نخرج اليوم من الأمور التقليدية، ويجب أن نعرف أنّ قوتنا اليوم وخاصة بعد الحرب على سورية هي بكل أحزابها، وأن كل الأحزاب القومية التي تؤمن بسورية ونسيجها الاجتماعي الكامل، هي بحد ذاتها نقطة قوة، وليس من المفروض أن نخاف بأن أحداً سيزيد رصيده، والآخر قد يقل رصيده!! على العكس يجب أن نكون وحدة متكاملة، كي نتمكّن من الوقوف تجاه أي تطرف، أو تعصب ديني أو تغيير اجتماعي على أساس ديني!! فيجب أن نقف موقف المتماسك كمجتمع سوري ومن كل الأطراف، وهنا دور أحزابنا كلها، وأعتقد أن علينا الخروج قليلاً عن الطريقة التقليدية، فالإيديولوجيات القديمة ليست خاطئة وكانت في ذلك الزمن صالحة ومفعولها جيد، ولكن بزمننا الحالي وبعد الحرب من الضروري أن يتطور مضمونها لتصير شاملة أكثر، فنحن بحاجة لعملية نهضة إضافية لتجتمع الأحزاب كلها مع بعضها وتكون يداً واحدة.

ما هو تقييمك الصريح لأداء مجلس الشعب؟

كي نكون موضوعيين قد يحصل في البرلمان نقاشات على مستوى عالي، وتحصل أيضاً عملية ضغط على الوزراء بطريقة جيدة، لكن الضغط من مجموعة قليلة لا يكفي، أولاً لدينا إشكالية بالإعلام لأنه لا يتحدث عما يحصل داخل البرلمان، ثانياً: البرلمان كي يعمل بشكل فعّال ويكون ضاغطاً حقيقياً ويغيّر أو يطوّر يجب  أن يكون منطلقاً من قاعدة شعبية، ويجب أن يكون عمله الحقيقي على الأرض من مجتمع وشباب، ونعمل معاً على قضايا معينة، حتى يتحول الجميع إلى ضاغطين ويضعوا تلك القضايا في سلّة البرلمان، والبرلمانيون يجتمعون كي يحملوا هذا الوجع، فهذا الاتصال يجب أن يكون موجوداً، فالبرلمان لوحده لن يكون كافياً، إذاً البرلمان معطّل إن لم يكن هناك مجتمع يدعمه، لأنه علينا أن نأخذ من المجتمع إلى البرلمان وليس بالعكس، فلا بد من أن يكون هناك مجتمع فاعل، وبرلمان لديه أدوات وإعلام قوي وإرادة سياسية بالتطوير، وليس علينا أن نخاف من التطوير لأنه يقوينا ولا يؤثر على وجودنا أبداً.

الكثير من الناس أعطتك صوتها في الانتخابات الماضية لجمال وجهك وأريحيته البارزة في دعايتك الانتخابية، هل شعرت بأن الناس صوّتت لك لجمالك ولجمال ابتسامتك؟

وتردّ السيدة ماريا بكل ثقة: بدون شك شعرتُ بذلك، فنحن اعتدنا أن نرى أشكالاً نمطية في البرلمان، لم نعتَدْ أن نجد امرأة شابّة وجميلة، فكانت تلك البداية من حيث فكرة تغيير الشكل أولاً، نعم ومن خلال ابتسامة لطيفة وصورة حقيقية وبسيطة وقريبة من الناس، كنت قد نجحت في لفت أنظار الناخبين نحوي وكان ذلك شيئاً جيداً، ولكن يبقى لديك المهمة الأصعب، ألا وهي كيف ستقدمين نفسك بعد ذلك …؟ ماذا قلت وماذا فعلت …؟  وكان ذلك بالنسبة إليّ هو الأهم، كي أثبت لنفسي أولاً أنني لم أنجح فقط بسبب الشكل، الكثير قد انتخبني لشكلي، وبعدها قرأوا برنامجي الانتخابي.. وقالوا لي: “نحنا حبينا الشكل أولاً، ثم تابعناك على الإعلام ” وهكذا ننتقل من مرحلة إلى مرحلة، وأصبح لا بدّ من ضرورة وجود مدخل صحيح ومسار صحيح، كي لا نخسر، وهكذا أصبح في رصيدي خبرة متراكمة على مدار ثمان سنوات مع الشأن العام.

هل توقعتِ نتيجة فوزك بالانتخابات؟

كان لديّ إحساس عالي بذلك.. لأنني في عام 2012 كان لديّ تحديّ، وكان هناك نماذج كثيرة من داخل الميدان السياسي ولكنها خائفة من أن تظهر في وقت الحرب، وكانت الإشاعات تقول بأن (النظام) سيسقط وسورية سوف تنهار.. في الحقيقة الناس كانت تشعر بالخوف، أولاً لأنها لا تمتلك المعطيات الصحيحة وليس لديها رؤية، أما بالنسبة لي فكنت أعرف بأنّ سورية قوية وسورية تمتلك مقومات قوة كبيرة جداً، وهذا الإيمان هو بمثابة رؤية كنت أمتلكها، وثانياً وجدت بأنّ لديّ القدرة كي أعمل وأدافع عن بلدي في ذلك الوقت، وفرصة مهمة كي أغامر وأتحدى وأدخل بالاتجاه المعاكس، فهناك من يخرج من الداخل إلى الخارج، ولكن أنا على العكس تماماً كنت أدخل إلى صلب الميدان السياسي، في الوقت الذي كنت لا أملك فيه التجربة السياسية، ولا أعرف أحداً في الداخل، ولكن قلت في نفسي لابدّ من التجربة.. فأنا أستطيع أن أدافع وأتكلم عن بلدي كامرأة مستقلة وشابة، وكنت أمتلك عناصر القوة، بالإضافة لرغبتي الشديدة في العمل والتحدي.

عندما كنت أذهب إلى مؤتمرات دولية، كان هناك سؤال يُطرح فعلياً: هل هناك برلمانية جريئة كهذه في سورية؟! في أحد المرات ذهبت إلى مجلس الشيوخ في عام 2015 بإيطاليا وكان هناك جلسة استماع حول المسألة السورية، تكلمت لمدة خمسة عشر دقيقة، وبعدها كانت الأسئلة والحوارات!! الموجودون في المجلس هم رؤساء أحزاب ورؤساء لجان كبيرة، طبعاً من خلال الأحاديث والنقاشات استمعتُ لوجهات نظرهم المبنية على إعلام سخيف، ولا يملكون تجاهنا أي ثوابت، وهنا امتلكتُ أنا القوة لأنني كنت قد أملك الكثير من المعطيات، وتحدثت عن العقوبات الاقتصادية تحت عنوان “الإرهاب الاقتصادي”، حتى أن أحد الأشخاص قال لي بأنك عندما تتحدثين عن الإرهاب الاقتصادي فأنت تتهمين الدول الأوروبية بأنها إرهابيةّ …؟ فقلت له نعم.. وأنا داخل مجلسهم، وسوف أعطيك المعطيات:

مؤخراً، قدّمت ندوة في الأمم المتحدة، وكان فيها مقارنة بين آثار التنظيمات الإرهابية على كل القطاعات في سورية بالأرقام، وآثار العقوبات الاقتصادية على كل القطاعات بالأرقام أيضاً، فكانت النتيجة واحدة وهكذا أنتم ساهمتم باستهداف المجتمع السوري مثلكم مثل المجموعات الإرهابية تماماً. وأعطيته أمثلة ومقارنات على مستوى التعليم والصحة والأمراض.. فاندهشوا جميعاً، وقال لي عندما خرجنا: “مدام سعادة لو في منك عشرة في سورية يناضلون في الخارج، فإنها ستكون بألف خير… وأنتِ أفضل سفيرة لسورية اليوم بالطريقة التي تتحدثين بها…”

فكم هو مهم أن نعرف كيف نقدّم أنفسنا، وكيف ندافع عن حقنا والواقع الذي نعيشه حتى ولو في مواجهة الأطراف المعادية لنا.