جديد 4E

الحسكة .. مدينة النهرين

  عبد المنعم علي عيسى:

تحتوي جغرافيتها الراهنة على أكثر من 800 موقع أثري ، فيما تشير الأبحاث إلى أن أقدمها يعود في تاريخه الى ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد ، وهناك من قال أن حي ” الثكنة العسكرية ” الواقع في الشمال الشرقي من المدينة كان قد قام على آثار مدينة بائدة كانت تدعى ب ” النهرين ” ، وهو ما أكده عالم الآثار البريطاني دافيد اوتس في سياق محاضرة له كان قد ألقاها بالمركز الثقافي بالحسكة العام 1984 ، قبيل أن يضيف أن ثمة موقع آخر كان أشبه بمعسكر تجمع للجيش واسمه ” شادي كاني ” وهو يقع تحت حي غويران الواقع على الضفة الأخرى من النهر إلى الجنوب من المدينة .

تقع مدينة الحسكة في الشمال الشرقي من سوريا ، ويمر بها نهران هما الخابور الذي يعني باللغة الآرامية ” رفيق الأرض ” ، و الجغجغ الذي سماه هؤلاء ب ” ميكدونيوس ” ، في حين تشير كتب التاريخ إلى أن مدينة رأس العين ، 70 كم شمال الحسكة ، كانت تحوي 300 نبع ماء الأمر الذي يفسر أسبقيتها بالزراعة المروية حتى أن بعض الباحثين يقولون أنها عرفت تلك الزراعة بالتزامن مع بلاد الرافدين ، أو بعدها بفترة وجيزة .

 

المؤكد هو أن ثمة انقطاع حضاري كان قد حصل ما بعد اندثار الحضارات السابقة الفعل الذي أدى إلى غياب التجمعات المدنية فيها ولفترة طويلة حتى أن بذور هذي الأخيرة لم تنتش إلا في أواخر القرن التاسع عشر ، وتحديدا في العام 1890 م عندما قرر العثمانيون إقامة ثكنة عسكرية فيها ،

حيث سيعرف الحي الذي قام بجوارها بحي الثكنة وهو الاسم الذي لا يزال يحمله حتى الآن ، وهو سيشكل في ما بعد نواة الحياة المدنية التي توسعت مطلع القرن العشرين بفعل هجرة المسيحيين النازحين من الأراضي السورية التي ضمتها تركيا إليها ثم تعاظمت هجرة هؤلاء بعد ” سفر برلك ” والمجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن العام 1915 ، ثم بفعل هجرة الأكراد من الجنوب التركي بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران 1925 التي قمعها مصطفى كمال اتاتورك بقوة ، وكان من نتيجتها هجرة عشرات الآلاف من الأكراد الذين لجأوا إلى مدينة الحسكة ، حيث سيؤرخ لهذه الحادثة محمد كرد علي ، وزير المعارف السورية ، في تقرير له رفعه إلى حكومته التي أرسلته للوقوف على واقع المخيمات التي ابتنتها الحكومة ، والأهالي ، لاستقبال اللاجئين بعد هذا التاريخ الأخير بقوله أن ” جمهرتهم من الأكراد ” في إشارة إلى أن الغالبية الساحقة من سكان تلك المخيمات كانت من الأكراد الفارين من قمع أتاتورك .

اسم مدينة الحسكة حديث وعمره قد لا يتعدى قرن ونيف من الزمان ، وقد أطلق عليها ، كما ترجح أغلب الروايات ، بناء على انتشار نبات اسمه ” الحسكة ” بكثرة في أراضيها .

جاك صبري شماس

من مواليد الحسكة 1947 وفيها توفي العام 2017 ، وقد لقب بشاعرها الأول ، اتسم شعره بالرقة والعذوبة وهو برع في نظمه مبكرا ، وقد استطاع خلال فترة وجيزة العبور بشعره إلى منابر وصل مداها إلى لبنان والسعودية والكويت والإمارات ، ثم ليتسع المدى نحو كل من لندن وباريس اللتان راحت دورياتهما العربية تنشر له بشكل دوري ومنتظم .

صدرت لشماس عشرات الدواوين ، كما حاز على العديد من الجوائز التي كان من أبرزها جائزة ” خادم الحرمين الشريفين ” العام 2002 ، وجائزة ” نادي الطائف الأدبي ” بالسعودية العام 2005 .

تميزت حياته ، ومواقفه ، بالميل للحوار والدعوة إلى تضييق المسافات ما بين الآراء ، ولعل الصفة الأبرز التي لاصقته هي: الشاعر المسيحي الذي مدح نبي الإسلام الأكرم ( ص) ، كما امتدح المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ، ليمضي من خلالهما إلى تقديس قضية فلسطين التي احتلت جزءا وازنا من شعره .

خلف الجراد

باحث وكاتب وصحفي سوري من مواليد الحسكة 1950 ، حصل في العام 1980 على دكتوراه في الفلسفة من جامعة لينينغراد بالاتحاد السوفيتي ، عضو اتحاد الكتاب العرب ، كتب في العديد من الصحف السورية والعربية ، وله العديد من المؤلفات التي منها ” اليزيدية واليزيديون ” 1995 ، و ” أسئلة اللحظة الراهنة ” 2002 ، و ” العرب في الإستراتيجية الأمريكية ” 2007 ، وقد صدر آخر كتبه العام 2021 بعنوان ” دول وكيانات عربية في بلاد الشام قبل الإسلام ” ، كانت له عدة ترجمات عن الروسية كان أهمها ” ثقافة السريان في القرون الوسطى ” 1990 .

عمل كباحث متفرغ في مركز ” البحوث والدراسات الإستراتيجية ” بدمشق حتى العام 2000 ، لينتقل بعدها إلى رئاسة تحرير جريدة تشرين التي شغلها حتى العام 2006 ، ليبدأ بعد ذلك رحلة ديبلوماسية عند تعيينه سفيراً للجمهورية العربية السورية لدى جمهورية الصين الشعبية في عام 2009 .

سهيل العروسي

باحث سوري من مواليد الحسكة العام 1952 ، كانت له اهتمامات في الثقافة العامة التي تشمل الفكر والسياسة والتراث ، كما اتجه في خواتيم حياته إلى الخوض في إشكالية الحداثة ثم في استقراء المستقبل ، اغتيل بمنزله وسط المدينة العام 2018 في ظل ظروف غامضة و إن كانت المناخات التي سادت المدينة في حينها ، ولا تزال ، تشير إلى هوية المستفيد من ذلك الاغتيال .

ترك وراءه 9 مؤلفات أبرزها ” الحوار الإسلامي المسيحي ” و ” المأزق العربي ” و ” تحديات المستقبل ” ، لكن الأهم منها كان ” مأزق الليبرالية – نهاية التاريخ نموذجا ” الذي جاء ردا على النظرية التي طرحها المفكر الأمريكي فرنسيس فوكوياما العام 1992 والتي قال بها ب نهاية التاريخ كاتجاه وليس كمسار أحداث .

 

محمد السموري

باحث وكاتب وصحفي سوري من مواليد الحسكة 1958 ، وهو يعد من أهم رواد الحركة الثقافية في الجزيرة السورية  ،

عمل على توثيق التاريخ ” الجزراوي ” وله مشروع ثقافي يقوم بالدرجة الأولى على الدراسات الأنثروبولوجية ، كما كانت له العشرات من المقالات في التحليل السياسي وفي النقد الأدبي التي نشرت في صحف محلية وعربية ، ثم اتجه مؤخرا للبحث في جذور الظواهر المجتمعية في الجزيرة وقد قدم من خلال الفعل تفسيرات هامة إبان رصده للتحولات التي شهدتها تلك الظواهر ، وهو يعتبر بحق باحثا في تاريخ الجزيرة لا يمكن لأي أحد  تجاوزه ، أو الاستغناء عنه ، إذا ما أراد الغوص في ذلك التاريخ ، ولربما كانت الأسس التي تقوم عليها أبحاثه تستحق الاهتمام على الدرجة نفسها التي جاءت عليها موضوعاتها واستنتاجاتها .

خاص للسلطة الرابعة