عبد المنعم علي عيسى:
تشير مواقعها الأثرية العديدة إلى أن تاريخها لم يكتشف حتى الآن ، لكن ما يتوافر من وثائق يؤكد أنها مسكونة منذ الألف التاسع قبل الميلاد ، وإن كانت تلك السكنى لم تشهد قيام مدن كبرى عند النشوء ، حيث الفعل سيتأخر إلى عهد الرومان الذين حكموها في الألف الثالث قبل الميلاد ، وعلى أراضيها أقاموا مملكة ” ماري ” ، ثم أقام العموريون فيها مملكة ” يمحاض ” التي تمددت حتى أضحت حلب عاصمة لها ، بعدها أقام الإسكندر المقدوني فيها مدينة ” دورا أوربوس ” التي تحدث أهلها باللغة الآرامية التي كان يتحدثها السيد المسيح .
فيما بعد سيسميها السريان ب ” شورا ” التي تعني بلغتهم الحظيرة ، وفي العصر السلوقي أسماها هؤلاء بـ ” ثياكوس ” التي تحمل معنى ” الدار المحوطة ” ، ضمتها زنوبيا إلى حكمها وأقامت فيها مدينة ” حلبية و زلبية ” التي تعرف بمدن القلاع ، وفي زمن الأمويين الذين شقوا الترع لجر مياه الفرات إلى أراضيها عرفت بـ ” دير بصير ” ، وفي القرن الثالث عشر عرفت باسم ” دير الرمان ” لكثرة انتشار زراعة الرمان فيها ، ثم تحول اسمها في القرن السادس عشر إلى ” دير الرحبة ” لوجود قلعة كانت تعرف بذاك الاسم ، ثم حملت في بداية القرن التاسع عشر اسم ” دير الشعار ” لكثرة شعرائها كما قيل ، قبيل أن تحمل اسم ” دير الزور ” في أواخر العصر العثماني ، وهناك من يقول أن المدينة حملت ذلك الاسم بدءا من العام 1864 م . حيث الدير يرمز إلى المكان الرهبنة للعبادة أما الزور فيعني الأرض المنخفضة اللحقية المجاورة للنهر .. وهي الجارة الأزلية لنهر الفرات.
جلال السيد
سياسي وصحفي سوري مواليد دير الزور 1913 ، وفيها توفي العام 1992 ، بدأ حياته كقائد طلابي يعمل على تنظيم المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي ،
وهذا قاد لاختياره بين أعضاء الوفد الذاهب لحضور مؤتمر ” عصبة العمل القومي ” الذي عقد في قرنايل بلبنان العام 1933 وهو ابن عشرين ، وبعده سيحمل لقب ” المنظر ” في القومية العربية .
نسج علاقاته مع الساعين لإحياء القومية العربية ، وفي ذاك كانت له علاقات وطيدة مع مؤسسي حزب البعث ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ، وعبرها سيحمل لقب ” عضو مؤسس ” في الحزب إبان عقد هذا الأخير لمؤتمره التأسيسي نيسان من العام 1947 الذي أضحى أمين سر له ، قبيل أن تضطرب العلاقة ، والتصورات والرؤى ، الأمر الذي دفع بالسيد إلى إعلان انسحابه من الحزب العام 1955 .
اتجه للكتابة الصحفية فنشرت له كبريات الصحف مثل الحياة اللندنية والنهار اللبنانية والقبس الكويتية والبعث السورية ، وكانت له العديد من المؤلفات التي عالج فيها مسائل ملحة من نوع الإصلاح الزراعي ومسألة توزيع الثروة ، لكن الأبرز منها كان في ” مشكلة الإنسان والإنسان العربي ” الذي يعبر عن نظرة فلسفية حاول فيها عرض وجهة نظره حول فكرة الوجود الإنساني والمهمات الملقاة عليه التي يفرضها ذلك الوجود بشكل عام ثم خصوصية المهام الملقاة على عاتق الإنسان العربي في سياق الوجود الأول ، دون أن يعني ذلك انتفاء الأهمية التي تمتعت بها مخطوطات أخرى له مثل ” أمة العرب اليوم ” الذي رصد فيه لواقع عربي مأزوم شارحا أسبابه والمقدمات التي قادت إليه ، ومثل ” الصراع بين العروبة والشعوبية ” الذي تناول فيه مسألة الأقليات في المجتمعات العربية .
سعد صائب
شاعر ومترجم سوري من مواليد دير الزور 1914 ، وفيها توفي العام 2000 ، له أكثر من 70 عملا و مؤلفا تنوعت ما بين الشعر والرواية والترجمة لكنها في غالبها كانت تميل نحو هذي الأخيرة التي طفحت عنده بفعل تمكنه من اللغة الفرنسية التي نقل عنها كل تراجمه .
بدأ صائب بنشر انتاجه مبكراً في العام 1936 ، ثم تركز جهده على الشعر الذي راح ينشر منتوجه الغزير منه في مجلة ” الصباح ” التي تأسست العام 1941 ، ثم سيعمد ، رفقة العديد من الكتاب ، نحو تأسيس ” جمعية الأدباء العرب ” العام 1958 التي كان لها أثر كبير في الأوساط الأدبية على مختلف مشاربها ، وعندما تأسس ” اتحاد الكتاب العرب ” العام 1968 أضحى صائب عضوا مشاركا فيه .
كانت السمة الأبرز في شخصية سعد صائب هي نهمه للقراءة الفعل الذي كان يثري نتاجه الذي راح يتطور عبر المراحل التي مر بها حتى قيل أنه فارق الحياة وهو يمسك بالقلم ويهم بكتابة شيء ما .
ياسين الحافظ
مفكر وسياسي سوري من مواليد دير الزور العام 1930 ، عاش حياة قصيرة لم تمتد لأكثر من 48 عاماً ، ومع ذلك كانت حياته ثرية بالأحداث التي كثيراً ما شابها تحولات على وقع اختلاف النظرة الذي كان محكوما عنده بعاملي ” توسع العدسة ” ، واختلاف ” زاوية الرؤية ” .
كان لأصول أمه الأرمنية دور كبير في شخصيته وكذا في أفكاره التي راح يبتنيها عن الأقليات و الدور المنوط بها ، فالأم لجأت مع أهلها إلى دير الزور بعد المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن العام 1915 ، ولربما ساعدت تلك الأحداث ، ورواياتها ، في تفتح وعيه السياسي مبكرا ، حيث سيندفع ، وهو بعمر 18 عاماً للمشاركة في حرب فلسطين التي عاد منها خائبا الأمر الذي استولد خيبته أيضا من الأنظمة العربية التي شخص في مواقفها تقاعسا عن حرب كانت الهزيمة فيها ستحدد مسار المنطقة وتحولاتها إلى عقود إن لم يكن إلى قرون ، ولربما ظلت تلك الخيبة بارزة في كل حياته الشخصية والسياسية والفكرية .
انتسب خلال دراسته الجامعية بدمشق إلى الحزب الشيوعي لكنه غادره العام 1955 ، بعدها انتسب إلى حزب البعث الذي غادره أيضا بعد وصوله إلى السلطة ، وعندما حدثت هزيمة حزيران 1967 أصيب بحالة من اليأس قادته في لحظة من اللحظات إلى التفكير بالإنتحار ، لكنه قرر مغادرة الحالة السابقة والخوض من جديد في محاولة تغيير هذا الواقع ليؤسس ” حزب العمال الثوري ” الذي سيظل أمينا له حتى آخر يوم في حياته أواخر العام 1978 ، ولربما كان كتابه ” الهزيمة والإديولوجيا المهزومة ” قد جاء بتشخيص أسبابها على نحو كان هو الأقدر عندما قال أن المسؤول عنها هو كل هذا السطح الاجتماعي الثقافي السياسي الذي يتحمل حدوثها رفقة الأنظمة التي لم تكن إلا انعكاسا له .
عاش الحافظ حياته مهموما بالقضايا الوطنية والقومية ، ثم راح يختط لفكر يسعى للتلاقح ما بين القومية والماركسية ، وعندما حدثت الحرب الأهلية اللبنانية العام 1975 التي أعقبتها ، بعد عامين ، زيارة أنور السادات للقدس خريف العام 1977 ، أحدث الفعلان تحولات كبرى في نهجه كان لها أثر كبير على مجمل الحركات اليسارية مما ستظهر آثاره على هذي الأخيرة من خلال المواقف التي اتخذتها تلك الحركات من الزلزال الذي أصاب المنطقة العربية بدءا من ربيع العام 2011 وصولا إلى اليوم .
كان الحافظ ، ما بعد الحدثين السابقين ، قد أقر بوجوب ” الديمقراطية ” بمفهومها البرجوازي بعيدا عن مفاهيم اليسار التي كانت تتبنى أنواع منها مثل ” الديمقراطية الثورية ” و ” الديمقراطية الشعبية ” وما إلى ذلك ، وهذا الإقرار كان قد قاد منهجيا إلى الليبرالية فيما بعد الأمر الذي يفسر نزوع تلامذته نحو اليمين إن لم يكن نحو أقصى اليمين مما سيبين في حالات عدة لدى هؤلاء منذ التحولات التي شهدتها المنطقة بدءا من العام 2005 مرورا بأحداث ” الربيع العربي ” ووصولا إلى اليوم .
تأثر الحافظ بالتجربة الناصرية لكنه انتقدها فهو وصفها بأنها كانت ” تجريبية ” بمعنى أنها كانت تفتقد للأساس النظري اللازم لنجاحها ، وفي مقال له نشره في جريدة النهار شهر تشرين أول 1971 ، أي في الذكرى الأولى لرحيل عبد الناصر قال ” كان عبد الناصر تجريبيا ، لكن هذه التجرببية ، بسبب الطابع التاريخي لشخصية عبد الناصر وارتباطه بالشعب ، كانت تؤسس لوعي مطابق ، وهذه التجريبية كانت أعلى بكثير من الفكر القومي التقليدي ، وبهذا تفوق عبد الناصر على كل أطر اليسار العربي ” .