السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:
ما من شك بأن الحرب اللعينة قد تركت تأثيراتها السلبية على كل تفاصيل حياتنا، فلم تغادر جزئية منها إلا وأصابتها بخلل ما أو عطب، وقد نال أعيادنا ومناسباتنا على اختلاف تنوعها النصيب الأكبر من الضرر، بحيث بات العيد يمر غريبا في بلاد العيد لا يلمحه أو يستقبله سوى عدد قليل من الناس.
فقليلون جدا – وربما نادرون – هم الذين عاشوا أفراح العيد وطقوسه على أصولها هذا العام، ولا سيما الزيارات والمعايدات وشراء الألبسة الجديدة والحلويات وغيرها، وأكاد أجزم أن الطقس الوحيد الذي مارسه أغلبنا – بسبب الظروف المعيشية الصعبة – هي توزيع المعايدات عبر الفيسبوك والواتس آب وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي، لأن السفر والسياحة وارتياد المطاعم والفنادق وشراء الألبسة والحلويات صارت طقوسا مقتصرة على شريحة ضيقة جدا من المجتمع ربما الكل يعرفها ويعرف كيف تشكلت وسط هذا البؤس المحيط بنا.
لقد كان أبسط طقس في العيد قبل الحرب هو السفر لزيارة الأهل والأصدقاء والأحبة، وشيئا فشيئا تحول هذا الطقس إلى معجزة نتيجة ما أصاب قطاع النقل بين المحافظات من مآزق كبيرة بسبب غلاء الوقود وخطط البطاقة الغبية، بحيث أصبح ثمن صفيحة البنزين أو المازوت في السوق السوداء يعادل رقما فلكيا قياسا بدخل المواطنين، وقد زاد الطين بلة جشع أصحاب وسائط النقل الخاصة، ممن لا يعرفون شفقة ولا رحمة، وهم معذورون بالمقابل فلا أحد يرحمهم لا بالصيانة أو الإصلاح ولا بثمن الوقود والاتاوات المفروضة هنا وهناك..
ربما وحدهم الأطفال مازالوا يمارسون بعض طقوس العيد على طبيعتها ويحاولون أن يعيشوا الحد الأدنى من أفراحه، رغم الكثير من المنغصات والملاحظات والحوادث التي تعكر صفو مشاعرهم البريئة، وكذلك بعض الألعاب المجنونة التي يصر على توفيرها بعض التجار الجشعين، كالمفرقعات والألعاب النارية وغيرها، يضاف إلى ذلك استمرار وجود السلاح في أيدي بعض الزعران واستخدامهم له في مشاجراتهم الكثيرة والمتكررة بطريقة مشينة، الأمر الذي يحول أفراح العيد إلى أجواء من الفقد والحزن والفجيعة.
حما الله الجميع وأعاد العيد عليكم بالخير واليمن والبركة.